شعار قسم مدونات

هل غيّرت الإمارات من سياساتها اتجاه إيران؟

blogs محمد بن زايد

في أعقاب التطورات والتحولات المتسارعة التي جرت في منطقة الخليج العربي، والتوترات غير المسبوقة الحاصلة بين الأطراف الدولية، يبدو أن قصة العداء والصداقة قد وصلت هذه المرة لسلسلة غير متوقعة: الصداقة بين دولة الإمارات وإيران. في الآونة الأخيرة، تحدثت العديد من وسائل الإعلام العربية والإيرانية عن ما أطلق عليه "تحول السياسة الخارجية لدولة الإمارات تجاه إيران". معظم التقارير الصحفية التي نشرتها وسائل الإعلام عن هذا الموضوع أظهرت صورة اثنين من القادة العسكريين من كلا البلدين يتصافحان، ويتبادلان الابتسامات الدبلوماسية، ومذكرات التفاهم الموقعة بين البلدين، مع وجود علم كل من البلدين خلفها.

خلال السنوات الأخيرة، كانت الإمارات العربية المتحدة عضواً ضمن تحالفات وقفت في الصف المقابل لإيران التي لطالما لم تخفي انزعاجها الشديد من السياسة الخارجية لهذا البلد. ودخلت أبو ظبي بشكل واضح مع المملكة العربية السعودية على خط معاداة طهران، ودعمهما لتوجهات ترامب ضد إيران، منذ أن بدأت الأزمة بين واشنطن وطهران. محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، صنف مرة في تصريح صحفي له، ولي عهد الإمارات محمد بن زايد، إلى جانب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وجون بولتون وبنيامين نتنياهو، كأعداء لإيران، وأنهم يسعون لشن حرب ضد إيران. ولكن حقيقة، هل غيرت الإمارات من سياساتها؟ وهل تخلت عن حلفها لتتبع سياسة خارجية جديدة؟ والأهم من ذلك، ما الذي يحدث وراء الكواليس؟

علامات ودلالات وإشارات استفهام كبيرة
دولة الإمارات كانت تشكل جسر التواصل المالي لإيران مع العالم، ناهيك أن العديد من الأعمال التجارية والتحويلات المالية (الحكومية والخاصة معاً) لإيران مع الدول الأخرى من أمريكا الشمالية إلى شرق آسيا كانت تتم عن طريق الإمارات

إن الحديث عن حدوث تغيير في السياسة الخارجية للإمارات ليس بدون أية اثباتات أو دلائل، بل إن الأخبار المتتالية التي تتحدث عن هذا الموضوع، لا يمكن حصرها فقط بسفر أحد القادة العسكريين الإماراتيين لطهران. أحد أهم الإشارات على بدء هذا التغيير يمكن رؤيتها عندما تعرضت ناقلات نفط بالقرب من ميناء الفجيرة الإماراتي لعمليات تخريبية. رغم أن مثل هذا الحدث، كان من الممكن أن يكون حجة مناسبة لتكثيف الضغط على إيران، إلا أن ردة الفعل الإماراتية جاءت على عكس المتوقع. الموقف الإماراتي جاء أكثر سلاسة، معتبراً أن اتهام ضلوع إيران في هذه التفجيرات كان بدون أي اثبات، واستمر هذا الموقف حتى بعد صدور الإعلان الأمريكي الذي تحدث عن ضلوع النظام الإيراني في تلك العمليات التخريبية.

في وقت لاحق، وبالتزامن مع ارتفاع معدلات التوتر في الخليج العربي إلى حد غير مسبوق، أعلنت الإمارات في حركة غير متوقعة عن سحب قسم كبير من قواتها من اليمن، وبعدها بفترة وجيزة، شهدنا إعلان المتمردين الحوثيين المدعومين من قبل إيران، يتحدث عن توقف الحوثيين عن ضرب الأهداف الإماراتية، واكتفائهم بضرب الأهداف السعودية فحسب. في غضون ذلك، كان هناك إشارات عديدة (ذات جذور سابقة) يمكن رؤيتها في الأيام الأخيرة من شهر تموز/ يوليو الماضي ٢٠١٩، تزامنت مع تصريحات من داخل طهران، تدل على حدوث تغير في السياسة الخارجية الإماراتية اتجاه إيران. فوفقاً لتقرير موقع اقتصاد أونلاين الإيراني والمقرب من النظام الإيراني، تحدث شهاب قرباني، الأمين العام للجنة الصرافين الإيراني، في ٣٠ تموز / يوليو ٢٠١٩، عن زيادة العلاقات المالية بين إيران والإمارات العربية المتحدة، وخاصة في مجال الخدمات المصرفية وتحويل العملات، قائلا: "على حد علمنا، أعلن بنكان إماراتيان عن استعدادهما للتعاون المالي مع إيران وقد بدأت المحادثات بين الجانبين في هذا الصدد".

