ما من شكٍ فإن وباء كورونا الذي انتشر في العالم كالنار في الهشيم، وانعكس بالسلب على كل معالم الحياةِ البشرية يلزمه تحركات وخطط مدروسة لمواجهته، والخروج من حلبة المصارعة معه بأقل الأضرار الممكنة، حفاظاً على العنصر البشري لأبعد مدى ممكن، فهو أغلى ما نملك. ولما كان الخبراء في العالم يتحدثون عن أن "كورونا" ليس المرض الأكثر فتكاً في العالم، وأن هناك أمراض أخرى تفوقه كثيراً في ذلك، غير أن حالة القلق والخوف منه، تكمن في أنه سريعُ الانتشار، ولا يوجد علاج أو مضاد "حتى الآن" يتمكن من وقفِ زحفه وتمدده.
تعرضت البشرية على مرِّ التاريخ لأوبئة وأمراض حصدت أرواح آلاف وملايين الناس، فالإنفلونزا التي انتشرت في العام 1918م كانت سبباً في قتل حوالي 5 بالمائة من تعداد سكان العالم، وبعدد ضحايا تجاوز مائة مليون شخص، بينما عانى من الوباء 500 مليون شخص آخرين. وفي العام 1956 انتشرت الإنفلونزا الآسيوية، وعلى مدار ثلاث أعوام تمكن هذا الوباء من قتل 2.5 مليون شخص في العالم.
إن الحفاظ على الجبهة الداخلية الفلسطينية من أهم الأولويات كذلك، لكن حتى الآن، واضح أن هناك غياب إجراءات عقابية لمن يقوم بنثر وبث الشائعات وتهويل الأمور، وهو ما يتم الحديث عنه في كل أزمة فلسطينية |
وأمام هذا الواقع فلا بد من الوقاية، خاصة في المناطق والأقاليم التي تعاني من قلة الإمكانيات الصحية ونقصٍ كبير في الأدوية كما في قطاع غزة، حيث يعاني أهله من ذلك منذ 12 عاما بفعل الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع، ومضاعفة المعاناة بفعل العقوبات التي فرضتها السلطة الفلسطينية على غزة منذ سنوات كذلك. ورغم الإدراك بأنه لن يُصيبنا إلا ما كتب الله لنا، غير أن الوقاية كذلك هديٌ نبوي اتبعه النبي "صلى الله عليه وسلم"، وسار على نهجه صحابته من بعده حينما كانت الأوبئة تضرب أي قطر من أقطار الإسلام المنتشرة من المحيط إلى الخليج.
نُدرك بأن غزة لا يوجد فيها مطار أو ميناء، وصحيح بأن أسلاك الحصار والعقوبات تُحيط بها من القريب والبعيد، ولا تفتح الأبواب للحركة إلا في أوقاتٍ ضيقة للغاية، إلا أن هذه الحقائق بإمكانها مساعدة صناع القرار بغزة في حصر والسيطرة على الوباء إن اتبعت بعض الإجراءات الوقائية، والمعالجات السريعة -وهو من محاسن الحصار الذي نعيشه منذ سنوات-. ويمكن السيطرة على كورونا في غزة بإجراءات وقائية أولاً، وعلاجية ثانياً في حال انتقلت العدوى لغزة، والتفاصيل كالتالي:
حتى الآن لم تنتقل عدوى "كورونا" إلى غزة -نسألُ الله ألا تصل- فغزة فيها ما فيها من أمراض وهموم لا يعلم بها إلا الله، ونسألُ الله أن يحفظ كل من وصلت إليه، لكن ومن باب الوقاية، ينبغي القيام بالأمور التالي:
1- تنفيذ الحجر الإجباري لكل من يصل إلى غزة من معبر "رفح" وحاجز "بيت حانون"، وهذا يتم بإشراف وزارتي الصحة والداخلية، ولا يُستثنى منه أحدٌ دخل لقطاع غزة "تاجر، قائد، أجنبي…"، فكل بلدان المحيط أصابها الوباء.. وأي استثناء لأحدٍ وما يُسمى بـ" الحجر المنزلي" لن ينفع في غزة، وقد ثبت عدم التزام البعض بالحجر المنزلي.
2- المهمة الأكثر أهمية، تقع على عاتق وزارة الداخلية فيما يتعلق بالمسافرين أنفسهم، فمصلحة الجميع مقدمة على مصلحة من يقوم بالسفر هذه الأيام، وعليه، ينبغي القيام بتقليص أعداد المسافرين لأبعد مدى ممكن "ولأصحاب الضروريات فقط"، مع التأكيد على مساواة الأمر على الجميع.
وصول الكورونا إلى غزة، أمرٌ وارد ومتوقع، وإن تم تسجيل حالات بذلك فيجب القيام بخطواتٍ عاجلة بعيدة عن الارتباك بالتالي:
1- إعلان إنهاء العام الدراسي لطلاب رياض الأطفال والمدارس، واحتساب درجات الفصل الأول للفصل الثاني.
2- في الجامعات يتم استخدام نظام التعليم المفتوح للتخصصات الأدبية والنظرية، ويتم ابتكار نظام للتخصصات العلمية والعملية، بحيث يتم تخفيف الازدحام لأبعد مدى ممكن.
3- يتم تقليص دوام الوزارات والهيئات والمؤسسات الكبيرة إلى النصف.
4- يتم تقليص مدة خطبة الجمعة إلى دقائق معدودة، مع منع حضور صلوات الجماعة من قبل منخفضي المناعة "الأطفال وكبار السن"، وقد صدرت فتوى من وزارة الأوقاف بهذا الأمر.
إن الحفاظ على الجبهة الداخلية الفلسطينية من أهم الأولويات كذلك، لكن حتى الآن، واضح أن هناك غياب إجراءات عقابية لمن يقوم بنثر وبث الشائعات وتهويل الأمور، وهو ما يتم الحديث عنه في كل أزمة فلسطينية، لكننا اليوم نتحدث عن وباء عالمي، والضرورة تُحتم خروج المسئولين عن حالة الرقابة لمن يقوم بنشر الشائعات وتخويف المجتمع، إلى حالة المحاسبة والعقاب.