شعار قسم مدونات

إسرائيل لا تستطيع العيش بدون الاستبداد وبالعكس

blogs ترمب

لم أعد واثقا من أن مقولة (فلسطين قضية لا تخص الشعب الفلسطيني وحده) لها حظ واسع من القناعة، أو بتعبير أدق تلعب دورا في صياغة الوعي العربي والإسلامي، وترتيب أولويات الفعل من حيث هو فعل ممكن، أو حتى إيمان بأنه فعل يتقدم على ما سواه.

 

هل سيرتاح العرب في حضن إسرائيل؟

لست أدري لماذا يظن بعض العرب، وهم من النخب الحاكمة أو بعض (المثقفين) أن إسرائيل هي الضامن للرخاء والازدهار والأمن والأمان؟ هل صارت أوضاع العرب بعد ترك الفلسطينيين يواجهون مصيرهم أفضل؟ هل مصر بعد كامب ديفيد خير من مصر ما قبلها.. ومن لحق مصرا في مسار التطبيع كيف صار حاله؟

 

أعلم أن هذا كلام لا رصيد له وثبت تهافت الطرح -إسرائيل بوابة الرخاء ومفتاحه- بتجارب واقعية أليمة؛ ولكن هذه النخب السياسية والعسكرية، ترى أن بوابة أمريكا هي إسرائيل، فهي ستضمن لهم رضا البيت الأبيض ودعمه، ولذا نرى هذا التطبيع والجري واللهاث المقزز لإقامة علاقات مختلفة مع الكيان العبري.

 

ولكن هل هذا شيء يفيد ويضمن لهم الاستقرار والبقاء؟ ألم تركل أمريكا محمد رضا بهلوي، الذي كان ينام ويشخر في حضن الصهاينة، ورفضت حتى منحه حق اللجوء السياسي أو علاجه…ألن يبوء من ينتهج هذا النهج بخسران مبين؟ هل يظن هؤلاء -في زمننا- أنهم استثناء عن هذه القاعدة؟ لماذا وبناء على أي معيار؟

 

البرهان.. كلن يعني كلن
إسرائيل تريد نظما استبدادية تحكم شعوبها وفق عقلية فرعون (ما أريكم إلا ما أرى) ومن غير المعقول أن تقبل بوجود نظم يقرر فيها الشعب أو تكون له الكلمة؛ لأنه ببساطة شديدة هذه الشعوب ترفض وجود إسرائيل

لم يكد حبر بيان وزراء خارجية الدول العربية الرافض لصفقة القرن يجف، حتى تباهى نتنياهو باجتماعه مع عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني في أوغندا، ولم يكذب البرهان الخبر بل برره بالبحث عن مصلحة وطنية عليا للسودان؛ وهي شطبه من لوائح دعم الإرهاب الأمريكية وأمور أخرى، وأن العلاقات بين الدول تقوم على المصالح.. إلخ تلك الأسطوانة التي يشغلها ويزعجنا بصوتها النشاز، كل من ينتهج هذا النهج، وللتذكير كان أنطوان لحد يستخدم نفس المنطق لتبرير قيادته ميليشيا تابعة للاحتلال جنوب لبنان، ويعتبر نفسه وطنيا لبنانيا مخلصا!

 

طبعا برهن (البرهان) أن مقررات الجامعة العربية، ليست إلا فرقعات إعلامية، وذكرنا باللاءات الثلاث التي صدرت في ختام مؤتمر القمة العربية في العاصمة التي يجلس في قصر حكمها (لا صلح، لا تفاوض، لا اعتراف) فأين هي الآن؟ ومن جهة أخرى فإنه قد تبين أن عزل عمر البشير ومحاكمته، بعد احتجاجات شعبية، لم يأت بوضع أفضل، فإضافة إلى عدم تغير نمط الحكم العسكري، فإن السودان العربي الأصيل، المسلم الطيب، يتم جرّه إلى هاوية التطبيع مع العدو، وتزيين هذا الأمر له، وإظهاره وكأنه دواء لما فيه…وبالتالي فإن من يترحم على أيام حكم البشير ليس على خطأ…ولو فقط من هذه الناحية، لأن إسرائيل بلاء متأصل، وأقل ما يقال عنها أنها معنية بإبقاء كل العرب تحت وطأة الفقر والتخلف والاستبداد.

