في العقد الأخير، كرة القدم لم تكن تهتم بالجانب الرقمي كثيراً. الإحصاءات الرقمية انحصرت في عدد التسديدات على المرمي، عدد الركنيات، نسبة الاستحواذ، عدد التمريرات..إلخ. من الممكن أن نلخص ذلك في عبارة "الإحصائيات التي تشاهدها في لعبة الفيفا في يومنا هذا". هذه الإحصائيات، رغم كونها مهمة، لم تكشف الكثير عن الفريق للمدرب وطاقم العمل. المدرب عادة ما يتوقع معظم إحصائيات فريقه.
مع دخول التكنولوجيا في كل جوانب الحياة تقريباً، فدخولها في عالم الكرة كان مسألة وقت فقط. رغم أنه، إلى الآن، كرة القدم لا زالت تعتمد على مظهرها التقليدي أكثر من اعتمادها على الجانب التكنولوجي. أي لا زال العامل البشري أقوي من الحاسوبي عندما تأتي مرحلة القرار فيما يخص التكتيك والرسم الخططي.
أحد المشاكل التي تواجهها الأندية، تكمن في الكشافين. كشافي المواهب عادة ما يشاهدون المباراة من أجل كتابة تقرير عن لاعب أو مجموعة من اللاعبين متأثرين بعوامل مختلفة. إن شاهد أحدهم المباراة في طقس هادئ وجمهور متفاعل جعل جسده ينبضن بالأدرنالين، فلربما يعطي اللاعب تقييم أفضل مما استحقه. ولربما العكس. في حالة كون الرجل في حالة مزاجية سيئة، يقيم اللاعب بطريقة أسوأ مما كان عليها.
أيضاً، إذا فرضنا أن الظروف لن تتغير وأننا قادرون على تهيئة ظروف عادلة بحيث لا تؤثر على رأي الكشافين فهذا، رغم استحالة حدوثه، لن يكن كافي. هنالك تأثير سيكولوجي يدعي "التحيز التأكيدي" يقوم به الكشافين بدون علمهم أنهم تحت تأثيره. في الواقع، جميعنا كبشر نفعل هذا في حياتنا اليومية. بعض المدربين يفضلون عدم ذكر إسم اللاعب الذي على الكشاف متابعته، في محاولة لمنعه من التأثر بذلك التحيز التأكيدي. الفكرة تكمن في أن عند علم الكشاف برغبة المدرب في دراسة/مراقبة أحد اللاعبين، فهذا يعطي انطباع جيد عنهم بالفعل، أي أنه يؤثر على نظرة الكشاف للاعب ويجعله أكثر ميولاً لمديح اللاعب نتيجة طلب المدرب لتقرير عن اللاعب. بعدم إطلاع الكشاف على اسم اللاعب، بذلك يمنعه المدرب من التحيز، ناهيك عن فكرة أنه من الممكن أن يؤثر سلبياً على التقرير حيث أن الكشاف أصبح مطلوباً منه مراقبة 11 لاعب بدلاً من التركيز على لاعب واحد فقط.
عادة الأمر يتم بهذه الكيفية: يقوم النادي بوضع عدد كاميرات كافي لتغطية كل زوايا الملعب. باستخدام أحد البرامج التي تحلل الصور يقومون بتحديد الـ 22 لاعب في أرضية الميدان وكذلك الحكام والكرة ذاتها، ومن ثم يتم تحديد موضع كل منهم على المحاور (س، ص، ع). عادة ما يتواجد طاقم من محللي البيانات للعمل على هذه المعلومات بشكل فوري، اللجوء لوضع الكاميرات حدث بسبب رفض بعض اللاعبين وضع شرائح تتبع إلكترونية في ملابسهم. هذه الشرائح كان من الممكن أن توضع في الحذاء أو على الكتف وباستخدام تكنولوجيا الـ "جي بي إس" حيث يمكن معرفة قياس النبض وعدد الكيلومترات المقطوعة والسرعة المتوسطة والسرعة القصوى وتفاصيل اخرى عن كل لاعب في أرضية الملعب.
في التدريبات، لا يمانع اللاعبون ارتداء السترة التحتية التي تتضمن جهاز متابعة يساعد في حساب نبضات القلب ومتوسط سرعة اللاعب والجهد المبذول خلال الحصة التدريبية. هذا الأمر قيم جداً بالنسبة لقسم تحليل المعلومات حيث يسهل عليهم كثيراً المجهود المبذول في حسابات المسافات مستخدمين أجهزة الكمبيوتر في تحليل الصور والفيديوهات.
على الجانب الأخر، الشركات قامت بإعداد خوارزميات لحساب عدد التمريرات ونسبة الاستحواذ وعدد الكيلومترات المقطوعة وغيرها. عادة ما يوجد شخص يقوم بالتأكيد على الحسابات التي تقوم بها الأجهزة لتأكيد هذه الإحصائيات. الأمر ليس أوتوماتيكي كما يعتقد البعض، في كل مباراة، يقوم شخص بإدخال لون زي الفريق صاحب الأرض والفريق المنافس وكذلك لون زي الحكام وحراس المرمي والكرة نفسها.
في واقعنا، الـ لا هوليوود، توجد طريقتين لحساب نسبة الاستحواذ التي يستطيع الفريق تحقيقها. الأولي تتم من خلال شخص يتحكم في زر بالضغط عليه عندما تنتقل الكرة من فريق إلى أخر. النسخة الأوتوماتيكية تتم من خلال حساب عدد تمريرات كل فريق ووضع معادلة تضم عدد التمريرات في المباراة بشكل عام. طبعاً النسبة الأولي أكثر دقة رغم عرضة الشخص للسهو في بعض الفترات قد تكون نقطة مكلفة.
