سارعت دول ومنظمات دولية فور شيوع وتفشي جائحة كورونا إلى المطالبة بهدنة إنسانية في ليبيا واليمن، وذلك لمنح المناطق القتالية فرصة للتعاطي مع هذه الجائحة التي تهدد العالم كله، ولكون انشغال المتقاتلين في حربهم سيشتت الجهود، ويؤدي إلى انتشار العدوى والجائحة بشكل خطير، فقد دعت هذه الجهات إلى الالتزام بالهدنة الإنسانية، لاسيما وأن هذه المناطق تنعدم فيها البنى الصحية الضرورية، فإن كانت دول متقدمة جداً لا تعيش حروباً منذ عقود مهددة بالجائحة، بل غدت منكوبة وموبوءة، فكيف بالمناطق التي دمرت فيها بنى صحية بالأصل متهالكة..
الأغرب من هذا كله هو صمت الجميع دولاً ومنظمات دولية عما يجري في سوريا، فكأنها الاستثناء مما يجري كله، على الرغم من التقارير والتسريبات الواردة أنها من أكثر الدول تعرضاً لهذا الوباء بسبب التنقل الحر الجوي والبري والبحري بين مناطق موبوءة أو انتشر فيها الكورونا وبين سوريا الخاضعة لسيطرة العصابة الطائفية، ومع هذا صمت العالم كله عن إدراج سوريا ضمن الدول التي طالب فيها بالهدن الإنسانية التي طالبوا بها في اليمن وليبيا.. التقارير التي سرّبتها المصادر الموالية للنظام تتحدث عن أرقام مفزعة بعدد القتلى والإصابات بسبب الكورونا، ونظراً لوجود معابر بين مناطق العصابة الطائفية ومناطق الشمال المحرر، بالإضافة إلى حالات التهريب، فإن الخطر قادم على الشمال المحرر من وراء جائحة كورونا، لاسيما وأن تركيا بدأت الإصابات فيها تتصاعد، وبالتالي فإن تسلل المرض من الأراضي التركية غدا محتملاً أيضاً..
ليس أمام العالم من خيار إلاّ المطالبة بهدنة إنسانية في سوريا بعد كل هذا الخذلان الرهيب للشعب السوري، ليتفرغ المدنيون إلى معالجة وباء كورونا، بعد أن واجهوا لعقد كامل كورونا سياسي وعسكري واقتصادي |
لكن الجانب الأخطر والمظلم من هذا هو المعتقلين الذين تتحدث المصادر عن إصابة المئات منهم في سجن عدرا بالكورونا، وبالتالي سيتحمل العالم ومعه العصابة الطائفية ومشغليها مسؤولية حياتهم، وليس أمام العالم سوى المطالبة بالإفراج عنهم أسوة بما فعلته كثير من الدول مع المعتقلين والمساجين.. يحصل هذا كله في ظل بنى صحية تحتية متهالكة، والأخطر من هذا وذاك هو أن الاحتلال الروسي والإيراني ومليشياتهما الطائفية لا توفر في قصفها حتى المشافي والمراكز الصحية، وقد وثقت المنظمات الدولية، ووسائل الإعلام العالمية ذلك بالصوت والصورة، لكن لم يثن هذه العصابات ذلك عن مواصلة هوايتها في استهداف المشافي والمراكز الصحية، ويزيد من خطورة الأمر هو اكتظاظ مخيمات النازحين، حيث نزح خلال الشهرين الماضيين بحسب المنظمات الدولية أكثر من مليون نازح بفعل العدوان الروسي الإيراني على الشمال المحرر وتهجير الناس من مدن وبلدات كانت عامرة بالأهالي مثل معرة النعمان وخان شيخون ومعرة النعمان وسراقب ووو.
ويتجمع هؤلاء النازحين اليوم في خيام يصل عدد الموجودين بالخيمة الواحدة عشرة أشخاص في بعض الأحيان، وهو ما يهدد المنطقة بوباء قاتل في حال انتشاره وتفشيه لا سمح الله، وقد أشار إلى هذا بعض مسؤولي الصحة في المحرر بأن الوباء إذا انتشر فربما يهدد حياة أكثر من مائة وعشرين ألف شخص.. الأسوأ من هذا وذاك هو تلكؤ منظمة الصحة العالمية عن توفير مخابر وأجهزة وعدت بها للصحة في الشمال المحرر، دون أن ترسلها، ومع كل تأخير سيدفع الثمن الشعب السوري وربما العالم كله، نظراً لحالة التنقل التي يتميز بها عالم اليوم، مما يجعل نقل المرض محتماً عابراً للحدود، وتتحدث بعض الأوساط عن عزم المؤسسات الصحية في الشمال المحرر إلى التوجه للمانحين الدوليين والعالميين من أجل سدّ الثغرة بعد حالة التلكؤ من منظمة الصحة العالمية بتوفير الاحتياجات الطبية الضرورية لمواجهة هذه الجائحة..
مدير صحة إدلب الدكتور منذر خليل أكد أخيراً أن لا إصابات حتى الآن بكورونا في الشمال المحرر، وإن كان ثمة أربع حالات عليها أعراض مرض يتم التحقق منها كما يقول، ووعد بالإعلان عن التفاصيل حال الكشف المخبري، ولكنه حذر من خطورة المرض وسرعة انتشاره في حال وصل للشمال المحرر، فلديه تربة خصبة للانتشار نظراً للكثافة السكانية، وصعوبة الحجر المنزلي في حال المخيمات المكتظة أصلاً..
ليس أمام العالم من خيار إلاّ المطالبة بهدنة إنسانية في سوريا بعد كل هذا الخذلان الرهيب للشعب السوري، ليتفرغ المدنيون إلى معالجة وباء كورونا، بعد أن واجهوا لعقد كامل كورونا سياسي وعسكري واقتصادي من احتلالات ومليشيات طائفية، ويتفرغ معها أيضاً الاحتلال ومليشياته لمعالجة أنفسهم من كوروناهم، وتبقى جائحة كورونا الأسد أخطر من أي كورونا تقليد بالنسبة للشعب السوري..
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.