للأسبوع الثاني على التوالي، تسجل الصين تراجعاً واضحاً في أعداد الإصابات اليومية بفيروس كورونا المستجد. حيث تجاوز لأول مرة خلال الأسبوع الماضي عدد الإصابات المسجلة خارج الأراضي الصينية ما تم تسجيله في الداخل. وهو الأمر الذي اعتبرته منظمة الصحة العالمية تطوراً كبيراً في الجهود المبذولة للسيطرة على الفيروس والحد من انتشاره.
هذا التراجع بعث الأمل في نفوس الصينيين، وقد ذهب البعض إلى الاعتقاد بأن لحظة القضاء على الفيروس باتت وشيكة، لكن السلطات الصينية حثت المواطنين على تجنب التفاؤل الزائد بسبب انحسار أعداد الإصابات خلال الأيام الماضية، ودعت إلى الاستمرار في الالتزام بإجراءات الوقاية والسلامة خصوصاً في المدن الكبرى مثل بكين، وشانغهاي.
في المقابل شكك نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي الصينية، في حقيقة الأرقام الصادرة عن اللجنة الصحية الوطنية في البلاد، وقالوا إن أعداد الوفيات والإصابات بفيروس كورونا أكثر بعشرة أضعاف مما تعلنه السلطات الرسمية، ولفتوا إلى أن ذلك يبرر سبب الإبقاء على حالة الحجر الصحي الصارم في مقاطعة خوبي بؤرة تفشي الفيروس ومناطق أخرى رغم الإعلان عن التراجع التدريجي في عدد الضحايا.
بقاء المصابين في منازلهم وعدم ذهابهم إلى المستشفيات، يجعل من السهل نقل العدوى بين أفراد الأسرة الواحدة التي تخضع بطبيعة الحال للحجر الصحي، وهو الأمر الذي يفاقم الأزمة ويزيد الأوضاع الصحية سوءاً |
منذ الثالث والعشرين من يناير الماضي، يخضع أكثر من ستين مليون مواطن في مقاطعة خوبي، لحجر صحي هو الأكبر والأطول في التاريخ، وذلك بسبب تفشي الفيروس الذي ظهر أول مرة منتصف ديسمبر الماضي في سوق للمأكولات البحرية بمدينة ووهان عاصمة المقاطعة.
بدأ الحجر بعدم السماح للمواطنين بالخروج من المقاطعة مع الإبقاء على حرية الحركة والتنقل داخلها، ومع ارتفاع أعداد الإصابات تم تشديد إجراءات الحجر بتحديد إقامة السكان في منازلهم ومنعهم من الخروج مطلقاً، حتى أن شراء المواد الأساسية والمستلزمات اليومية يتم عبر تطبيقات إلكترونية خاصة، بواسطة شركات توصيل محددة.
وقد كان لافتاً قرار الحكومة المحلية في المقاطعة قبل أيام، السماح للمواطنين الأصحاء بالخروج للعمليات الحيوية، ومن ثم التراجع عن القرار في نفس اليوم، وهو الأمر الذي أثار علامات استفهام حول حقيقة الوضع الصحي والأرقام اليومية التي تصدرها السلطات بشأن أعداد الوفيات والإصابات الجديدة بفيروس كورونا.
قبل أسابيع زار صحفي صيني يدعى شين كو شي، مسشتفى بمدنية ووهان، ونشر على صفحته في موقع ويبوو (المعادل الصيني لتويتر) صوراً تظهر عشرات الجثث المكدسة داخل وخارج المسشفى، وقال في شهادته إن الإمدادات في مناطق العدوى غير كافية. وأضاف قبل اختفائه أن عدد الأطباء قليل قياسا بعدد المرضى، مشيراً إلى وجود كثير من المشاكل في التعاطي مع المصابين بالفيروس. وأشار شين الذي أعلنت السلطات الصينية لاحقاً وضعه تحت الرقابة الصحية بسبب الاشتباه في إصابته، إلى أن المستشفيات التي أقيمت على عجل من أجل المصابين غير مناسبة، وأن السلطات لا تعزل المصابين عن غيرهم بشكل صحيح.
في شهادة أخرى، أفاد شاب مصري يقيم في ووهان، أن أعداد المستشفيات في المدينة غير كافية لاستيعاب المصابين، كما أن عدداُ كبيراً ممن يشبته في حملهم للمرض يحجمون عن التوجه إلى المراكز الصحية، لخوفهم من العدوى، أو لاعتقادهم بأن السعال والحمى هي مجرد أعراض لانفلونزا طبيعية لا علاقة لها بفيروس كورونا.
لكن في المقابل أيضاً، بقاء المصابين في منازلهم وعدم ذهابهم إلى المستشفيات، يجعل من السهل نقل العدوى بين أفراد الأسرة الواحدة التي تخضع بطبيعة الحال للحجر الصحي، وهو الأمر الذي يفاقم الأزمة ويزيد الأوضاع الصحية سوءاً. وقد وصل الأمر بالحكومة المحلية في المقاطعة إلى تقديم حوافز مالية لحث المواطنين على التبليغ عن الحالات المرضية التي ترفض التوجه إلى المراكز الصحية للخضوع للتحاليل والرقابة الطبية.
بناء على ما تقدم، يبدو أنه من الصعب تقديم إحصاءات دقيقة لإعداد الضحايا، وما الحديث عن تراجع أعداد الإصابات في مقاطعة خوبي سوى محاولة لرفع الروح المعنوية وإذكاء حالة الثقة لدى الشعب في قدرة الدولة على مجابهة الفيروس والفوز في المعركة، وهو أمر منشود في حسابات الحكومات المأزومة، ولكن تبقى الحقيقة خلف أبواب موصدة تنتظر مثل ملايين الصينيين تلاوة بيان الانتصار قبل أن ترفع الأقلام وتجف الصحف.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.