أفادت الشرطة الألمانية يوم الخميس 20 فبراير من هذا العام: عن مقتل أحد عشر شخصاً في مدينة هاناو بالقرب من فرانكفورت جنوب وسط ألمانيا، وقالت أيضًا في بيانات متتالية: إنّ تسعة أشخاصٍ سقطوا في عملية إطلاق نار أمام أحد المقاهي في مدينة هاناو قبل عثور الشرطة في إحدى الشقق على جثّة المتهم بتنفيذ الهجوم وجثّة شخصٍ آخر معه، وتضيف تقارير صحافية أنّ مُطلق النار -وهو من مواليد 1977- كان قد عبّر عن كراهيته وعنصريته تجاه المهاجرين إلى ألمانيا في اعترافات عثرت عليها الشرطة في مدونة مكونة من 24 صفحة، إضافة إلى مقطع فيديو موجه للشعب الألماني.
بالنظر إلى جنسيّات الذين قُتلوا ربما يمكننا أن نستشِفّ ماهية الجريمة وذرائعها؛ فغالبيتُهم من المهاجرين، ومما نقلته صحيفة "بيلد" -وهي الأكثر مبيعًا في ألمانيا- عن مصادر أمنية أنّ "الشرطة تعرّفت إلى بعض الضحايا الذين قُتلوا بإطلاق النار"، بينما أفادت وسائل إعلام محليّة بأنّ معظم القتلى من أصول كردية وهي جرائم اعتاد العالم سماعَ وقوعها في ألمانيا خصوصًا وأوروبا عمومًا.
– في أكتوبر/تشرين أول عام 2019: قتل مهاجم شخصين وحاول اقتحام كنيس يهودي في هال وبثَّ الهجوم على الإنترنت وقد اعترف المهاجم لاحقًا أن دوافعه يمينية متطرفة ومعاديةٌ الساميَّةَ.
– وفي يونيو/حزيران 2019: قُتل فالتر لوبكه السياسي الألماني المؤيد للهجرة برصاصة في الرأس في حديقة منزله. وقد اعترف يميني متطرف لاحقًا بارتكابه الجريمة.
– وفق التقرير العالمي الذي أعدته منظمة "هيومن رايتس ووتش" عن أحداث العام 2018 في العالم، ذكرَت فيه الانتهاكات التي تعرّض لها المهجرون في ألمانيا وجاء فيه: "في النصف الأول من عام 2018، سجلت الشرطة 627 اعتداء على اللاجئين وطالبي اللجوء خارج منازلهم، و77 اعتداءً على مراكز إيواء للاجئين."
– أما في يوليو/ تموز 2016 فقد أطلق مراهق عمره 18 عامًا النار في مركز تجاري بميونيخ مما أسفر عن مقتل 9 أشخاص ثم قتل نفسه. وقالت السلطات لاحقًا: إنَّ هذا المراهق يميني متطرف.
جرائمُ حدثت في السنوات الماضية في ألمانيا كان بطلها الأوحَد هو اليمين المتطرف، بدأ هذا التيار قصة صعوده مع فتح ألمانيا بابَها لاستقبال قرابة مليون مهاجر منذ عام 2015؛ قرارٌ اتخذته آنذاك أنجيلا ميركل؛ مما سبب انقسامًا واضحًا في الشارع الألماني وهو ما استغله حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتشدد الذي بات يزداد قوةً شيئًا فَشيئًا في البرلمان بسبب تصريحاته التي يؤيدها فئة كبيرة من الألمان المعارضين استقبالَ المهاجرين والمُنادين بالمحافظة على هوية ألمانيا.
رغم أن هيكلية أحزاب اليمين المتطرف تختلف حسب السياق الخاص بها في كل بلد إلا أنها تشترك في خصائص عامة ومرتكزات أيديولوجية تميزها كتيار سياسي واحد ومتجانس، ومن هذه الخصائص النزعة الوطنية المُفرِطة والرافضة كلَّ أشكال الاندماج الإقليمي بحجة حماية الهوية والسيادة الوطنية.
تبدّلت أولويات اليمين المتطرف وتغيرت في محطاتٍ عديدة إلى أن أصبح الحديث عن الهجرة والاندماج النقاش المتصدّر في أوروبا وبرلماناتها مع حلول تسعينيات القرن العشرين، القضية التي أسهَب اليمين المتطرف في الحديث عنها والاستطراد في إشكالاتها لإضفاء الشرعية على خطابه العنصري وإعطائه المبررات اللازمة لقبوله في أوساط المجتمع الأوروبي المنادي بحرية التعبير وغيرها من المبادئ الأساسية.
اتخذت الأحزاب اليمينية المتطرفة في التسويق خطابًا تخويفيًّا يحثُّ على المحافظة على أوروبا من المهاجرين ومنع خسارة هويتها والتحذير من المدّ الأجنبي لها قاصدةً -صراحةً- المهاجرين القادمين من شمال إفريقيا والدول المسلمة، وجد هذا الخطاب قبولًا متزايدًا بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية، فاتخذت الأحزاب اليمينية المتطرفة تلك الحادثة لبرهنة ما كانت تنادي به من تزايد مخاطر الأجانب ذوي الأصول غير الأوروبية، فقد سوّقت فكرة العداء ضد المهاجرين لأنّهم ينافسون الأوروبيين أصحاب الأرض على مناصب العمل وفرصه، في حين أنّ ملايين الأوروبيين غارقون في البطالة والفقر والتشرد.
أحرزت السلطات الاتحادية -على الرغم من انخفاض وصول طالبي اللجوء والمهاجرين للسنة الثالثة على التوالي- تقدمًا ملموسًا في إزالة تراكم طلبات اللجوء خلال العام. وبحلول نهاية يوليو/تموز، سُجل 96.644 طالب لجوء جديد، وهو انخفاض بنسبة السدس عن عام 2017 وفق تقرير "هيومن رايتس ووتش" السنوي في عام 2018، إلا أنّ الاعتداء على المهاجرين والسكان غير الأصليين لا يزال يتصدّر المشهد في ألمانيا، اعتداءاتٌ شحنها اليمين المتطرف بخطاب الكراهية وقادةٍ عنصريين، وساعدَت على رواجه دولٌ عربية ووسائل إعلامٍ تابعة لها، عندما أعدّت قناة "العربية" تقريرًا يبرر الاعتداء على إمام مسجدٍ في ألمانيا بحجّة أنّه يدعم جماعة إرهابية.
عدا عن تصريحات كبار المسؤولين في الإمارات عندما ربطوا أحداث العنف من المتطرفين بقلة الرقابة على مساجد أوروبا وإهمالها وفق ما أعلن عنه وزير التسامح الإماراتي الشيخ نهيان مبارك آل النهيان في حوارٍ له مع وكالة الأنباء الألمانية، هذه التصريحات التي تؤكد -وإن كانت بطريقة غير مباشرة- الصورة النمطية التي يحاول رسمها اليمين المتطرف في العالم لإثبات صحّة مبادئه وإيجاد تبريراتٍ للاعتداءات المتكررة على مراكز إيواء اللاجئين من قبل أنصار هذا التيار.
لن يهدأ لهيب الاعتداءات وأحداث العنف حتى تفرض ألمانيا وأوروبا عامّة قيود صارمة على المحتوى المنشور في الصحف ومنصات التواصل الاجتماعي وغيرها والتأكد من خلوِّهم من خطاب الكراهية أو التحريض، وتعزيز دور الآراء المعتدلة من الأحزاب حتى يطغى صوت هذه الآراء على الحقد الذي ينشره المتطرفون.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.