شعار قسم مدونات

لنجعل رمضان كورونا فرصة للتغيير

blogs رمضان

منذ أشهر والعالم كله يصارع جائحة كورونا التي كان لها الكثير من الآثار السيئة على واقعنا إنسانيا واقتصاديا واجتماعيا (المليء أصلا بالمحبطات والصعوبات والأزمات) وبالتأكيد فان هذه التداعيات الإنسانية كانت الأسوأ على عالمنا العربي والإسلامي والعالم أجمع، لكن كما يقال رب ضارة نافعة بشرط إذا كنا نعرف كيف نستغل الأزمات ونحولها إلى فرص، وهنا لي وقفتان الوقفة الأولى على تعاملنا مع أزمة كورونا على المستوى الاجتماعي والشخصي والوقفة الثانية تعاملنا مع رمضان في ظل جائحة كورونا.

 

وبداية لست عالما ولا مصلحا دينيا أو اجتماعيا ولكنها خواطر وقناعات العبد لله وهو مثل كل القارئين للمدونة يخطئ ويصيب، يذنب ويستغفر، ينجح أحيانا ويفشل في أخرى، لعل الله ينفع بها أو تساعد في خلق أفكار ايجابية أو تغير في سلوكياتنا، طالعتنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي الكثير من الصور والمقاطع الصوتية والفيديوهات والرسائل المكتوبة حول كيف يقضي الناس أوقات الحجر الصحي خلال أزمة كورونا فمنهم من يشتكي الملل ومنهم من يمارس الرياضة ومنهم من يحاول أن يتشاغل بقراءة الصحف ومتابعة القنوات الفضائية أو يغرق بالساعات الطوال على مواقع التواصل الاجتماعي لكن لكل هذه الأنشطة أو العادات آثار مسكنة لقتل الوقت وللأسف دون جدوى فيعود الملل من جديد وما نلبث أن نمل حتى من هذه الأنشطة والعادات القاتلة للوقت.

 

وهنا ما أود قوله لماذا لا نستثمر هذه الفرصة بشكل أفضل ويكون لها فائدة على مستقبل حياتنا بشكل كبير، كم مرة ستجد نفسك مضطرا أن تعتزل الناس لفترات طويلة وان تتباعد اجتماعيا عنهم وعن أعمالنا اليومية وساعات الدوام الطويلة التي تسبب الكثير من الإرهاق والتوتر في غالب الأحيان، لماذا لا تكون هذه فرصة لنجاحين يسيران في خطين متوازيين وهما الأكثر تأثيرا على مستقبل حياتنا:

  

على المستوى الشخصي خلال فترة الحجر ابتعدت عن أصدقائي فتجددت أحاسيس الشوق لهم وبدأت استرجع ذكرياتي معهم كانت فرصة للتفكير فيمن قصرت في حقهم وبدأت الأفكار الايجابية تهطل علي

المسار الأول: هو بناء علاقتنا مع أنفسنا من جديد واقصد إعادة التفكير في خططنا، أفكارنا عن أنفسنا، قوتنا الداخلية، قوانا الكامنة، إنها فرصة لتنظيم دواخلنا فرصة لنحب أنفسنا من جديد ونقبل بها ونعتز بها وهذا يستلزم ساعات من التأمل والتفكير بدون مقاطعات كثيرة تشتت تركيزنا مثل الزيارات، والخروج الغير مخطط خارج المنزل ويستلزم أيضا استقرار نفسي وصفاء ذهني، كما عليك خلال هذه الفترة أن تبتعد عن الأخبار السلبية والمخيفة عن الإصابات ووفيات أزمة كورونا لقد قمت باحتياطات السلامة لنفسك ولأسرتك وهذا يكفي، أيضا لا تنساق خلف الغوص في وسائل التواصل الاجتماعي التي في الأغلب مواضيعها تستهلك أوقاتنا بدون فائدة ملموسة إن لم تكن لها آثار سلبية. أقول.. عد من جديد إلى ذاتك وفكر فيما مضى من سنوات وابدأ بالتفكير بإيجابية عن حياتك المستقبلية وضع خطة لتحقيق أهدافك وابدأ بتطوير مهاراتك وتنمية معارفك المساعدة لك.

