شعار قسم مدونات

كورونا.. الوحش الذي أرعب العالم

blogs كورونا

لا حديث هذه الأيام إلا على فيروس كورونا، الفيروس الذي نشأ في بداية الأمر في دولة الصين لينتشر بعد ذلك كالنار في الهشيم في باقي دول العالم، لعل أكبر المتشائمين لم يكن يتوقع أن تكون بداية 2020 كارثية بهذا الشكل، فبعد جملة من الأحداث المخيبة للآمال جاء الفيروس ليزيد الطين بلة. صحيح أن الكثير من الأشخاص لم يأخذوه في البداية على محمل الجد، بل الأكثر من ذلك اعتبروه كالسلع الصينية التي سرعان ما تتخرب وتتعرض للتلف، غير أنهم نسوا أنها أيضا سلع تنتشر وتغزوا كل الأسواق العالمية.

 

لكن سرعان ما تحول هذا الاستهزاء واللامبالاة إلى خوف وهلع، فالأمور فعلا خرجت عن السيطرة، آلاف الوفيات أعلنت عنها دولة الصين إضافة إلى آلاف الحالات التي تصاب يوميا بسبب العدوى، فبالرغم من كونه فيروسا مجهريا لا تبصره العيون إلا أنه سريع العدوى، حر طريق ينتقل من شخص لآخر بدون قيود ولا أغلال فمنذ بدء تفشي هذا الوباء الفتاك وأعداد المصابين في تزايد مستمر نتيجة لسرعة انتشاره وتعدد طرق الإصابة به.

 

إنه جائحة كبيرة أحدثت رعبا في نفوس الجميع دون استثناء، وجعلت العالم بأكمله يسلط الضوء عليها، فأينما وليت وجهك تسمع الكل يردد إسم "كورونا "، وسائل الإعلام هي الأخرى خصصت كل وقتها للحديث عنه حتى القادة الكبار خصصوا خطاباتهم فقط للحديث عن مستجداته وعن التدابير التي اتخذتها دولهم للحد من انتشاره.

 

الصين كانت من بين أول الدول التي اتخذت إجراءات صارمة لاحتواء هذا الفيروس، وذلك باعتبارها كانت أول بؤرة لانتشاره، فقد قامت بعزل مجموعة من المدن إضافة إلى التضييق على الحريات الفردية والجماعية بغية حماية المجتمع بأكمله، ناهيك عن التضحية الكبيرة التي قام به الأطباء والممرضون والتي أبانت عن روح مواطنة عالية، دون استثناء وعي الشعب الصيني أيضا والذي كان له دور كبير في التقليل من نسبة ظهور حالات جديدة.

 

ولحين انتهاء هذه الجائحة فالدول أصبحت ملزمة بالزيادة في الميزانية المخصصة لقطاع الصحة، وملزمة أيضا بتوفير كل الوسائل اللوجستية والتقنية للأطر الصحية

نفس الإجراءات تقريبا اتخذتها باقي الدول التي ظهر عندها الفيروس، خاصة الدول النامية والتي تعرف مسبقا محدودية إمكانياتها البشرية واللوجستية والمالية، فالمغرب مثلا كان من بين الدول الأولى إفريقيا التي اعتمدت مقاربة استعجالية واستباقية، ففي بداية الأمر علقت كل الرحلات الجوية والبرية وأغلقت الحدود إضافة إلى تطبيق الحجر الصحي على الأشخاص المشكوك في حملهم للفيروس خاصة أولئك الذين قدموا من دول أخرى، ولم يقف الحد عند هذا الأمر فقد أوقفت الدراسة داخل المؤسسات والجامعات وعوضتها بالدراسة عن بعد، وتم إلغاء مجموعة من المهرجانات والمحافل، إضافة إلى توقيف العمل بكذا قطاعات استراتيجية كالسياحة مثلا والتي يعتمد عليها المغرب كثيرا في اقتصاده، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على تضحية المغرب باقتصاده من أجل شعبه.

 

ولحين إيجاد علاج بين أروقة المختبرات ووضع حد لهذا الوباء، فالشعب يجب عليه أن يقف بدوره إلى جانب الدولة، ويمتثل للقوانين التي تطبقها، أهمها ملازمة البيت وتفادي التجمعات التي لا تغني ولا تسمن من جوع، بل قد تؤدي إلى هلاك أمة بأكملها، والجدير بالذكر أنه بالرغم من بشاعة هذا الوباء إلا أنه غير مجموعة من المفاهيم والعادات وأعطى لكل ذي حق حقه، فلولا الفيروس لما عرف الكثير أهمية قطاع الصحة في كل المجتمعات، ولما أدركوا قيمة الممرضين والأطباء، والمخاطر التي يواجهونها يوميا في ظل غياب ظروف عمل ملائمة.

 

ولحين انتهاء هذه الجائحة فالدول أصبحت ملزمة بالزيادة في الميزانية المخصصة لقطاع الصحة، وملزمة أيضا بتوفير كل الوسائل اللوجستية والتقنية للأطر الصحية، فهذه الظروف أبانت لنا أننا لم نحتج لمهرجانات بقدر ما احتجنا لمستشفيات ولم نحتج لمغنيين بقدر ما احتجنا إلى أطباء وتقنيين وممرضين، هي إذن فرصة لإعادة ترتيب الأولويات وإعطاء كل ذي حق حقه، كما أنها فرصة لكل واحد منا أيضا أن يغير من عاداته القديمة ويتبنى عادات جديدة وسليمة، أهمها أن يجعل من النظافة وغسل اليدين روتينا يوميا ويعتمد نظاما غذائيا صحيا وسليما ليقوي من مناعته، والأكثر من ذلك أن يقدر نعمة الصحة ونعمة الحرية، فبتطبيق حظر التجوال لم يعد حلم الكثير منا سوى الخروج من المنزل وشم نسمات الهواء العليل أو الالتقاء بأحد الأصدقاء بحرية ودون قيود، حرية يمكن استرجاعها قريبا إذا وضعنا اليد في اليد ووضعنا ثقتنا الكاملة في دولنا حتى تمر هذه الأزمة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.