بعد جمع الصور وتحليلها وجمع البيانات من هذه الصور، توضع البيانات في شكل يمكن قراءته وعلى هذا الأساس يبدأ المدرب في الاطلاع على البيانات واستنتاج ما يمكن استنتاجه، وهنا تكمن المشكلة. رغم صعوبة عملية جمع البيانات وتحويلها وتجميعها، لا تزال هنالك مشاكل أخري تتعلق بالاستفادة من هذه البيانات. جمع الإحصائيات حالياً يعتبر هو الخطوة الأسهل، الأصعب هو استنتاج شيء ما مفيد من هذه الإحصائيات. كمثال، استقبال الفريق لأهداف كثيرة، ليس بالضرورة أن يعني أن الفريق يعاني من مشاكل دفاعية. من الممكن أن يأتي الضعف من حارس المرمي، أو من طريقة تطبيق الضغط والتي تعتمد على الـ 11 لاعب في الملعب، ولذلك، لا يمكن الاعتماد على الإحصائيات بشكل منفرد بل واجب الاعتماد على العنصر البشري في استنتاج/استخراج المعلومة.
في إنجلترا، بعد عشوائية قرارات مانشستر يوناتيد الأخيرة في التعاقدات، والتي انتهت بالتعاقد مع إيجالو النيجيري في أخر يوم في سوق الانتقالات الشتوية، قرر النادي التعاقد مع طاقم مكون من ثمانية أفراد للمساعدة في عملية التعاقد مع اللاعبين من خلال تحليل البيانات. على الجانب الأخر من المدينة، يتواجد مانشستر سيتي ومعهم ليفربول.
في مقال نشرته "ذا نيو يورك تايمز" عن استفادة ليفربول من ثورة تحليل البيانات ذكرت إحدى المواقف بين إيان جراهام، رئيس قسم محللي البيانات وكلوب. وقت التعاقد مع كلوب ليتم تعيينه مدرباً للفريق، تحدث معه جراهام في محاولة لاطلاعه على ما يمكن للبيانات فعله في عصرنا الحالي. قام جراهام بتقييم كل مباراة من مباريات دورتموند بناءً على تحليل بيانات أداء اللاعبين في ذلك اليوم. الفرق كان ملفتاً للنظر. كان دورتموند قد احتل المركز السابع خلال موسم كلوب الأخير في النادي، لكن الخوارزميات أظهرت أنه كان يجب أن يحتل المركز الثاني. كان استنتاج جراهام أن الموسم المخيب للآمال ليس له علاقة بكلوب، رغم أن سمعته عانت بسبب ذلك. لقد صادف أنه كان يدرب أحد أكثر الفرق حظاً في التاريخ الحديث.
في حديثهم عن مباراة "مينز" الذي خسر فيها كلوب بهدفين لصفر، وضح جراهام لكلوب أن دورتموند أوجدوا عديد الفرص واستقبلوا فرصاً أقل خطورة ولاحظ التغير على وجه كلوب الذي رد بـ "آه، أنت شاهدت المباراة! لقد كانت جنونية. لقد قتلناهم. لقد شاهدت!"، وفي الوقع لم يشاهد جراهام المباراة بل عبر عن رأيه مستخدماً الحسابات التي أعدها. طبعاً، من الصعب قياس مدي تأثير قسم تحليل البيانات في القرارات الإدارية والتكتيكية لكن ليورجن كلوب تصريح مشهور وقتها يعبر عن مدى أهمية القسم داخل النادي حيث قال: "هناك قسم في الجزء الخلفي من المبنى". في إشارة إلى جراهام وموظفيه. "هم السبب في وجودي هنا".
أوسكار أوجاز – مدير الأعمال الرقمية في ريال مدريد – في سؤاله عن "ما هو التحدي الرئيسي الذي تواجهه الأندية في الوقت الحالي فيما يتعلق بتحليل البيانات؟" قال: " أعتقد أن هناك تحديًا بنسبة 1:4 بين مقدار الأموال التي تستثمرها الأندية في البرامج مقابل مقدار الأموال التي تستثمرها في القدرة العقلية لتحليل جميع البيانات والتحليلات التي تحصل عليها.
الناس اليوم مفتونون بالتقاط البيانات ويريدون الحصول على كل هذه المنتجات المبهجة للعين، لكنهم لا يستثمرون في أشخاص قادرون على فهم الأعمال التجارية، ويأخذون كل تلك البيانات ويستخرجون منها رؤى، يجب أن تستثمر العقارات ثمانين بالمائة من المهنيين القادرين على فهم البيانات و20 بالمائة في البرمجيات والتكنولوجيا لاستخراجها. البيانات في كل مكان. ما هو نادر للغاية هو المهنيين القادرين على تحليلها."
وفي سؤاله عن عدم قدرتنا على استخدام كل الإحصائيات وترجمتها لمعلومات تساعدنا في اتخاذ القرارات قال: "في هذه الأثناء، تنطبق النكتة القديمة التي تعبر عن "ممارسة الجنس في سن المراهقة" على الأنشطة الرياضية التي تعتمد على البيانات: الجميع يتحدثون عنه، وليس الجميع يفعلونه، والأشخاص الذين يفتخرون به عادة لا يفعلونه جيدًا أو لا يفعلونه على الإطلاق".
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.