 

المسار الثاني: هو النجاح في إعادة صياغة علاقاتك الاجتماعية بالذات ما يتعلق بأسرتك القريبة (الأم والأب والزوجة والإخوة والأخوات) ففي خضم حياتنا المبعثرة والتي يغلب عليها السرعة والانشغال الدائم بالعمل اليومي والمناسبات الاجتماعية والنوادي والواجبات المنزلية وغيرها نسينا أن نستمتع بكثير من التفاصيل (نسينا أن نتأسف على خطأ، نسينا أن نعبر عن امتناننا لهم، لم نكن نستطيع أن نرى كثير من التفاصيل لان حياتنا مبعثرة، إنها فرصة لإعادة ترتيب الأولويات في علاقاتنا خاصة الزوجية بل والوصول لتفاهمات حول الكثير من الموضوعات والمشاكل العالقة إنها فرصة لطبخ كل الحلول والتفاهمات على نار هادئة بعيدا عن الضغوط المختلفة مثل تدخل الأسرة أو ضغوط العمل أو المناسبات الاجتماعية، فرصة لإيجاد نقاط التقاء واهتمامات مشتركة وتنشيط عادات مفيدة والعاب جميلة كانت في أيام سابقة تدخل عليكم البهجة إنها فرصة لكتابة دستور جديد في علاقاتنا الاسرية وتنمية أساليب مبتكرة لحل كافة المشاكل، إن فترة الحجر هدية ثمينة لمن يفكر بطريقة صحيحة لاغتنامها.

   

على المستوى الشخصي خلال فترة الحجر ابتعدت عن أصدقائي فتجددت أحاسيس الشوق لهم وبدأت استرجع ذكرياتي معهم كانت فرصة للتفكير فيمن قصرت في حقهم وبدأت الأفكار الايجابية تهطل علي فمنهم من شكرته بمكالمة رقيقة على أشياء هو لا يتذكرها ومنهم من أرسلت إليه تسجيلا صوتيا ومنهم شاركته ذكرياتنا بالفيديوهات القديمة بيننا، وخلال الحجر أصبح منزلي خلية نحل في العلم والمعرفة والأنشطة والألعاب الجميلة واكتشفت أن لدى زوجتي الكثير من المهارات والأفكار الايجابية وكانت فرصة لإعادة صياغة الكثير من التفاصيل في حياتي، وعرفت أن حياتي هي هبة الله، فعلي أن أحياها بأفضل طريقة وأن علي رسالة يجب أن أؤديها لديني وشخصي وطموحي وأسرتي ومجتمعي ووطني.

 

ولكم جميعا أن تتصوروا إذا نظرتم للأمر بهذه الطريقة كم ستكون الفوائد التي ستجنيها على مدى طويل من عمرك فدائرتنا القريبة تؤثر علينا بشكل كبير في مشوار حياتنا وكلما كانت حياتنا الأسرية مستقرة انعكس ذلك على بقية نجاحات حياتنا بصورة كبيرة، إذن فالحجر الصحي فرصة لا تعوض لتغيير حياتنا للأفضل فقط توقف وأعد تنظيم وقتك خلال الفترة القادمة وضع أهدافك الشخصية والأسرية أمامك وابدأ في تنفيذها مع التحلي بالصبر والمرونة والحب لكل شيء جميل حولك فالحب هو الطاقة القوية التي تدفعك… حب الله وحب رسله وحب نفسك بشكل ايجابي وحب الوالدين وحب شريك حياتك وحب عملك الذي تجد نفسك فيه وغيرها، خاصة في ظل اقتراب شهر رمضان الذي يعد ميزة إضافية مع الحجر الصحي لما له من اثر في ترقيق النفس وتربيتها وتهذيبها ولما له من نفحات إيمانية تمنحنا من الطاقة والحكمة ما يعيننا على تحقيق أهدافنا الموضوعة، وهو ما سنتحدث عنه في وقفتنا الثانية في الفقرة القادمة.

