شعار قسم مدونات

"السيكا".. عسكري في خدمة المدام لا الوطن

blogs الجيش المصري

كنت في زيارة لإحدى صديقاتي يومًا ما، وإذ بجرس المنزل يدق فَفَتَحت الباب فإذا بعسكري جيش يقول لها أريد الإيجار يا أستاذة؟ ذُهلت من طلبه، ولعندما أعطته المال سألتها ما علاقة عسكري الجيش بإيجار منزلك، قالت إنه العسكري الخاص بخدمة الضابط مالك البيت يأتي كل أول شهر ليأخذ الإيجار، اندهشت وقلت لنفسي: هل هذا تكليف جديد لمجندي الجيش؟ وكان ذلك أول عهدي بأن أرى عسكري يظهر على وجهه الانكسار فهو يعمل في خدمة ليست خدمته، وعلمت بعد ذلك أن هؤلاء المجندين يلقبون بـ"السيكا".

    

عسكري "السيكا" داخل الكتيبة، مهامه كثيرة ومنها إيقاظ الضابط وتنظيف ملابسه ومكتبه وتلميع حذاءه وإعداد الطعام له، كما أن الضابط يجعله "عصفورة" ناقل للكلام فهو ينقل له كل ما يحدث داخل الكتيبة وعندما يكون الضابط في إجازة ويعود يكتب له تقارير عن الأحداث التي حدثت أثناء غيابه، وبعض العساكر منهم يكون له تأثير في تقليب الضابط على بعض المجندين والتأثير على إجازاتهم، وهناك معلومة أيضا علمت بها من مجندين سابقين وهي أن "السيكا" لا يرتدي الكاب العسكري ولا يؤدي التحية إلا لقائده فقط ولا يشارك في أي طوابير ولا يتدرب على حمل السلاح.

    

"السيكا" ليس لخدمة الضابط فقط بل أيضا لخدمة كل من في منزله، شراء خضروات وفاكهة، دفع فواتير مستحقة وكل مستلزمات المنزل التي تريدها المدام والأولاد يفعلها ودون مقابل، استعباد المجندين داخل القوات المسلحة له روايات وقصص كثيرة تحكي معاناتهم وسلب كرامتهم وإرادتهم فهم مسخرون ولا يستطيعون الشكوى، مع استحواذ القوات المسلحة على الاقتصاد المصري بعد 2011 وتوسع مشروعاتها كانت أغلب عمالتهم من مجندي الجيش، فمجند الجيش تجده على سيارات "تحيا مصر" وفي منافذ بيع اللحوم والخضروات، وفي مشاريع البناء والفنادق والمطاعم، وزراعة المحاصيل الخاصة بالقوات المسلحة، وبدون مقابل مادي، ضباط الجيش يختارون من يكون "سيكا" فهم يعتمدون على الطرف الأضعف الذي يخاف أن يقول لا، وبدلاً من أن يتدرب على حمل السلاح يحمل "شنطة الخضار".

      

" أنا مش خدام الوطن.. أنا خدام اللوا ومرات الباشا اللوا.. والعيال الباشوات ولاد سيادة اللوا"

– أشرف عبد الباقي في فيلم الإرهابي

 

عوضا عن ذلك الاحتقار في المعاملة، نجد القنوات التلفزيونية تتشدق بمكانة وعظمة الجندي المصري وهو مهان في المكان المفترض أن يعطيه قيمته ومكانته ويعلمه احترام ذاته لكي يدافع عن أرضه بعزة نفس وقوة، وهنا أتساءل بعد سحق كرامته كيف سيقف أمام العدو وبأي قلب سوف يخوض حرب ويدافع عن أرضه، فالدفاع عن الشيء يكون نابع من الحب والإيمان به، الذي يدافع عن نفسه يدافع لأن حياته ثمينة بالنسبة له لكن الشخص الذي يُسحَق فيه حب الوطن كيف يدافع عنه؟، نتطرق لذلك الأمر لأن كرامة المجند هي كرامة الوطن فعندما تجد كرامة الوطن تهان ولا أحد يدافع عنها فكل الأغنيات والشعارات الرنانة التي تتغني بعظمة القوات المسلحة وكرامتها تصبح رخيصة لا تليق بما يحدث حقا لمجندي الجيش من إذلال واستعباد.

  

رُدوا للمجندين كرامتهم المنزوعة لأنهم من سيدافعون عن رمال الوطن وعنكم، هم من سيكونون في الصفوف الأمامية حين تكون هنالك حرب، أعلم جيداً أن كلماتي ستلاقي اتهامات بكُره الوطن والعمالة والخيانة و و و، هذا هو الرد الوحيد على أي انتقاد للأشياء الخاطئة "خائن"، لا يقولون إننا ننتقد أي سلبيات موجودة في أي مؤسسة بدافع الحب والخوف لكي تصلح تلك المؤسسات نفسها ولأننا نريد جيشنا قوي، لأن طريق الفساد مدمر ونحن لا نريد لجيشنا أن يتدمر، هم لا يفهمون ذلك هم يفهمون لغة واحدة وهي لغة التخوين، عزيزي.. "الخائن هو من يرى الفساد ويصمت ويرحب به ويهلل له بل وينشد له الأغنيات".

 

أخيرا، ردوا كرامة مجندين الجيش، ووجهوا لنا أي اتهام وسنقبل ذلك بصدر رحب فنحن اعتدنا على ذلك الأمر، كرامة المجند من كرامة القادة فأنت حين تهين كرامة المجند فكرامتك أنت أيضا ستصبح مهانة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.