السادة ركاب آلة الزمن.. استعدوا للهبوط في ٢٠٢٠! على ما يبدو كأننا أننا نشاهد فيلما هوليوديا تتنوع أحداثه بين الرعب والمؤامرة والفانتازيا وبعض الأكشن، كما يبدو أيضا أننا أبطال هذا الفيلم الذي لا نعلم من هو مخرجه وماهي نهايته حتى الآن. كأننا هبطنا من آلة الزمن في حقبة زمنية لا نعلم كيف يرتبط ما قبلها بما بعدها! شخصيا يهمني الواقع أكثر؛ للسياسة والإعلام دور كبير في تفاقم هذا المشهد لذلك لا أود أن أتدخل في شئونهم ويهمني أن أنشغل بشأني وأسأل نفسي وأسألكم: هل كان البقاء في المنزل يوما ما.. أسمى أمانينا؟
وللإجابة على هذا السؤال علينا أن نفكر ونعود بآلتِنا الزمنية للوراء قليلا.. قليلا أكثر! نعم هنا بالضبط عندما كانت أكبر مشاكلنا في افتقارنا الوقت لفعل ما يجب علينا فعله تجاه أنفسنا وإنسانيتنا وأحبائنا. وقتما تعارض الوقت الذي نعمل فيه لكسب رزقنا مع كل فعل صحيح أردنا فعله في حياتنا وفشلنا بسبب عدم امتلاكنا الوقت أو عدم إدراكنا الوقت المناسب، وتعليق رقابنا على مشانق العمل والركض خلف كل ما هو مادي يحافظ على مستوانا الاجتماعي ويضاعف أرصدتنا في البنوك ويضمن لنا عطلة مزيفة كل صيف.
إن ما يحدث في يومنا هذا يضعنا في اختبار محرج لأنفسنا حقا، الآن لدينا كل الوقت لنتفكر في كل تلك الفوضى التي تعتري حياتنا.. لنثبت لأنفسنا كم نحن صادقون أو كاذبون ومحتالون على أنفسنا وإنسانيتنا |
لنعود بالوقت ونتذكر معا كم عانى أبناءنا من الإهمال والتقصير من جانبنا وانقطعت وسائل التواصل بيننا وعوضنا ذلك بما هو مادي فاعتاد أبنائنا ذلك وأصبحوا يطلبون بنهم ولا شيء يرضيهم؛ وكأنهم يعاقبوننا على الوقت الذي نسطو على حقهم فيه فلا نجلس معهم ولا نتحاور معهم، لا نزرع فيهم المبادئ والقيم ولا نعلمهم خوض الحياة بشجاعة. كم من مرة ضيعنا فرصة وقت العائلة على طاولة طعام واحدة نضحك ونتحدث عن يومنا ويسأل كل منا على الآخر، وأصبح كل فرد يتناول طعامه وحيدا متى يحلو له وتجاهلنا انعدام البركة في بيوتنا!
لنعود بالوقت إلى ما تعيشه مجتمعاتنا من حالات الهجر والطلاق والكراهية بين الأزواج وتفشي الخيانة والعلاقات المشبوهة بسبب عدم توفر الوقت والطاقة اللازمة لمد جسور التواصل ومراعاة كل ذي حق حقه. كم أهملنا صلة أرحامنا واكتفينا بمحادثات مرئية على عجل، ورسائل إلكترونية نرسلها دفعة واحدة للجميع.. رسالة واحدة جامدة لا تعني أي شيء مما تحمله مشاعرنا الحقيقية!
ماذا عن علاقتنا بخالقنا! هل هي على خير ما يرام؟ أم أننا دوما اعترفنا لأنفسنا بأننا مقصرون ومذنبون حتى نوقف عذاب ضمائرنا واكتفينا فقط بالاعتراف، ندعو الله على الشبكات الإلكترونية ونطلب من الناس الدعاء لنا لعل فيهم مجاب الدعاء الإلكتروني ونعزي موتانا بتعليق لا يسمن ولا يغني من جوع نبرهن به على عجزنا التام عن أكثر من ذلك.. نكتب وصايانا بحروف إلكترونية حتى تشفع لنا بعدنا عن خالقنا دون دمعة من خشية أو خلوة في جوف الليل مع ركعتين تشفي صدورنا ونغتسل بهما من عناء أيامنا نطلب فيهما الرحمة والغفران سرا بيننا وبين خالقنا عز وجل. ندّعي أننا لسنا صالحون ولكننا مستورون! ولا نتقدم عن ذلك فدائما الوقت ليس في صالحنا، وانشغالنا بغير ما نريد يطغى على كل ما نريد والوقت حاجز بيننا وبين إصلاح أنفسنا وترميم أرواحنا.