 

دعونا نستشعر حلاوة شهر رمضان مع الأسرة ليس على طاولة الإفطار فقط لكن في كل الأوقات وأثناء تأدية الشعائر الدينية دعونا نجعل من رمضان "أزمة كورونا" رمضان مختلف وبداية جديدة لمفهوم شهر رمضان

الوقفة الثانية رمضان في زمن الكورونا، ولي فيه نقطتان أيضا الأولى رمضان نقطة تحول في حياتنا، لماذا لا نجعل من شهر رمضان محطة للتغيير في حياتنا لان فيه كل الصفات التي تؤهله للعب هذا الدور، لطالما كنت انظر لشهر رمضان منذ صغري على انه شهر مميز هو الشهر الذي اخطط فيه وفيه أحاسب نفسي على ما خططت السنة الماضية فهو ليس شهر عبادة ودين فقط انه شهر دين ودنيا شهر كانت فيه الكثير من الفتوحات الإسلامية وانجازات عظماء تاريخنا، فلنجعل كل رمضان شهر للتخطيط والتطور والمحاسبة ومحطة لشحن قلوبنا بطاقة الإيمان لان هذه الشحنة والطاقة هي الكفيلة بجعلنا ننطلق ونتخطى الصعوبات والآلام خلال السنة حتى يأتي وقت الشحن القادم في رمضان السنة التالية.

 

النقطة الثانية يزورنا شهر الخير والقران هذه السنة في خضم جائحة الكورونا والكثيرين انشغلوا بأخبارها، ما أريده هنا أن يكون رمضان "كورونا" فرصة أكبر للاستفادة، لماذا لا يكون الحجر الصحي فرصة للعبادة بشكل أفضل… عبادة يتلخص فيها قوله جل وعلا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) صدق الله العظيم، سأتكلم بدون تكلف وبدون قيود، تعالوا نحس العبادة بقلوبنا وبكل جوارحنا فعندما نذكر الله دعوا أجسادكم تمتلئ بطاقة معاني أسماء الله الحسنى، دعوا سياسة العزل فرصة للخلوة مع الله، لنجعل أرقام الوفيات فرصة للانكسار والتبتل إلى الله، وإذا كانت المساجد أغلقت أبوابها فلنجعل بيوتنا عامرة بالتراويح وقيام الليل ما أجملها من لحظات حين تصلي مع زوجتك ومع أبنائك حين تلتفت وتقبل رأس أمك بعد إتمام قيام الليل ما أجملها من لحظات حين تتسمر عيون أبنائك فيك وأنت تشرح لهم آية أو تحكي لهم الفضائل المحمدية.

  

دعونا نستشعر حلاوة شهر رمضان مع الأسرة ليس على طاولة الإفطار فقط لكن في كل الأوقات وأثناء تأدية الشعائر الدينية دعونا نجعل من رمضان "أزمة كورونا" رمضان مختلف وبداية جديدة لمفهوم شهر رمضان، فإذا كنا سنضطر للمكوث أوقات طويلة في المنزل فلماذا لا نجعلها أحلى الأوقات، وفي الختام هي فقط خواطر أخوكم كل أمله أن يرى بيوتنا جنة تشع بالسعادة والرحمة والخير، حياتك هبة الله لك قدر قيمتها وقدر قيمة نفسك لأنك أعظم مخلوق على ظهر الأرض.. لنجعل رمضان في زمن الكورونا لحظة التغيير الحقيقية في حياتنا لأننا نستحق الأفضل.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.