شعار قسم مدونات

"المعارضات" وثقافة الغرب

blogs تفكير، تأمل

لا شك أن السفر إلى الخارج بحثاً عن الراحة والاستجمام والتغيير وطلباً للعلم أو تجديد النشاط والتعرُّف إلى ثقافات وحضارات أخرى أمر جميل ومفيد قال فيه الإمام الشافعي أبياتاً في غاية الروعة الأدبية:

 

سافر تجد عوضاً عمَّن تفارقه

وأنصب فإن لذيذَ العيش في النصبِ

إني رأيتُ وقوفَ الماء يُفسده

إن ساح طاب وإن لم يجرِ لم يطبِ

 

لكن في الآونة الأخيرة شاعت ظاهرة بين أوساط فئة من الفتيات الخليجيات ألا وهي التفكير في السفر إلى الخارج بحثاً عن الحرية التي يعتقدن أنها غائبة عن مجتمعاتهن، وزادت هذه الظاهرة انتشاراً واتساعاً نتيجة ما يروَّج له على وسائل الإعلام المختلفة من أفكار تشجّع على الانتقال والعيش في الدول الغربية حيث الرفاهية والأحلام الوردية "كما يصوِّرون ذلك". أما ما يزيد الطين بلَّة فهو أن الغرب ومن خلال ما يُنتجه للعالم من أفلام ومسلسلات وبرامج مختلفة يسعى بشكل أو بآخر لترويج ثقافته ومنظوره للحرية ويهدف إلى استقطاب الناس ودفعهم للتعلُّق بحضارته والتأثُّر بالأفكار المختلفة التي ينادي بها لأغراض سياسية وتجارية.

 

فتيات لا أذكر عددهم من ضآلته، خرجوا عن النهج وارتكبوا تجاوزات أخلاقية وفكرية لا تمت لديننا ولا ثقافتنا ولا تربيتنا بصلة.. أعمى عقولهن وهم الحرية في بلاد الغرب وما يزعمونه من حقوق المرأة والمساواة، وما يدعوه من أن الفتيات في ديار العرب والإسلام مقموعات، وأن الحجاب سجن، والحياء ضعف شخصية، والزواج قيد، وأدب اللفظ وخفض الصوت قلة ثقة بالنفس، فما لبثن أن ضربن بتربية آبائهن وتعاليم دينهن عرض الحائط، والتفتن للطرق المؤدية إلى الحرية المزعومة، يبحثن عن السبل الممكنة للوصول للحلم الوردي (أوروبا)، وفي سبيل ذلك تجاوزن في حق وطنهن وأسرهن، وكأنهن فقدن عقلهن.

 

أقول لنفسي ولكل رجل من أبناء وطني: علينا أن ننحي اللغة الذكورية جانباً.. رفقاً بالقوارير.. رفقاً بزوجتك وابنتك وأختك.. كن لهن السعادة والسكينة.. اجعل من حياتهن جنة لا يمتلكن البعد عنها

ادعين الكذب وصدقنه، وتناسين أن الله أكرمنا بدولة تحفظ الدين وترعى حدوده وتقف عند نهيه.. وتضع قوانينها وفقاً لتعاليم القرآن والسنة، حيث أعطت للمرأة حقوقها كاملة غير منقوصة ضمن حدود الدين والعرف، فقد تقلدت المناصب المشرفة التي تستحقها وأثبتت بجدارة قدراتها وارتفاع شأنها تحت مظلة الدين والدولة دون المساس بكرامتها ورفعتها.

