فجأة ومن غير مقدمات تُشَلُ الحركة في العالم، ليجد العالم نفسه تحت خيار واحد هو منع التجمعاتِ بأشكالها المختلفة. وكان من أول هذه التجمعات التي مُنِعت هي المدارس والجامعات والمعاهد التعليمية المختلفة وحتى دور العِبادة لم تُستثنى من ذلك. فالمدارس التي تكتظ حجراتها بالتلاميذ من مختلف الأعمار وخاصة الأطفال يُشكلون الخطر الأكبر على المجتمعات لتفشي الجائحة "كورونا".
لذلك سارعت بعض الحكومات على تسريع إجازة الربيع وأخرى بإنهاء الفصل الدراسي الثاني ولجأ المعظم إلى تطبيق منهج جديد في التعليم وهو "التعلم عن بُعد". ولكن هل كان هذا الخيار هو الأفضل في ظل التكنولوجيا الحديثة وسرعة التواصل من خلال شبكة الإنترنت والإتصال المباشر من خلال الحصص الافتراضية وغيرها باستخدام تطبيقاتٍ مختلفة ومتنوعة فمنها مخصص للتعليم وأخرى للتواصل الاجتماعي، على مدار السنوات السابقة كانت هناك دعوات لممارسة التعليم الإلكتروني e-learning ولكن اهتمام المؤسسات التعليمية كان يُصبُ على جوانب مادية لجني أرباح وسمعة لتلك الصروح التعليمية العريقة وكأن التعليم الإلكتروني حالة من التَّرفيه أو بالأحرى (التَّرف) الذي يُجنى منه الربح الوفير.
هذه التجربة أظهرت الضعف الذي تعاني منه بعض المؤسسات التربوية وبعض العاملين عليها في مجال متابعة التطور التكنولوجي في التعليم |
وحتى عند فتح الدراسات العليا لبعض التخصصات التي تهتم بدمج التعليم والتكنولوجيا مثل الدبلوم التربوي والماجستير لم تستشرق مدى الكفاءة التي يجب أن يمتلكها الخريج لمثل هذا الموقف الذي جعل من التعليم عن بعد هو الخيار الوحيد للتعليم. إنما كان جُلَ اهتمامهم على الممارسات الصفية ودمج جزئي للتعلم الإلكتروني والنقاشات الإفتراضية. فلا يكفي أن نبقى نغني ونُطَبِل لدمج التكنولوجيا بالتعليم وإعطاء المحاضرات والندوات بأهميته في الغرف الصفية ولا يكفي أن يخصص من الحصة خمس أو ثلاث نقاط هل طبَّق المعلم التكنولوجيا في العملية التعليمية. لكن في الحقيقة الجانب العملي هو الجانب الذي يجب أن نبدأ منه فرضياتنا ودراساتنا وليس التنظير في الجامعات والندوات، فما كان من أزمة الكورونا إلا أن أظهرت حقيقة هذه الدعوات ومدى قدرة المؤسسات التعليمية على التعامل مع المستجدات التعليمية.
جعلت أزمة الكورونا المؤسسات التعليمية بحالة من الصدمة والإرباك جعلتهم يكتشفون مدى تقصيرهم وضعفهم في مواكبة تكنولوجيا التعليم. فبينما يحاول خبراء علم الفايروسات إنتاج مصلٍ يقتل أو يوقف الكورونا عند حده، كانت المؤسسات التعليمية والمعلمون والتلاميذ وأولياء أمورهم يتخبطون في تجريب التطبيقات التعليمية لممارسة التعليم عن بعد. هنا بدأت تتكشف العيوب لكثير من البرامج بحسب وجهة نظر البعض، التي كانت تستخدم في السنوات السابقة ويتفاخر بها أصحاب تلك المؤسسات.
لجأ بعض المعلمين باجتهاداتهم الشخصية لاستخدام اليوتيوب معطين ظهورهم للتلاميذ ولا يكاد يسمع صوتهم وآخرون يستخدمون الواتس آب في التواصل مع التلاميذ وأولياء الأمور من خلال إنشاء مجموعات لكل فصولهم مما جعل بعض المعلمين يكتشفون حجم التورط الذي وضعوا أنفسهم به من الإزعاج وفقدان الخصوصية. كل ذلك جهود فردية يشكرون عليها ولكن ليس هكذا تورد الإبل! كل هذه التجارب التي يعاني منها المعلمون والطلبة كان يمكن أن يتفادى الوقوع بها بمزيدٍ من الإستعداد والتمكين لمستقبل التعليم، ويشتكي بعض المعلمين من سلوك الطلبة عند استخدام الحصص الإفتراضية المباشرة عندما قام بعض الطلبة بحذف زملائهم وحتى معلميهم! فتخيلوا فصول افتراضية بتطبيقات تعليمية حديثة من غير معلم!
بعض المعلمين يشتكون من برنامج كانوا يستخدمونه في مدرستهم لعدة سنوات لا يستطيعون أن يضيفوا عليه ملف pdf أو لا يمكن أن يمارسوا عليه الحصص الإفتراضية المباشرة. كل ذلك جعل من البرامج التعليمية حقل تجارب لدى المعلمين والتلاميذ والمؤسسات التعليمية ليكتشفوا خيرها وشرها، من وجهة نظر أخرى؛ كل برنامج له خاصيته وكل طريقة لها أسلوب للتعامل معها. ربما ليست المشكلة في البرامج بقدر ما هي المشكلة في العقول التي تتعامل مع هذه البرامج والتطبيقات بطريقة عشوائية تفتقر إلى الخبرة والكفاءة، هذه التجربة أظهرت الضعف الذي تعاني منه بعض المؤسسات التربوية وبعض العاملين عليها في مجال متابعة التطور التكنولوجي في التعليم. وقد أظهر بلا شك مدى تقصيرهم في إعداد معلم المستقبل فضلاً عن إعداد جيل المستقبل.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.