شعار قسم مدونات

اللجوء المتجدد لنظريات المؤامرة في حالات الذعر

blogs كورونا

في أوائِلِ الثَمنينيات من القرن الماضي، اكتشفَ العُلماء فيروس نقص المناعة البشري المُسبب لمرض الإيدز. إذ أصاب زهاء 75 مليونَ شخصاً منذ بداية تفشيه ووفاة ما يقارب الـ 35 مليوناً. رافقَ اكتشافُ الإيدز ظهورِ نظريات مؤامرة عدة بعضُها يتهمُ الحكومةَ الأمريكية في تطوير الفيروس كسلاح بيولوجي والآخر يعده أداة للقضاء على أصحاب البشرة السوداء والمثليين. وبالرغم من إثبات عدم صحة هذه النظريات علمياً إلا أنه ما زال هناك من يؤمن بها حتى يومنا هذا. وبذلك أصبحت نظريات المؤامرة حاجزٌ يحول دون أخذ ضحاياها الإجراءات والتدابير اللازمة للوقاية من مرض الإيدز وإهمال العلاج لأنه باعتقادهم عديم الفائدة. يبدو لك الأمر مألوفاً أليس كذلك؟

مع كلِ حدثٍ عظيم يصيب البشرية تَروج نظريات المؤامرة والشائعات. هل فيروس كورونا سلاح بيولوجي؟ هل صنعت شركات الأدوية الفيروس من أجل زيادة أرباحها؟ ما علاقة شبكات الجيل الخامس في تفشي وباء كورونا؟ لماذا كل هذه الجلبة من أجل نزلة برد لا أكثر؟ ولماذا يصدق البعض هذه المؤامرات؟ لم يُفوت السياسيين الأمريكينَ والصينينَ فرصةَ استغلال انتشارِ وباءِ كورونا للقيام بفتح جبهةِ خلافٍ أخرى بين البلدين تُجَسدُ في تبادلِ التهم. مما أسهم في اقتناع البعض بأن فيروس كورونا ما هو إلا سلاح بيولوجي. فنظريات المؤامرة تعد ظاهرة اجتماعية تعكس البنية الأساسية للجبهات المتصارعة.

في عالمنا العربي تكيف العديد من الصحفيين مع الجائحة بترويج مؤامرات تفيد أن الولايات المتحدة نشرت فيروس كورونا لبيع اللُقاحات وجني الأرباح. وراح البعض في القول إن "الفيروس هو جزء من حرب اقتصادية ونفسية تشنها الولايات المتحدة ضد الصين

فغرد المتحدث باسم الخارجية الصينية على تويتر متسائلاً "ربما يكون الجيش الأمريكي هو الذي أحضر الفيروس إلى ووهان. نرجو أن تتحلو بالشفافية، وأن تنشروا ما لديكم من بيانات! وأعتقد أن الولايات المتحدة مدينة لنا بتفسير!". تفسيرُ الولايات المتحدة كان برد التهمةِ ذاتِها إلى بكين. قال السناتورالجمهوري عن ولاية أركنساس توم كوتن على شبكة فوكس نيوز، "لا يوجد دلائل قاطعة على تصنيع الصين مخبرياً للفيرس لحد الآن، لكن هذا لا يعني بالضرورة عدم ضلوعها في انتشار الوباء ويجب محاسبتها على ذلك".

ينفي العلماء أن يكون فيروس كوفيد-19 مُصنّع مخبرياً أو مهندَساً معملياً. ويُجمعُ المعظم على أنه انتقل إلى الإنسان عن طريق نوع من الخفافيش أو من الخفاش إلى حيوان ربما يكون هو الحامل الوسيط الذي نقل الفيروس إلى البشر، وهو آكل النمل الحرشفي. ما هو مؤكد من قبل الباحثين أن الفيروس طبيعي المصدر. فلمن الغلبة للعلم أم للخرافة؟ حاول علماء الاجتماع وعلماء النفس مراراً فهم أسباب انتشارِ نظريات المؤامرة بكثرة، وعن الدوافع الإنسانية للإيمان بها وتصديقها. أملاً في الحد من نتائجها السلبية على المجتمعات.