جميع هذه الدلالات وإشارات الاستفهام الكبيرة، بقيت مبهمة حقيقة حتى جاء خبر معاقبة وزارة الخزانة الأمريكية لخمس شركات إماراتية يوم الخميس ١٩ مارس ٢٠٢٠، ليفك رموزها المشفرة. كما ذكر الخبر، فقد قامت وزارة الخزانة الأمريكية بمعاقبة خمس شركات تعمل على الأراضي الإماراتية كانت قد ساهمت بييع مئات آلاف الأطنان من الشركة الوطنية الإيرانية للنفط، زاعمةً أنه نقط عراقي في محاولة واضحة لتمويه مصدره. إحدى الشركات الامارتية وتدعى كلبر كانت تشتري ٢٥٠ ألف برميل يومياً في شهري يناير وفبراير من عام ٢٠١٩. إن كل هذه الاستثمارات والتبادلات التجارية الضخمة لشركات تعمل على الأراضي الإماراتية مع النظام الإيراني، والتي ظهرت جزء يسير منها على العلن مؤخراً، لا يمكن أن تحدث دون علم حكام الإمارات، وعلى رأسهم محمد بن زايد.

وبالعودة قليلاً في الزمن للوراء، نجد أن دولة الإمارات كانت تشكل جسر التواصل المالي لإيران مع العالم، ناهيك أن العديد من الأعمال التجارية والتحويلات المالية (الحكومية والخاصة معاً) لإيران مع الدول الأخرى من أمريكا الشمالية إلى شرق آسيا كانت تتم عن طريق الإمارات العربية المتحدة.
وبعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران، تعاونت إيران بشكل ممتاز مع البنوك والمؤسسات المالية في دولة الإمارات، في حين لعب البنك الوطني الإماراتي وفرع دبي للصادرات دورًا مهمًا في التحويلات والانتقالات المالية لإيران.

ما الذي يحدث خلف الكواليس؟

إحدى التكهنات حول سبب تغيير الإمارات لسياساتها الخارجية تجاه إيران هو الهيكلية والبنية القبلية في الإمارات، وطبعا دور محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي، الذي يتمتع بدور وتأثير حاسم. فكما ذكرت وكالة أنباء الأناضول منذ فترة وجيزة، فإن حاكم دبي غير راضٍ عن عداء بلاده لإيران، ويرى أيضًا أن حرب اليمن هي "مغامرة مكلفة غير مثمرة". وبما أن الحكم والاستقرار في الإمارات هما نتيجة لتوازن القوى والمشاركة السلمية للإمارات السبع في القرارات الرئيسية، فإن قراراً كبيراً من مثل قرار قرع طبول العداء والحرب مع طهران يستوجب مشاورة واسعة وكبيرة مع الشيوخ المؤثرين في دولة الإمارات. ناهيك عن أن لمحمد بن راشد دوافع مصلحية لعدم الرضا عن العلاقة الجافة بين إيران ودولة الإمارات.

الإيرانيون كانوا ولا يزالون أحد أهم المؤثرين في اقتصاد دبي، وغيابهم سيؤثر كثيراً على الطفرة الاقتصادية للمدينة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الحرب المحتملة مع إيران، ستضع جميع الإمارات بما في ذلك إمارة دبي في مواجهة مخاطر جسيمة، وخاصة الاقتصادية منها. فالنمو الاقتصادي والتنمية في الإمارات يرتبط إلى حد كبير بالاستثمار الأجنبي وأمن واستقرار البلاد والمنطقة. من ناحية أخرى، يبدو أن التعاون الإماراتي السعودي في اليمن قد اصطدم بمأزق الصراعات الداخلية وفتح جبهة ثالثة داخل الحرب اليمنية، وذلك بسبب دعم الإمارات للمجلس اليمني الانتقالي للجنوب، وهي جماعة انفصالية تسعى إلى إحياء اليمن الجنوبي.

على الرغم من أن خروج الإمارات من اليمن قد وصف في الدعاية الإمارتية الرسمية بأنه قرار تم تنسيقه مع الرياض، إلا أن هذا القرار يشكل علامة كبيرة على تحول استراتيجي آخر من جانب أبو ظبي. تحول قد يحرر محمد بن زايد من مستنقع الحرب اليمنية، وفي نفس الوقت يسكت الانتقادات المحلية المحتملة. وفي نهاية المطاف، فإن هذا التحول (في حال اتخذ مسارا تصاعدياً متسارعاً) سيكون بمثابة مساعدة كبيرة لطهران، التي تضررت بشدة من سياسة "الضغط الأقصى" التي تتبعها واشنطن ضدها هذه الأيام، ويعاني اقتصادها الداخلي من أزمات مزمنة نتيجة لتفشي فيروس كورونا وتحوله لكارثة مدمرة على مستوى البلاد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.