التاريخ يصف أحداثًا خارجية، بينما تصف الروايةُ التاريخيةُ الحياة ذاتها، يتناول التاريخُ الأحداثَ، بينما تتناول الرواية الخبرات والتجاربَ المعيشية. موضوع التاريخ هو شعبُ ما، مجتمعٌ ما، جماعة ما، أما موضوع الرواية فهو شخص "فرد"
علي عزت بيغوفيتش
يفهمنا الكتاب عامة وهذا النص العميق خاصة الروايات التاريخية وماهيتها وكيف لها أن تسموا بالأدب وأيضا تكون مادة علمية نافعة تفيد الحس وتمكن اللسان من العرض الجيد وبلاغة الكلم وتسمن جوعك المعرفي و و و إلخ ليس هناك منتهى، وأنا اقرأ تلك الأسطر استحضرت تعليقاً لأحدهم حول قيمة الروايات ومن وجهة نظري لفت نظري هذا الاتهام عن باقي الاتهامات الموجهة للرواية، يقول: أن الرواية التاريخية مجرد "حشو" ليس له من فائدة! لأنني ذات مرة قرأت رواية الحدث التاريخي بها لا يتعدى 20صفحة في كتب التاريخ فدونها هذا الروائي في 300 صفحة فماذا يستفيد القارئ من هذا الحشو سوي ضياع وقته؟
ربما أن هذا الصديق مهتم بقراءة أمهات الكتب، الكتب العلمية. فيرى الروايات تافهة مقارنة بكل العلوم الدنيوية والدينية، أو ربما لأنه يحب القصص القصيرة ويمل من الإسهاب في التفاصيل، الاعتقاد الخاطئ الذي ترسخ عند هؤلاء مسببه قراءات لروايات مبتذلة ورواةٍ سطحيين انتشرت رواياتهم حتى تولدت هذه الثقافة عنهم ولربما كانت بدعم حكومي عموما ليس من شأني الأن، المهم أنها لن تزول نلك الرؤية عن الرواية إلا بالبديل الجيد والمفيد، حتى تتكون ثقافة جديدة وجيدة عنها.
وإذا كان عمق القراءة يعطي الشخص متانة اللغة، تبقى مسألة قدرته على الإنتاج الأدبي من عدمها مرتبطة بعمق تجربته الإنسانية وإحساسه بألم قضيته ورؤيته الواضحة، فيتطلب اكتمال العمل إذاً اجتماع قوة اللغة وهو لن يحدث سوى "بتحصي الكلمات واكتساب الاسلوب من قراءة الروايات" مع التجربة وسعة الخيال وأمور أخرى ترتبط بالصفات الشخصية من جرأة الطرح والموضوعية وغيرها.
كنتُ أرى أن الرواية هي فقط إضاعة وقت ولكن! أدركتُ بعدما قرأت كم رواية، أنَّ كتاباتي تتحسن، مُفرداتي ازدادت، حتى تعبيري لفظًا وكتابة قد تغيّرَ للأفضل |
الرواية هي آلة الأديب في التقاط مشاعر اللحظة وتخليدها، كما أن الكاميرا آلة لالتقاط تعابير اللحظة وحفظها. ولذا فإني لا أميل لمن لا يكتب إلا سعيدًا، ولا لمن لا يكتب إلا حزينًا، بل يروقني من يجمعُ تضادّ الحياة في سعادتها وشقائها، وحلوها ومرّها، وضحكها وبكائها… لمن يتجرد من عقائديا وعرقيا إن ذكر حدثا وأردت التحقق من صحته فعليك الرجوع لمؤرخي هذه الفترة من الصفين لأري تضارب وتوافق وتواتر الأقاول ومن ثم لي أن أحكم هل كانت حبكته محترفة وليست بواقع. أم أنه مجرد قلم للمنتصر أداة لتجميل وتخليد الذكرى في شكل فني؟ عيبها الوحيد هو التحريف للحقاق وهذا من السهل فحصة إن وجدت تضاربا في الأقوال.
ولو أردت معرفة الدليل على أن الروايات وحدها هي من تعطيك لغة سليمة وتعلم كيف تكتب حتى جواب لحبيبة أو خطاب لرئيسك في العمل، انظر إلى قراء الروايات وقراء الكتب العلمية ستجد فروقاً كثيرة في مهارات التحليل والاستنباط والفك والتركيب والتجريد وما إلى غير ذلك، الرواية هي فن الكشف عن التفاصيل الدقيقة والمهمشة في الأحداث ومجريات الحياة.
الرواية تحفيز الخيال والشعور لكي يتصور ويشعر ويجرّب مالم يتمكنه في الحياة.. الرواية هي حلاوة اللفظ، وطرب الشعور، وفن صناعة المعاني ! الرواية الجادة ليست حكايات للتسلية أو لمجرد الاستمتاع بالحكايات. قراءتها على هذا الأساس تسطيح لقيمتها، لست أنكر أني كنتُ مثله سابقًا، وكنتُ أرى أن الرواية هي فقط إضاعة وقت ولكن! أدركتُ بعدما قرأت كم رواية، أنَّ كتاباتي تتحسن، مُفرداتي ازدادت، حتى تعبيري لفظًا وكتابة قد تغيّرَ للأفضل بشكل مُبهر كنتُ آتي بأفكار ارتجالية أُعبّر عنها بشكل واضح وهذا مالا أعهده عني قبل الروايات.
وأخيرا من خلال خبرتي المتواضعة يمكنني تصنيف الرواية أنها رديئة وغير مفيدة من خلال ثلاث نقاط مهمة:
١-مكتوبة بلهجة عامية صرف ولا كلمة واحدة بالفصحى!
٢-تقوم على علاقة بين ولد وبنت
٣-كئيبة وترسخ فكرة (ما في ثقة، السوداوية، الكل ضدي).
عسى ما فندت يرقق قلب محبي الكتب العلمية للرواية.. وفي المرة القامة سأتكلم عن "هل يأخذنا الأدب بعيدا عن الروحانيات والتجني على الله وأقداره؟" هل للشعر والغزل من حرمة؟ معنى قوله تعالى "الشعراء يتبعهم الغاوون.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.