"بالحب ضمدنا الجراح، للسلم ألقينا السلاح، حي على خير الكفاح"
أطلق الفنان والملحن اليمني أيوب طارش عبسي (1942)، مؤخراً، أغنيته الجديدة "شعارنا إنسانية"، وهي من ألحانه وكلمات الشاعر عبد الله الخميسي ومشاركة الموسيقار أحمد فتحي في العزف على العود، وإنتاج مجموعة صفوان الناشري الاستثمارية. يعود طارش من خلال الأغنية للتذكير بقيم المحبة والوئام والتعايش مع الحث على التمسك بالنظام وتضامن والبر من أجل تحقيق السلام، وضرورة نبذ العنف والاقتتال بين الناس مهما اختلفت انتماءاتهم ومعتقداتهم وسلالاتهم.
تأتي الأغنية كرسالة فنّية ضد الحرب، التي يعانيها اليمن منذ إعلان التحالف، نهاية أذار/ مارس 2015، حربه على اليمن، فيما أسميت حينها بـ "عاصفة الحزم" المستمرة حتى اليوم في حصد أرواح المدنيين دون تحقيق أي من أهدافها المعلنة. من جانب آخر، ترفع الأغنية شعار الإنسان أولاً، كثيمة تحاول من خلالها تحطيم كل جدران العنصرية والطائفية والمناطقية التي تغرق فيها معظم البلدان العربية، وظلت ثغرة كبيرة استطاع من خلالها أعداء المنطقة تغذية نيران الحقد والكراهية بين أبنائها.
تقول كلمات الأغنية: "بالحب ضمدنا الجراح، للسلم ألقينا السلاح، حي على خير الكفاح". هذا المقطع يحمل دلالة واضحة أراد من خلالها الشاعر أن يقول إن بناء الأوطان لا يتأتى إلا في حالة السلم والرخاء والاستقرار، وبعيداً عن الاقتتال والحرب، التي لا تخلف سوى الدمار والجوع والمرض، وتعرّض البلد لمخاطر الأطماع الخارجية. وذلك يتجلى من خلال ألبوم الأغنية؛ الذي يتضمن مشاهد مؤلمة للقصف والخراب والبنية التحتية والمساكن والمزارع المدمرة، والتعليم المفقود والحقوق المنتهكة بين ركام وأدخنة الحرب.
يطغى الأسلوب الإنساني على مشاهد الألبوم الذي أخرجه وليد العلفي، ومثّله سليم معيص، من خلال صور الأطفال وهم يحتضنون خيبات براءتهم المسلوبة، مع أخرى تتضمن ما يبيّن حالة التشرد والنزوح في البلد الأكثر فقراً في المنطقة، وكذا الجوع الذي جعل بعض سكان اليمن يعتمدون على أوراق الشجر كغذاء في ظل ارتفاع عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية بشكل مستمر إلى نحو 14 مليون شخص، نتيجة الحرب. وتعد الأغنية التي تأتي بعد توقف دام عدة سنوات، رسالة موجّهة لغرض سياسي أو إنساني، بصرف النظر عن مستواها الفني الجمالي كأغنية لفنان في السبعينات من عمره وعلى قدرٍ عالٍ من الخبرة.
وكان أيوب قد ابتعد عن المشهد الفني عقب الأحداث التي تلت ثورة 11 شباط/ فبراير في العام 2011، بعد ألبوم صوفي تبتّلي لاقى إعجاب الكثيرين، ليبدأ الفنان بعده رحلة طويلة مع ظروف صحية ومعيشية غاية في الصعوبة، أطلقت معها حملات تبرع للعلاج من قبل طلاب وشباب يرون فيه مدرسة فنية، وشخصية استثنائية وهبت التراث اليمني الكثير من الجهد والإبداع دون مقابل، فأثمر ذلك تطويراً وجمالاً، وظل هو متنقلاً بين العاصمة صنعاء ومختلف العواصم العالمية في زيارات طبية، استقرت به حاليا في إسطنبول.
تزامن صدور الأغنية مع دخول الحرب في اليمن عامها السادس يأتي ليطلق صرخة مدوية، في وجه الآلة التي لا تفرّق بين عسكري أو مدني، ولا تعرف شيخاً أو طفلًا أو امرأة، وكأنه يأمرها للتوقف عن توجيه نارها بين اليمنيين أنفسهم. في ذات الوقت، تعيد إلى الأذهان أغانيه الثورية التي دوت في سبعينيات القرن الماضي، حينما كان صوته صدّاحا بـ "هتافات الشعب" من أجل "ضحى سبتمبر" عقب إعلان الجمهورية، وتدخّل السعودية لوأد الثورة آنذاك، وهو ما يثير التساؤل عن "موقف الفنان من التحالف وحربه اليوم؟".
لعل أهم ما يميز عبسي هو انتماؤه للإنسان والوطن والثورة، حيث غنى للحب والسلام والفلاح والجندي والمغترب، وشارك الناس الفرح والحزن، وغنى للأرض فحاكى زرعها وبنها وبلسها وعنبها وتغنى بجبلي شمسان وصبر ووادي الضباب وتهامة، وهتف باسم الثورة والوحدة والجمهورية، ولحّن وغنّى النشيد الوطني اليمني كأهم إنجاز في تاريخه، فرددت الدنيا نشيده، وتستمر.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.