شعار قسم مدونات

الأخوان المسلمين.. هل هو الغباء أم هي سنة الابتلاء؟

blogs المعتقلين السياسيين بعهد السيسي

بات مؤكدا أن العالم يواجه أشد كوابيسه منذ عقود طويلة، ذلك الوباء الذي غير جميع الافتراضات وضرب بعرض الحائط كل الاختراعات والمسلمات، وغالب الظن أن قمة هذا التغيير تكمن في محاولة كل الدول صغيرها وكبيرها إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أهلها ومن أرواح شعوبها، الإنسان هو روح العالم وهو عصب الحياة ودماره يخلق تأثيرات وتتابعات لا يمكن معرفة أبعادها بشريا ولا اقتصاديا وقد تأخذ العالم إلى منتهاه.

  

ويبدو أن سلوك الدول يتطور مع انتشار الوباء وتأخر الناس في إيجاد الدواء، فقد باتت الأمم من أصحاب العقول والعلوم والهمم تتسابق في إجراءات واجبة وحتمية من أجل إنقاذ أهلها قبل باقي البشرية، فهذا الذي حارب الهجرة والمهاجرين منذ عرفناه، يفتح اليوم تأشيرات استثنائية لكل طبيب متخصص يمكنه المساعدة في كشف البلية، ودول كثيرة تغلق تصدير الأجهزة الطبية وتعلنها بأن المواطن أولي من أي كائن آخر في البرية، الجميع قد بات يعول على مصادر علمه وعلمائه وأطبائه وطبيباته وجمعياته وجماعاته من المتطوعين والمتخصصين، بل أن دولا عديدة قد أطلقت سراح المجرمين، فهو سباق بين الحياة والموت وبين البقاء أو الفناء.

 

وهنا يحاول الكاتب مع القلم أن يفهم أو يتفهم حال مصر الكنانة بين هذه الأمم، ولكن تأتيه الإجابة بأن ما يجري به من الغرابة ما قد يوقع القلب حسرة وخوفا وكئابة، دولة القروض والمديونيات والفقر والمعونات تصدر الآن الكمامات في حين لا يجد الأطباء والطبيبات ما يمكن إن يمنع عنهم المرض أو يستعمل من أجل هذا الغرض، مازال النفاق والكذب هما لغة النظام والإعلام والتهوين وغسيل الأدمغة هما علامة مصر في ظل تلك الحقبة من الزمان، يتسابق العالم كله ليعلن عن كل صغيرة وكبيرة وتبقي الشفافية المتناهية هي لب الأمر في كل نظام يخدم شعبه بكل ما أوتي وبكل سرعة وعلي كل وتيرة، وترى الحكام تخرج لتعلن أنها قد أصيبت بالوباء وأنها في العزل مطالبة كل الشعب بالاقتداء.

  

أما في مصر العسكر فتسمع عنهم فقط عندما يموتون أو عندما يحصدهم المرض فيفضحون، وكأنهم لا يستطيعون تقبل القدر أو لعلهم من الموت يفرون، لا تفقه لهم آية ولا تعرف لهم غاية، ولكن كبرى المصائب باقية، وجل الكوارث سارية، فمازال هؤلاء الظلمة مصرون على أن يحرموا مصر من أهم عناصر مقاومتها للوباء ومن أفضل عقولها التنظيمية من الأطباء، وهنا إذا سألتني عن ماذا أتحدث وهل لمصر في هذا المحفل من تاريخ وسؤدد، أجيبك بأنه لا خير في حاضر بلا تاريخ ولا قدرة لإدارة الأزمات بعلم بلا تمحيص، فلابد من مراجعة الدفاتر والمذكرات ودراسة علم الكوارث وما مر بمصر من حكايات.

  

هل يرفع الله مقته وغضبه عن بلد يتحدى قدرته فيها هؤلاء الظلمة وأعوانهم من المساكين، أم يأخذ الجميع بظلمهم فتكون الكارثة في مصر بعد حين بالملايين

فمصر لديها تنظيم الإخوان المسلمين، مجموعات أنعم عليهم ربك بالعلم والدين، تنظيم بداخله تنظيمات من آلاف من أطباء الإغاثة ومن المتخصصين، لديهم الخبرة والقدرة على عمل الكثير وعلى إقامة المستشفيات الميدانية التي قد تنقذ الملايين، أما عن شبابهم من المتطوعين، فكلنا يعلم ما هي قدراتهم ومدي إخلاصهم في إغاثة الملهوفين وفي إعانة المحتاجين، فجمعياتهم التي افسدها النظام وغلقها العسكر تشهد في كل بيت وحارة على كل خدمة قدموها للمسلمين، ولا يوجد من يعمل في مجال للإغاثة والطوارئ يمكنه أن ينكر فضل جماعة البنا من المسلمين.

