شعار قسم مدونات

الكورونا ليس مسابقة "من سيربح المليون"

blogs كورونا

إلى رجل أول..
لا، لا أريد أن أشترك في دروس اليوغا عن بعد أو أن أبحث في رفوف مكتبتي عن كتب متروكة لأقرأها. لا أريد أن أقضي مزيدا من الوقت في التأمل أو تعلم لغة جديدة أو حتى الاشتراك في دورات تدريبية عن كيفية استخدام الفوتوشوب. لا أريد ممارسة الرياضة، أو قراءة الكتب أو مشاهدة الأفلام التي فوتها منذ أشهر، أو حتى تعلم الطبخ على الطريقة الفرنسية. لماذا لا تتركونا لحالنا؟ كأن الضغط الذي نعيشه يوميا غير كاف، حتى تضيفوا لنا جرعات مرة من الضغوط الاجتماعية التي تدفعنا للشعور بأننا لا نعرف كيف نعيش حياتنا أو أن حياتنا أتعس مما نتخيل؟

لنا حياة نريد أن نعيشها كما شئنا، دون أن تحكموا علينا بأننا أقل منكم ثقافة أو لياقة أو ظرافة، لمجرد أننا لم نحمّل ألف كتاب إلكتروني ولم نمارس تمارين الرياضة كل يوم ولم نشاهد ذلك الفيلم الجديد لتوم هانكس. أيجعل ذلك مني شخصا لا يعرف كيف يعيش حياته؟ أو يجعل ذلك منك إنسانا أكثر مثالية من الآخرين؟ ماذا لو علمت أنني أيضا من أولئك القليلين الذين لم يستمعوا لتلك الأغنية الجديدة لحسن الشاكوش، ولم أشاهد مسلسل "صراع العروش"، ولم أشترك في دروس اليوغا خلال الحجر الصحي، حتى أني لم أقرأ تلك الكتب المهملة في رفوف مكتبتي التي تنتظر من يقرأها منذ أشهر. وأعرف أيضا سيدة لم تغير ملابس نومها يوميا على الانستغرام، ولم تمض أي دقيقة للتأمل في حياتها.

من الضروري أن يحاول الفرد خلال هذه الفترة العصيبة القيام بأي شيء يمكن أن يجعله يشعر بالتحسن، لكنك لست في حاجة أن تدخل في منافسة مع أي شخص لأجل ذلك. إنه وباء، وليس مسابقة "من سيربح المليون"

متى أعلنت منظمة الصحة العالمية عن مسابقة لاختيار "الشخص الأكثر انتاجية خلال الحجر الصحي" حتى يتنافس الجميع للتباهي بإنجازاتهم الشخصية خلال هذه الفترة؟ من الجيد أن البعض منا وجد ما يكفي من الوقت للقيام بأشياء كثيرة خلال هذه الفترة، لكن من المخجل أن يحاول البعض الآخر إقناعنا بأننا لا نعيش حياتنا كما يجب لمجرد أننا لا نريد أو لا نستطيع القيام بأي شيء خلال هذه الفترة.

يتغذى بعض الأشخاص على معاناة الآخرين، فهم يشعرون بأنهم أفضل حالا عندما يدركون أن هناك أشخاصا أكثر تعاسة منهم أو عندما يملون على الآخرين كيف يعيشون حياتهم. بعض الناس خسروا وظائفهم خلال هذه الأزمة، وبعض الآخر خسر أقاربه أو أصدقاءه، بينما يعاني الكثيرون نفسيا بسبب خوفهم على أنفسهم أو أحبابهم، في كل مرة يضطرون فيها للخروج من البيت لقضاء بعض شؤونهم. لماذا تصرون على أن تجعلوا منا نسخا كريهة من ذواتكم عندما تملون على الآخرين كيف يعيشون مخاوفهم؟ إن الحياة لم تكن سهلة قبل كورونا، لماذا تجعلون منها أكثر صعوبة بينما يواجه الناس ضغوطا نفسية رهيبة بسبب الحجر الصحي؟

إلى رجل ثان..
من الضروري أن يحاول الفرد خلال هذه الفترة العصيبة القيام بأي شيء يمكن أن يجعله يشعر بالتحسن، لكنك لست في حاجة أن تدخل في منافسة مع أي شخص لأجل ذلك. إنه وباء، وليس مسابقة "من سيربح المليون". صدقني، إذا مر هذا الوباء دون أن يصيبك مكروه، فذلك لوحده إنجاز عظيم عليك أن تفتخر به. أنت لست في حاجة لقراءة كل الكتب التي لم تقرأها قبل اليوم، ولا أن تمارس تمارين الرياضة المرهقة كل صباح أو حتى أن تعيد التفكير في أولويات حياتك. أنت أيضا، سيدتي، لست في حاجة لتعلم دروس الطبخ، وتغيير البيجاما كل يوم أو حتى ممارسة دروس اليوغا كل صباح.

لقد ولد الإنسان حرا وسيبقى حرا، حتى في أصعب اللحظات التي تمر بها البشرية. لا بأس أن تشعر بالقلق أو الحزن، فالوضع الطبيعي أن البشرية جمعاء تواجه وضعا صعبا. لا بأس أن تمارس الرياضة أو أن يزداد وزنك، لا بأس أن تتعلم مهار جديدة أو ألا تتعلم شيئا، لا بأس أن تتأمل أو أن تتألم. لك حرية الاختيار بأن تقوم بكل شيء أو ألا تقوم بأي شيء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.