في إطار اهتمامي بتحدي التنوع والاختلاف بين الطوائف المختلفة في الساحة الإسلامية والعربية طرقت باب المفكر المصري الدكتور رفيق حبيب نجل رئيس الطائفية الإنجيلية الراحل بمصر القس صموئيل حبيب في زيارة ثقافية للبحث عن إضاءات معرفية، حول هذا الملف الشائك الذي أرهق كاهل الأمة الإسلامية والعربية وأدخلها نفق مظلم من الاقتتال الداخلي الدامي في العديد من المناطق مثل العراق والسودان واليمن والصومال وباكستان وإيران وتركيا ولبنان، حيث زاد عدد ضحايا العرب في الحروب الداخلية (الطائفية والقومية والعرقية) على عدد الضحايا العرب في الحروب الإسرائيلية / العربية بنحو عشرة أضعاف!
وفي الأسطر التالية أستعرض أهم خمس إضاءات معرفية أشار إليها الدكتور رفيق والتي يمكن من خلالها فتح أفق معرفي جديد يساعدنا في تحويل التنوع الطائفي واللغوي والقومي في الأمة إلى مسار قوة ونهوض بدلاً من أن يكون مسار قتال.
الفتنة والتعصب ليست فكراً يستحق التنظير والكتابة لأن الاستغراق في اعتبار الفتنة فكرا يعطي لها قيمة وزن وشأن أكبر من حقيقتها فالفتنة ما هي إلا رد فعل اجتماعي لحدث يقع |
الإضاءة الأولى: ركز الأستاذ رفيق على أن سر عظمة الحضارة الإسلامية يتجلى في حُسن إدارة التنوع والاختلاف بين أصحاب المعتقدات الدينية والقومية المختلفة تحت سقف الإسلام، فقد شهد النظام الإسلامي فترات مزدهرة من الاستقرار الاجتماعي والسياسي بين العديد من القوميات المختلفة، تحت شعار إدارة الاختلاف في ظل الوحدة، ولكنه ركز على أن هذا التنوع يتحول في فترات التخلف إلى نقطة ضعف وفشل ربما تأكل الأخضر واليابس.
الإضاءة الثانية: أن الحل الناجع لتحدي التنوع والاختلاف في الساحة الإسلامية يتمثل في إبداع حلول سياسية واجتماعية من داخل الحضارة الإسلامية، بعيداً عن فلسفة الحلول العلمانية الغربية والقومية العنصرية الضيقة، لأنه يعتبر أن سقف الإسلام في إدارة التنوع والاختلاف متقدم على السقف الغربي؛ إذ الإسلام بطبيعة متجاوز للقوميات بينما السقف الغربي يقبل التنوع في إطار القومية فقط، والتاريخ الإسلامي شهد تعايش القومية الكردية والعربية والتركية تحت مظلة واحدة.
الإضاءة الثالثة: أن الفتنة والتعصب ليست فكراً يستحق التنظير والكتابة لأن الاستغراق في اعتبار الفتنة فكرا يعطي لها قيمة وزن وشأن أكبر من حقيقتها فالفتنة ما هي إلا رد فعل اجتماعي لحدث يقع، فمثلاً عندما يعتدي شخص عليك بالضرب تقوم بضربه كرد فعل لضربه فالقضية ليست فكرية إطلاقا وإنما هي قضية وقائع حياتية تعالج اجتماعيا.
الإضاءة الرابعة: تلخصت في معرفة القانون الحاكم للفتنة وركز الأستاذ رفيق على أن قانون الفتنة يُستخرج في أي مجتمع من خلال دارسة فترات الوئام والانسجام ثم دارسة فترات الشقاق والافتراق ويمكن من خلالهما معرفة قانون الفتنة، وبالتالي لابد من دارسة هذا القانون بعناية من أجل قطع الطريق أمام الفتنة.
الإضاءة الخامسة: كانت تعليقاً على الحالة التركية البازغة ورؤيته لمستقبلها ودورها الحضاري ركز الأستاذ رفيق على أن الحالة التركية مفتوحة على المستقبل ولكن بشرط أن لا تتحرك بالدافع القومي التركي وإنما تُغلب الدافع الإسلامي الجامع للأمة، لأن السياسية التركية لو تحركت بالدافع القومي التركي فقط وظهر ذلك في السياسية التركية سوف يصطدم بالقومية الفارسية في إيران فالأستاذ رفيق يري الحل لتجنب الصدام التركي / الإيراني في تغليب النفس الحضاري الإسلامي للاثنين معا بعيداً عن المساحة القومية الضيقة.
كانت هذه خمس إضاءات معرفية جديدة تمثل رؤوس جسور للعبور نحو المستقبل الواعد للحضارة الإسلامية متجاوزة حقول الألغام الطائفية والقومية واللغوية التي لو انفجرت ستغتال حاضر الأمة ومستقبلها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.