حان الوقت أن نختبر أنفسنا عند الشدائد. ننظر في المرآة ونرى ما قد تغير فينا؛ وجوهنا، قلوبنا، أعمارنا، والسنوات التي مضت كم ستغير فيما هو آت. ما أودعه الله فينا من الصبر والقوة وما نتعلمه في الحياة يثقل خبراتنا ويثري تجاربنا -لا يخرج في وقت الرخاء- في وقت الرخاء الأمن مستتب والحياة سهلة نوعا ما؛ قيمة ما نفني أعمارنا في تعلمه لا تظهر إلا وقت الشدة وقت خروجنا عن أنفسنا الوديعة المسالمة. عندما نكون بحاجة لاختيار، أو بصدد قرار، أو ابتلاء شديد في الصحة أو الأهل أو المال.. أو عند الغضب.. أو عندما يفرض عليك أمر لا مناص منه كهذا الأمر الذي نعيشه في هذه اللحظة. هنا يظهر معدنك أنت أولا قبل معدن من حولك، هنا فقط أنت بحاجة لكل ما تعلمته في حياتك لتستخدمه وتجرب قوته عليك؛ ستبدأ في النظر لنفسك أمام وخلف المرآة فتتفاجئ بألف وجه لك لم يمنحك الوقت الفرصة لاكتشافهم، كما ستدرك أن لك روح واحدة هي فرصتك الوحيدة وحان الوقت لتفكر في أن تنجو بها قبل أن تصعد لبارئها وما النجاة إلا بالتسليم له وحده من يعلم ما تخفيه أنفسنا ومن يعلم مستقرها ومستودعها.
إن ما يحدث في يومنا هذا يضعنا في اختبار محرج لأنفسنا حقا، الآن لدينا كل الوقت لنتفكر في كل تلك الفوضى التي تعتري حياتنا.. لنثبت لأنفسنا كم نحن صادقون أو كاذبون ومحتالون على أنفسنا وإنسانيتنا.. فرصتنا الوحيدة والتي قد لا تتكرر لنا لأن نعيد ترميم علاقتنا مع أبناءنا ونتعرف عليهم من قريب، نعلم ما يكرهون ويحبون، نعلمهم كيف يخوضون تجارب الحياة كأفراد مؤمنين، أقوياء ومؤثرين. يمكننا الآن أن نشاركهم نموهم العقلي والنفسي وأن نكون أبطالهم وأصدقائهم ونجهز أنفسنا لنكون قدوتهم الصالحة، نصادقهم ونزرع فيهم القيم التي فقدناها بسبب ضيق الوقت وسرعة انقضاء الأيام. فرصتنا الآن أن نصل أرحامنا بمزيد من الاهتمام والصميمية ونُظهر لهم مشاعر الحب والعطف التي من حقهم وأن نتصدق عليهم بالرحمة والحب والمشاعر الطيبة وأن نساعد من هم بحاجتنا فهم الأولى بالعطاء والصدقة حتى لو بالكلمة الطيبة والابتسامة الصادقة.
فرصتنا أن نصلح بيننا وبين أزواجنا برغبة صادقة؛ أزواجنا الذين اخترناهم وعهدنا إليهم بالبر والمودة والرحمة بميثاق غليظ وقع كل طرف فيه على أن يسعد الآخر ويحترمه ويخلص له ويعطيه حقه، ومضينا في الحياة سويا عمرا نعيش تحت سقف واحد نتشارك كل شيء ويقوي روابطنا رغما عنا نسل ودم ونسب.
حرمنا الله ما كنا نكره وما حملناه على أنفسنا وأعطانا ما كنا نتمنى.. الوقت والفراغ، فهل من نعمة خير من تلك حتى نتقرب إلى الله وندعوه ونتضرع له لنخرج من أزماتنا ونعود لإنسانيتنا وننال المغفرة والرحمة والعفو في الدنيا. ندعو الله أن يعوضنا بجنة عرضها السماوات والأرض لا نشقى فيها أبدا. وهل يوجد خير من تلك الأيام المباركات على عتبة شهر العطاء والإحسان وإجابة الدعاء، رمضان الكريم الجميل الذي ضيعناه كثيرا بمشاغلنا وأعمالنا، لقد منحه الله لنا شئنا أم أبينا أصبحنا فقط نحن وخالقنا كسفينة عالقة بين البحر والسماء في منتصف المحيط.. (لمن الملك اليوم! لله الواحد القهار). هل ساعدتك على الإجابة على السؤال؟ بالنسبة لي: الإجابة نعم كان البقاء في المنزل يوما ما أسمى أماني.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.