 

ولقد لعب الليبراليون والعلمانيون دوراً كبيراً في الترويج للفكر الغربي تحت مسمى "الحرية والمساواة"، وما يزالون حتى اليوم يحاولون اللعب على أوتار هذا المصطلح في محاولة لدفع المرأة إلى السفر والتشبُّه بالغربيَّات والتحرُّر من أخلاقيات المجتمع الشرقي، ما دفع الكثيرات للاعتقاد بأن البلاد الغربية هي أرض الأحلام، أهي فتنة عمت العرب والمسلمين؟! أم إنه التقليد والتغريب والعلمانية التي حذرنا منها نبينا صلى الله عليه وسلم في قوله: "حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه.."؟

 

لكن الحقيقة أننا اليوم وأكثر من أي وقت مضى نشهد تطوراً في القوانين ونقلة نوعية في فكر الشباب العربي عموماً وبدايات مستقبل مشرق أكثر انفتاحاً وحرية لا من المنظور الغربي بل من المنظور الشرقي بما يتناسب مع عاداته وأخلاقياته التي أرسى دعائمها أجدادنا السابقون، ويرجَّح أن يكون ظن بعض الفتيات أنهن لا يحصلن على ما يكفي من الحرية في بلادهن بسبب نشأتهن في محيط عائلي حيث يوجد أب ذكوري متسلّط وأخ أو إخوان بعقول متحجرة تنتمي إلى عصر الجاهلية.

 

وبالتالي يكون الخيار الوحيد أمام الفتاة أن تسافر إلى الخارج "هكذا تعتقد" لتحصل على حريَّتها وتحقق أحلامها رغم أن مجتمعاتنا أعطت للمرأة الكثير من الحقوق وهامشاً كبيراً من الحرية للتعبير عن ذاتها والوصول إلى أعلى المراكز، فإنها ما إن تصل إلى حيث عقدت العزم حتى تبدأ المفاجآت والصدمة الحقيقة بُعيد الاصطدام بواقع مغاير لما شاهدته وسمعت عنه في مختلف وسائل التواصل الجماهيرية، فلا تخلو المجتمعات الغربية من العنصرية ومن اضطهاد المرأة في مواقع كثيرة وغير ذلك من سلبيات يحاول الإعلام والصناعة السينمائية إخفاءها لتجميل صور الغرب إلى درجة التقديس.

 

كثيرة هي نعم الباري -جل وعلا- علينا.. فهي لا تعد ولا تحصى.. لكن وجب عليّ هنا أن أُذكّر بنعمة عظمى منّ الله بها علينا جميعاً وأحدّث بها، وهي نعمة هذا الوطن العظيم والبلد المشرّف الذي وهبنا الله إياه، أهل هذا الوطن.. شعب لم تعبث بدينه تقلبات الزمن وانتكاساته، ولم تغير دينه ومعتقداته ما طرأ عليه من ثقافات مضادة.. شعب يحافظ على دينه وعادته وتقاليده، لكن هناك شرذمة قليلة لا تتعدى أصابع اليد أذهلها وذهب بعقول أفرادها وهم الغرب وبريق مبادئ دائماً ما يتشدق بها لجذب ضعاف التفكير والعقول.

 

الدولة مبعث فخر كل مواطن، تسير نهضتها بشكل رائع وتعد نموذجاً يُنظر إليه بعين الإعجاب، وترنو عقول وقلوب الكثيرين إلى أن يعيشوا على أرضها، كما يتمنون لو كانوا من أبنائها. وأهلنا يسيرون على درب الأُولَى يتمسكون بتعاليم دينهم وتقاليد وعادات آبائهم ويرسخونها في نفوس أبنائهم.

 

لكن أقول لنفسي ولكل رجل من أبناء وطني: علينا أن ننحي اللغة الذكورية جانباً.. رفقاً بالقوارير.. رفقاً بزوجتك وابنتك وأختك.. كن لهن السعادة والسكينة.. اجعل من حياتهن جنة لا يمتلكن البعد عنها.. واملأ أفئدتهن حباً ورحمة.. واغرس في قلوبهن أمناً لا يرغبن بعده بالبعد عن أوطانهن وبيوتهن، المرأة هي أمي وأمك وأختي وأختك وزوجتي وزوجتك، وهي ركن أساس في بنيان المجتمع.. إن صلحت صلح أبناؤنا وصلح الوطن بأسره.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان