شعار قسم مدونات

حقيقة دور الرئيس السادات في مجالس القيادة والرئاسة في عهد الرئيس عبد الناصر

blogs السادات

نتحدث في هذه المدونة بإذن الله عن دور الرئيس السادات حين كان عضوًا في مجلس قيادة الثورة، وعضوًا في مجلس الرياسة.. وحين كان عضوًا في تشكيلين متعاقبين من تشكيلات اللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي العربي (وهما بالمناسبة تشكيلاها الوحيدان).. وهي التنظيمات أو الهيئات الأربع التي كانت بمثابة مجالس سياسية تعلو مجلس الوزراء من حيث البروتوكول والنفوذ.

 

في البداية ـ وبوصفه عضوًا في مجلس قيادة الثورة ـ كان الرئيس السادات صاحب موقف مبكر من المناقشات المستفيضة القاتلة للوقت.. وقد أعلن ذات ليلة أنه لن يشترك بعد ذلك في المناقشات وذلك بعد أن احتدمت المجادلات وطالت طيلة الليل ولأكثر من ليلة.. وقال إن صوته مع جمال عبد الناصر وفي جيبه.. وهو المسئول عن أن يدلي بصوته إلى جوار صوته.. أي وكما نقول فإن صوت عبد الناصر أصبح يتضمن تلقائيا صوتا مؤيدا له هو صوت السادات. وبذلك أصبح الرئيس السادات بإرادته المبكرة خارج لعبة النزاع في مجلس قيادة الثورة، وأصبح الرئيس عبد الناصر يتمتع مبدئيًا بصوتين.. صوته هو وصوت الرئيس السادات.

 

كان الرئيس السادات يقول في مرحلة مبكرة وفي ظل الحديث «الغريب» عن الديمقراطية وإمكان تطبيقها في نظام عسكري كان يقول إن هذا الأسلوب يصلح لمجلس إدارة شركة ولا يصلح لمجلس إدارة ثورة.. ولا لمجلس قيادة ثورة.. ولذلك فإنه كان واعيا بقدر كاف لطبيعة المؤسسة التي ينتمي إليها.. لم يكن هذا تخاذلا منه.. ولا إيثارا للسلامة.. ولا تملقا للرئيس عبد الناصر.. وإنما كان في الحقيقة تعبيرا أمينا عما كان يؤمن به ويعتقد فيه من أن مسئولية الثورة في النهاية تنتهي إلى شخص واحد وتتبلور في شخص واحد.

 

أنا لا أدافع في هذا المقام عن الرئيس عبد الناصر ولا عن نظام شمولي.. ولا عن فكرة الاستئثار بالسلطة.. ولكني أتحدث عن خطورة البديل الذي كان من الممكن أن يحدث إذا تمكن بعض رجال الجيش من الاستيلاء على الثورة

ونستطيع أن نقول إنه برغم كل الدعاوى (أو الاعتقادات) الديمقراطية.. ورغم كل الدعاوي (أو الاعتقادات) المثالية التي كان غيره يؤمن بها حقيقة.. فإن السادات كان يؤمن أيضًا إيمانا موازيا بطبيعة الثورة وبطبيعة قراراتها وبطبيعة قائد الثورة وما له من حقوق.. وما عليه من واجبات.. ولهذا كان قرار الرئيس السادات الذي يبدو لنا جميعا قرارا غريبا.. لكنه في الواقع كان قرارا حكيما. والحاصل أن أحدا غيره من أعضاء مجلس قيادة الثورة لم يكن يلومه عليه.. لأن الرئيس السادات كان قد عبر عن هذه الفكرة بوضوح شديد جدًّا ولم يكن من أنصار الاختلاف في أساليب التطبيق ما دامت الثورة تهدف في المقام الأول إلى تأمين نفسها.

 

ولم يكن أنور السادات يشغل باله ولا يشغل لسانه بالتعبير عن الأهداف المثالية للثورة.. وإنما كان يعترف بكل صراحة وبكل وضوح بأن وظيفة الثورة في البداية وقبل أن تحقق أهدافها أن تؤمن نفسها حتى تستطيع أن تستمر في أداء وظيفتها. ونستطيع أن ندرك أن هذا التفكير العملي كان حصيلة لممارسات أنور السادات السياسية قبل الثورة.. وهي الممارسات التي لم تتح بذات القدر لغيره من زملائه.. وبالتالي فقد مكنته هذه الممارسات من أن يصوغ مثل هذا الرأي الذي قد نعترف الآن بكل وضوح بأنه كان أصوب القرارات في حينه.

 

ربما ندرك الآن أن الرئيس جمال عبد الناصر كان نزّاعا إلى السلطة وإلى ممارستها وإلى حبها.. لكننا لا بد أن نؤكد هنا ما نعتقد فيه من أن هذا النزوع من جمال عبد الناصر إلى السلطة وإلى الاستئثار بها هو الذي ضمن لانقلاب 1952 أو لثورة 1952 أن تستمر في قيادة الدولة… ولو أن عبد الناصر تنازل عن هذا الاستئثار لمدة دقيقة واحدة لكانت مصر قد دخلت في دوامة الانقلابات العسكرية التي لا تنتهي.

 

وأنا لا أدافع في هذا المقام عن الرئيس عبد الناصر ولا عن نظام شمولي.. ولا عن فكرة الاستئثار بالسلطة.. ولكني أتحدث عن خطورة البديل الذي كان من الممكن أن يحدث إذا تمكن بعض رجال الجيش من الاستيلاء على الثورة وأصبح غيرهم من الأسلحة الأخرى.. أو من التنظيمات الأخرى.. أو من التوجهات الأخرى يودون لو أنهم كانوا هم الثائرين.. ويودون لو كانوا هم المنتصرين.. أو كانوا هم البدلاء.. هذا النزاع الكامن الذي استطاع عبد الناصر بكل قسوة وبكل براجماتية أن يكبته مبكرًا صب في النهاية في مصلحة مصر ولو إلى حين.

 

وقد كان الرئيس أنور السادات واعيا له وربما كان أكثر الواعين له.. وكان وعيه بالقدر الذي جعله لا يورط نفسه.. لا في مناقشات داخل مجلس قيادة الثورة.. ولا في تحالفات مع حلفائه القدامى من جماعات كثيرة منها جماعة الإخوان المسلمين على سبيل المثال. وقد استمر الرئيس أنور السادات في القيام بمتطلبات هذا الدور المؤيد على طول الخط للرئيس عبد الناصر في أثناء عضويته في مجلس الرياسة الذي كان محاولة من الرئيس جمال عبد الناصر لإيجاد صورة من صور القيادة الجماعية بعد فشل الوحدة مع سوريا.

 

وعلى الرغم من عدم الجدية التي تعامل بها الرئيس عبد الناصر ونظامه مع فكرة مجلس الرياسة وما كانت تصوره من محاولة للقيادة الجماعية.. ومن توظيف للقيادة الجماعية في التغلب على الأخطاء السياسية. على الرغم من هذا فقد كان أعضاء مجلس الرياسة يظنون أن بإمكانهم أن يفعلوا شيئا من أجل ضبط (إيقاع) السياسة والتخلص من الأخطاء التي ظهرت آثارها بالفعل.. لكن أنور السادات كان يعرف حدود وواجبات مجلس الرياسة.

 

ولهذا السبب فإن الرئيس السادات لم يدخل طرفًا في المناقشات التي حاول مجلس الرياسة أن يقلص بها سلطات الرئيس عبد الناصر أو المشير عبد الحكيم عامر.. وكان معنى هذا بمفهوم المخالفة أنه لم يكن يمانع في استمرار الوضع على ما هو عليه بكل ما ظهر فيه من سيطرة زائدة للقيادة متمثلة في جمال عبد الناصر.. ومن انفراد تام بأمور القوات المسلحة بقيادة عبد الحكيم عامر.. وهكذا بقي السادات هادئا في مناقشات مجلس الرياسة التي شهدت عواصف شارك فيها عبد اللطيف البغدادي، وعبد الحكيم عامر، وكمال الدين حسين وغيرهم.

 

وعندما انتعشت فكرة مشاركة الشعب في الاتحاد الاشتراكي.. والمشاركة في الوحدات الأساسية فإن هذه الفكرة (التي قد تبدو في ظاهرها مثالية) سرعان ما انحصرت، في كتابة تقارير يومية ودورية تصب في تقارير أخرى لتتجمع في تقارير أعلى وهكذا.. أصبح الاتحاد الاشتراكي مؤسسة متشعبة هرمية تكتب تقارير على مستوى القاعدة الأساسية.. ثم على مستوى المركز أو القسم.. ثم على مستوى المحافظة.. ثم على مستوى المؤتمر القومي العام.. بناء تنظيمي هيكلي يبدو في صورته الظاهرة متينا لكن دوره الفاعل في النهاية سرعان ما اقتصر (وبسرعة بالغة) على أن يكتب تقارير.

 

وقد كانت مضامين التقارير مكتوبة بالفعل قبل أن يكتبها أعضاء الوحدات الأساسية ومن يلونهم في المستويات المختلفة.. لكنها كانت مكتوبة على الهواء.. وكانوا يخطونها بأقلامهم فيظنون أنفسهم قد كتبوها.. وكانت التقارير عديدة ومتنوعة.. تقارير عن غضب الناس من بعض الزعماء العرب.. أو من بعض سلبيات الخدمات.. تقارير عن أهم ما يشغل الرأي العام.. تقارير عن بعض المشكلات المحلية.. تقارير عن الترحيب ببعض الشخصيات في بعض المناصب.. لكن كانت خطورة هذه التقارير في جوهرها أنها لا تدري أن ما انتهت إليه لم يكن تعبيرًا حقيقيًا ولا غير حقيقي.. وإنما كانت تردد أقوال القادة أو أقوال مَنْ تمكنوا من الكراسي العليا.. كأن يُطلب بإيحاء خفي من قواعد أساسية أن تهاجم تقاعس القوات الجوية عن الرد على هجوم العدو الإسرائيلي على سبيل المثال.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.