ينقد المفكر الدكتور عبد الوهاب المسيري في كتابه "دفاع عن الإنسان" ما يسميه في "النموذج الاختزالي"، الذي تستند إليه العقلية التآمرية. يقول المسيري "…أحداث التاريخ والواقع الإنساني ككل حسب هذا النموذج هي نتاج بطولة بطل أو بطلين، أو نتاج عقل واحد متآمر وضع مخططاً جباراً وصاغ الواقع حسب هواه". ويدعو المسيري إلى اتباع "النموذج المركب" في الوصول إلى المعرفة عوضاً عن النموذج الاختزالي. لكن يبدو أن عقولنا تحبُ نظريات المؤامرة وخاصة عند وجود ما يهددنا.

يعزي ماركو كوفيتش عالم الاجتماع في جامعة زيورخ في سويسرا هذا إلى الدوافع المعرفية، فكلٌ منا يصبو إلى فهم العالم من حوله. لقد غير فيروس كورونا كثيراً من الأشياء ويأبى العقل البشري الرضوخ لها لذلك يلجىء إلى تفسيرات عجيبة. ويقول كوفيتش "المنطق التآمري هو آلية للتكيف نستخدمها جميعاً بصرف النظر عن المستوى الاجتماعي والاقتصادي".

وفي عالمنا العربي تكيف العديد من الصحفيين مع الجائحة بترويج مؤامرات تفيد أن الولايات المتحدة نشرت فيروس كورونا لبيع اللُقاحات وجني الأرباح. وراح البعض في القول إن "الفيروس هو جزء من حرب اقتصادية ونفسية تشنها الولايات المتحدة ضد الصين بهدف إضعافها وتشويه صورتها وإظهارها كبلد متخلف ومصدر للأمراض"، بحسب دراسة أجراها معهد الشرق الأوسط للبحوث الإعلامية. الشعور بعدم اليقين وفقدان السيطرة من أهم الأسباب التي تجعلنا أكثر ميلاً نحو تصديق نظريات المؤامرة. فمن منا لم يتمنى أن يكون وباء فيروس كورونا مجرد أُلعوبة؟ أو أن الليمون والزنجبيل علاج طبيعي لكورونا؟

تسلط عالمة النفس مونيكا فيلدمان في جامعة وارسو في بولندا الضوء على الارتباط الوثيق بين القلق والشعور بالتهديد الوجودي والخوف من تَغير الأسس المجتمعية المألوفة، مع تصديق نظريات المؤامرة. على سبيل المثال رفضت الكنيسة اليونانية إغلاق أبوابها واستمرت في تأدية القرابين المقدسة بحجة أنها تساعد على الشفاء من المرض لا انتشاره، مما أدى إلى مشاحنات بين رجال الدين والأطباء في أثينا. إن من يؤمنون بنظرية المؤامرة يعتقدون بمعرفتهم أمور خفية ومهمة وبذلك يُنصبونَ أنفسهم خبراء وكاشفين للمجهول. وتلخص فيلدمان صفات الشخصية التي تتميز بعقلية تآمرية بأنها تعاني من جنون العظمة أو النرجسية.

بعيداً عن الدوافع السيكولوجيا لتصديق المؤامرات من حولنا، ترجع المؤرخة الأمريكية سوفيا روزنفيلد السبب لفجوة الثقة بين الطبقات الحاكمة والعامة. وتقول "تسمح هذه الفجوة للشعب بعصيان القوانين، وإنشاء نظرية المعرفة الشعبية المنبثقة من الثقافة المعارضة"، يظهر هذا جليا في مخالفة بعض الناس لحظر التجوال المفروض في بعض الدول وعند اتباعهم الإجراءات الوقائية الموصى بها. ولا تقتصر الأضرار الجانبية لنظرية المؤامرة في خضم أزمة كورونا على عدم التزام البعض في التعليمات. إذا تصل إلى إحراق أبراج بث لشبكات اتصالات في مناطق عدة من بريطانيا تأثراً في نظرية المؤامرة التي تربط أبراج الاتصالات المتنقلة من الجيل الخامس بانتشار فيروس كورونا المُستجد.

كلٌ منا يبحث اليوم عن طريقةٍ لمواساة نفسه وأحبائهِ في هذه الأزمة، مما يجعلنا جميعاً معرضين لتصديق مؤامرات لا حقيقة فيها إلا أنها تريحنا من قلق والخوف. يقدم جون كوك، باحث في العلوم الاستعرافية في جامعة جورج ميسون في الولايات المتحدة دليلاً لدحض نظريات المؤامرة وكيفية حماية أنفسنا منها. بالإضافة إلى ذلك خصصت منظمة الصحة العالمية في موقعها الإلكتروني صفحة لتصحيح المفاهيم المغلوطة المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الإعلام.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.