 

أما عن علمائهم فحدث في كل زمن وحين، أتعلم أن لدينا دكتور عالم يسمي وليد السنوسي من أول من كانت ابحاثه اساسا لمحاربة هذا الوباء اللعين، وقد كرم دوليا ومصريا كونه من عباقرة العلم في علاجات الفيروسات ومن المتميزين، ولكن إن سألتني أين هو نحن الآن في حاجاته، لا أخفيك سرا فهو في مصر من المعتقلين، هل تعلم أن رئيس برلمان مصر السابق الدكتور الكتاتني هو من أساتذة علم الميكروبات المعروفين، وأن مرشد الجماعة الدكتور بديع هو أستاذ مرموق في علم الأمراض ومن أفضل مائة عالم عربي قد سجل اسمه بحروف الشرف في موسوعات العالمين، وغيرهم كثيرون وكثيرين ممن لهم دور محوري في مثل هذه الأزمات وممن تصرخ مصر في حاجة إلى علمهم وعلومهم لمواجهة ذلك المرض اللعين.

 

فلا يمكنني أبدا وإن كنت لا أنتمي لجماعة الإخوان المسلمين أن أنكر وأتجاهل فضل هؤلاء الناس وعلمهم فكل المراجع العلمية والتاريخية تنطق بالحق عندما يأتي الأمر لهذه الجماعة ولعلمائها من المرموقين، ولا يمكنني كباحث أو عالم أو متخصص أن أستقي معلوماتي وحكمي من مجموعة من طلاب السلطة أو الانقلابيين، أو ممن لا ذكر لهم في علم ولا علوم من العسكر والمخبرين، ولا تطلب مني عندما يتعلق الأمر بموت واحد المصريين، أن استمع لحثالة القوم ممن ينعتونهم بالإعلاميين، فعندما يأتي الأمر للعلم والطب لا مجال عندي لرتب ولا صفيح ولا كلام من مخبولين.

 

لا يمكنني أن أنسى أو أتناسي عندما جمعني لقاء مع أكبر الاسماء في علم الأمراض المعدية بسويسرا منذ بضعة سنين، وهو هو المستشار الأول لمنظمة الصحة العالمية في نفس التخصص المكين، وقد كنا نعمل سويا تحت مشروع دولي لبناء شبكة تعليمية للأمراض الوبائية في دول عديدة في العالمين ، وقد راعني أنه لم يذكر مصر في قائمته ولم يشر لأطبائها من هذا التخصص الهام في خطته وورقه، فعندما سألته، أجاب بحزن العالم إن من يثق فيهم ويعرفهم في هذا المجال كلهم الآن في مصر من المسجونين، شهادة حق أشهدها أمام الله وأمامكم فقد نلقاه اليوم جميعا أو بعد حين، ومازلت أتساءل، أفي مثل هذه الأوقات والناس بين الحياة والممات، لا تجد رشيدا بين من يحكم ولا ينعم الله على فهم ولا عقل على من يتحكم.

 

هل الإجابة أنه لا قيمة لحياة المصريين أم أن لعنة الله قد حلت على هذه البلاد بسبب دعوات المظلومين، ويبقي السؤال، هل يرفع الله مقته وغضبه عن بلد يتحدى قدرته فيها هؤلاء الظلمة وأعوانهم من المساكين، أم يأخذ الجميع بظلمهم فتكون الكارثة في مصر بعد حين بالملايين، هل فجر الخصومة قد أعماهم، أم أن ربك قد حكم عليهم بالموت بالوباء، فحق عليهم القول فابتلاهم، أخرجوهم فقد يرحمكم الله، ويجعلهم سببا في إنقاذكم وإنقاذ من يشاء من عباده، حرروا الإخوان المسلمين، فهذا وقتهم وذلك كل احتياجهم، فلا مجال لفجر خصومة وقد بدأ الموت يحصد الرؤوس، ليس الآن وقت حسابات لحكم والجميع يعلم أن وقته قد يحين، ومازال قلبي ينبض بالسؤال، هل هو الغباء، أم هي سنة الابتلاء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.