شعار قسم مدونات

الذين قهروا كورونا!

blogs كورونا

استطاع الداهم التاجي القاتل، المسمى إعلاميا بكورونا أن يوقف حياة سبعة مليارات من البشر هم سكان هذا الكوكب، لأول مرة نرى رؤساء دول عظمى يخرجون يصرخون مما أصاب بلادهم والعالم جراء ذلك الفيروس، لقد أحدث الفيروس ما لم تحدثه الحرب العالمية على المستوى الصحي والاقتصادي والسياسي وحتى على المستوى الاجتماعي، توقفت الحياة في المدن الكبيرة كما توقفت في المدن الصغيرة، بل وفي القرى النائية في أقاصي العالم، وبات الكوكب المزدحم كبيت أشباح لا يدخله إلا موتور، والكل ماكث في بيته، توقفت المصانع والمعامل والمتاجر، وحتى ساسة العالم لم يعودوا يخرجون علينا بابتساماتهم البلهاء مبشرين بحل كل كوارث العالم وما هم بفاعلين.

 

تقول الإحصائيات، كما تؤكد التنبؤات، أن اقتصاد العالم ذاهب إلى المجهول، حيث لا يمكن أن يتوقع حجم خسائر التجارة البينية، ولا خسائر النقل ولا الطيران ولا السياحة، حتى أصبحت الدول تتصارع فيما بينها على أجهزة التنفس الصناعي والأقنعة الطبية الواقية، بسبب عدم قدرة المصانع والشركات على توريد المطلوب، ليس فقط لعظم الطلب، ولكن أيضا لعدم وجود العمالة الكافية، فالعمال خائفون  ولايخرجون من منازلهم، وتحذيرات منظمة الصحة العالمية "ابقَ بالمنزل" تدفعهم للحفاظ على أرواحهم، وطلبات العالم على ما تنتج أيديهم تستصرخهم، فصارت المعادلة أصعب من الفهم، وكأن المخرج أراد أن يوقف المشهد في لحظة صمت لمشهد مهم يراد له أن يكون محور الفيلم الكبير الذي تعيشه البشرية.

 

في اليمن وليبيا وفلسطين استثناء، لم يتوقف شيء، آلة الحرب تدور وكأنها بمعزل عن العالم، وما هي عن الفيروس ببعيد، منذ أيام طور حفتر المدعوم من أبو ظبي ونظام السيسي، هجوما على طرابلس في محاولة هي العاشرة او الحادية عشرة للاستيلاء على العاصمة وهزيمة الحكومة الشرعية، غير مراعيا في ذلك لا الأزمة العالمية، ولا الدعوات الدولية لوقف القتال من أجل توحيد الجهود في مواجهة الجائحة، وكذلك الحال في اليمن، لم توقف طائرات، ما تبقى من التحالف العربي لدعم الشرعية، غاراتها على المدنيين في مدن الشمال، غير آبهة بما حل بالسعيد من فقر ومرض؛ زاده الوباء حزنا على حزن، وغزة التي اعتادت قصف الصهاينة لها، كانت تنتظر شيء من الإنسانية من عدو لم يعرف عنه إلا النذالة، فلا الدعوات الدولية ولا المناشدات الأممية يمكن أن توقف آلة لحرب الصهيونية، التي أرادت أن تنقض على غريم صامد رغم ضعف الإمكانيات. 

   undefined

  

على الرغم من أن من يدفع أبهظالأثمان لهذه النزاعات هم الأكثر ضعفاً، من النساء والأطفال والشيوخ وذوو الإعاقة، والمهمشين والمشردين والفقراء، الذين يكافحون من أجل لقمة تسد رمقهم في ليلة باردة، وهم في ذلك الأكثر عرضة للفناء بفيروس كورونا، حيث تتلاشى الرعاية الصحية في ظل عالم تحكمه رأسمالية متوحشة لا تعرف إلا الأخذ قبل العطاء، فإن آلة الحرب التي لا تتوقف، يريد لها أحدهم أن تبقى تدور بل وتسرع وتتوسع، فإن للحرب تجار يربحون كلما أطلق موتور رصاصة أو أمر مهووس بطلعة جوية.

 

تشير الإحصائيات إلى أن إنفاق العالم سنويا على شراء السلاح يتراوح بين التريليون ونصف والاثنين تريليون دولار، وهو يمثل حوالي ٣% من كامل الناتج المحلي العالمي، نصيب الشرق الأوسط من ذلك الإنفاق خلال العشر سنوات الماضية يقدر بنحو ترليون دولار، مثّل الإنفاق العسكري السعودي في السنوات العشر الماضية حوالي 26% من الإنفاق العام في المملكة بواقع نحو 70 مليار دولار عام 2017 فقط، بما يعني أن السعودية احتلت المركز الثالث وعالميا بعد الولايات المتحدة والصين!

 

والعجيب أن المحلليين يتوقعون أن يتوجه العراق والنظام السوري إلى عقد صفقات عسكرية العام الجاري لترميم قدرات جيشيهما رغم ما يعانيانه من ظروف اقتصادية وتدمير في البنى التحتية، ولا يبتعد كثيرا كل من الجزائر والمغرب، المتنافستان، والنظام المصري الذي لا يعرف أحد لمن يشتري السلاح، ولما كانت القاعدة الأبدية تقول: (السلاح ولد ليستعمل) فإنه لزاما أن تدور عجلة لحرب وتسرع من وتيرة دهسها للأبرياء لتسرع معها عجلة الإنتاج ويولد سلاح جديد ويستعمل وهلم جرا، ولما كان الأمر كذلك فلابد من وجود أسباب ولو غير مقنعة لاستمرار الحرب، حتى يبقى السوق مفتوحا ومن ثم تبقى خزائن البنوك مملوءة، وبالنتيجة تثبت العروش ويحمى الملوك.

 

سئل جوش شوجرمان المدير التنفيذي لمركز سياسات العنف، عن مدى تحكّم “لوبي السلاح” في صنع القرارات الأمريكية، أجاب قائلاً: إن قادة لوبي السلاح ينجحون دائما في تمرير ما يريدونه من قرارات وقوانين، وعندما يريد لوبي السلاح تمرير تشريعات لمصلحته يبدأ بإرسال الرسائل وإجراء المكالمات الهاتفية مع النواب في الكونغرس أو في مجلس الشيوخ. وبما أن النواب يخافون من أن يخسروا مقاعدهم لا يترددون في أن يعملوا على إبداء موافقتهم على التشريعات ويصوتون عليها بما يرضي اللوبي، وعندما يمرر القانون في أمريكا يأخذ دورته نحو الشرق لينفذ من قبل حكامه، وهو ما يرسم دورة حياة الحرب في عالمنا، ولا عزاء للشعوب التي تعاني من جائحة كورونا، فلوبي السلاح يستطيع أن يفعل ما لا تقدر عليه أعتى الأنظمة الصحية وأحدثها، لوبي السلاح قهر كورونا وأوقفه بعد أن أوقف العالم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.