 

ولهذا فإنني أتحفظ وأتوجس مما يروّجه الإعلام عن (ثورة لبنان) والاحتفاء بشعار وهتاف (كلن يعني كلن) لأنني وبصراحة مختصرة، لا أريد أن أرى أي مسؤول لبناني يلتقي مسؤولا صهيونيا ثم يتبجح بأن هذا يصب في صالح لبنان.. فقد دفع لبنان ثمنا من لحم ودم أبنائه للتخلص من لحد، ولا أظن أحدا يريد عودته باسم جديد، تحت عنوان ثورة شعبية، مع تقديري لوطنية وإخلاص بعض أو كثير من نشطائها، ولكنهم لا يملكون القرار المستقبلي، وليس يمكنهم منع هذه النتيجة المتوقعة بنسبة كبيرة!

 

إسرائيل مشكلة المشكلات

لم أحظى بالسفر والحلّ والترحال كثيرا، مع حبي للتجوال في بلاد الله الواسعة، ولكن يعلم أي فلسطيني أنه كلما ابتعد عن حدود فلسطين والدول القريبة منها، كلما كانت الإجراءات أخف وأسرع وأسهل! ولتقريب الصورة لفهم أوضح؛ فقد بُذل كل جهد وحيك كل مكر سيء لحرف الثورة السورية عن مسارها، حتى حولوها إلى نكبة بامتياز، ووأدوا الثورة المصرية وأعادوا إنتاج النظام بأسوأ ما فيه، فيما -على الأقل حتى الآن- لم تتمكن الثورة المضادة من تحقيق أهدافها في تونس، وقد ذكر راشد الغنوشي في مقابلة معه ثقل جغرافية مصر مقارنة مع بلده!

 

وأعود لما بدأت به، وهو أن العرب جميعا يجب أن يعلموا أنهم ليسوا خارج دائرة الاستهداف الصهيوني؛ فمن الغباء الظن بأن كيانا سرطانيا غريبا سيتركهم وشأنهم؛ حتى لو اختاروا طريق الموادعة والانحناء له استراتيجيا أو تكتيكيا، أو -وهذا للأسف خطأ بعض الثوريين- اتخذوا طريق الحياد أو انتهجوا نهج التأجيل إلى حين بناء أنفسهم وإعداد بلدانهم وتنميتها.. فهذا لن يسمح به الكيان الصهيوني، لأنه خطر وجودي لن يسمح به ولن يتهاون بشأنه:-

undefined

رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان

 

متى يبلغ البنيان يوما تمامه***إذا كنت تبنيه (وإسرائيل) تهدم؟! فمشكلات لبنان مثلا كثيرة ومعقدة، ليس أولها الفساد السياسي والإقطاع الطائفي، ولا آخرها قمامة تزكم الأنوف، ولكن جذر المشكلات جميعا إلى الجنوب منه، فلن يسمح الكيان العبري إطلاقا لهذا البلد -وغيره طبعا- أن يتخلص من مشكلاته وينهض ويزدهر ويحقق تنمية من أي نوع. وبطبيعة الحال إسرائيل تريد نظما استبدادية تحكم شعوبها وفق عقلية فرعون (ما أريكم إلا ما أرى) ومن غير المعقول أن تقبل بوجود نظم يقرر فيها الشعب أو تكون له الكلمة؛ لأنه ببساطة شديدة هذه الشعوب ترفض وجود إسرائيل.. هنا مربط الفرس.

 

ولكن هل معنى ذلك قبول الاستبداد والفساد؟ لا طبعا.. ولكن من حسنات المرحلة؛ أن المستبدين في هذا الزمان لم يعودوا كما كانوا سابقا، يشتمون إسرائيل علنا، ويحتضنونها سرّا، ويتهمون كل من يرفض سياساتهم أو يعارضها بأنه (عميل لأمريكا وإسرائيل) بل نحن في زمن صار من يقاوم إسرائيل، هو عدو لهذه النظم المستبدة، وهي تلاحقه وتقمعه.. أي اجتمع الاستبداد مع التطبيع والتبعية للعدو وأخرجا لنا سوءة هذا المشهد القبيح، وهذه نقطة مهمة ومركزية، على كل الثوريين والأحرار أن ينطلقوا منها؛ وأن يكون نشاطهم وجهدهم التوعوي والتعبويّ مركزا على أن لا حرية ولا عدالة ولا كرامة ما دامت إسرائيل موجودة وهي التي تغذي الظلم والاستبداد والفساد و(تزيد أكوام القمامة في شوارعهم).

 

أما البقاء في دائرة أن على الفلسطيني أن يقلع شوكه بيديه، وأن ثمة أولويات أهم من فلسطين واغتصابها، فسيقود إلى مزيد من التيه والفوضى وزيادة الشحناء بين مكونات الأمة.. وهذه أشبه بعلاقة طفيلية معقدة؛ فالاستبداد يتلطى بإسرائيل كي تمده بأدوات البقاء وعوامل القوة، وإسرائيل تتغذى على وجود الاستبداد وتتنفس منه!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.