شعار قسم مدونات

هل ألتزمت صحافة العراق بـ "أخلاقيات المهنة"؟

blogs العراق

الاحتجاجات وفوضى الأمن في العراق ما زالت مستمرة، العنف حاضر، والضحايا غير مخفيون، الجرحى كثر، والمختطفين في تزايد وربما نقصان، الإنباء عن الحصيلة الرسمية والمؤكدة لهولاء، لا زالت خلف قضبان الصحافة والمنظمات. تلعب الصحافة دورا مهما في أحداث البلدان، فهي قادرة على قلب معادلة الحرب لصالحها بتقرير واحد أو ربما بخبر عاجل لا أكثر، قلب الحرب أو قل الاحتجاجات لصالح الشعب لم تفعله مهنة المتاعب في العراق، فحتى حصيلة ضحاياهم لم تنشرها بشكل مؤكد، وتضاربت الأنباء حول إعداد من استشهدوا أو جرحوا إلى الآن.

المفوضية العليا المستقلة لحقوق الإنسان العراقية، وثقت الأحد 2/2/2020، مقتل 556 شخصا في الاحتجاجات الشعبية التي تشهدها البلاد منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. علي البياتي عضو المفوضية، وفي تقرير نشره مكتبه الإعلامي على الصحافيين، قال: إن "عدد قتلى الاحتجاجات التي انطلقت قبل 25 أكتوبر الماضي، بحسب تقرير اللجنة التحقيقية بلغ 157 شخصا، فيما بلغ عدد قتلى الاحتجاجات منذ التاريخ نفسه وحتى الآن (الأحد) 399 شخصا". وختم البياتي البيان بالقول: "من يشكك بهذه الأرقام عليه الرد والكشف عن أي معلومة غيرها".

قانون الصحافة الأول، هو أن تؤكد حكما قائما بدل إن تناقضه، وما تفعله بلاط صاحبة الجلالة الآن ليس من هذا القبيل، الصحافة قادرة على تغيير الشعوب، وإسقاط الحكومات، وتوجيه المخطأ، وتقويم المائل، فأين هي من هذا وسط كل ما يحدث في العراق؟

هذه هي حصيلة مفوضية العراق لضحايا التظاهرات، ولأن كل شيء في هذا البلد قد يواجه نقيضه، ظهرت منظمة العفو الدولية لتقول أن أعمال العنف التي تخللت الاحتجاجات خلفت أكثر من 600 قتيل، وهذا رقم يفوق الرقم المعلن في مفوضية العراق بضعف. الردود تضاربت، والحصيلة المؤكدة لا زالت مبهمة إلى الآن، ولأنها وكالة العراق الرسمية، والحكومية، ظهرت "واع" لتنشر حصيلتها على غرار من سبقها. "واع" وبحسب الإحصائية الرسمية الصادرة من دوائر الصحة في المحافظات التي تشهد تظاهرات وقيادات العمليات لعدد الشهداء من المتظاهرين والقوات الأمنية منذ 25/10 من العام الماضي ولغاية 31/1/2020.، قالت:

يوم الجمعة المصادف 25 من تشرين الأول سقط 51 شهيداً من المتظاهرين في عموم المحافظات التي شهدت تظاهرات فيما سقط شهيد واحد من القوات الأمنية. وفي يوم 26 تشرين الأول سقط 22 شهيداً من المتظاهرين، وفي يوم 27 من الشهر نفسه سجلت الاحصائيات سقوط 7 شهداء من المتظاهرين، فيما شهد يوم 28 سقوط 12 شهيداً من المتظاهرين في عموم المحافظات. وسجلت الاحصائيات في يوم 29 من الشهر ذاته سقوط 7 شهداء من المتظاهرين، فيما سقط في يوم 30 من الشهر ذاته 6 شهداء، كما سقط يوم 31 من الشهر ذاته متظاهرون اثنين. وبحسب الإحصائية فإن مجموع الشهداء الذين سقطوا في شهر تشرين الأول بلغ 107 فيما بلغ عدد الشهداء من القوات الأمنية شهيد واحد.

وسجلت الاحصائية "سقوط 142 شهيداً من المتظاهرين في شهر تشرين الثاني في عموم المحافظات، فيما سقط 3 شهداء من القوات الامنية في الشهر ذاته". وأوضحت، أن "19 شهيداً من المتظاهرين سقطوا في شهر كانون الاول، فضلاً عن سقوط شهيد واحد من القوات الأمنية". وأفادت بأن "مجموع الشهداء الذين سقطوا في شهر كانون الثاني بلغ 19 شهيداً من المتظاهرين، في المحافظات التي شهدت تظاهرات ، فيما لم تسجل الاحصائية سقوط شهداء من القوات الأمنية". وبحسب الإحصائية فإن مجموع عدد الشهداء بلغ 287 شهيدا من المدنيين فيما بلغ عدد الشهداء من القوات الأمنية 5 شهداء".

بنهاية إحصائية "واع" نكون قد سجلنا ثلاث إحصائيات خلال أقل من يومين وعلى الموضوع ذاته، لكن اللافت أن جميع هذه الإحصائيات جاءت متفاوتة تناقض واحدتها الأخرى. قالوا قديما، ليست الصحافة إلا وليدة البيئة، وصورة العصر ومرآة تنعكس على صفحتها بدوات المجتمع ونزواته. وقالوا أيضا، لكل زمان مضى آية، وآية هذا الزمان الصحف، لسان البلاد ونبض العباد، وكهف الحقوق وحرب الجنف. حكمتان في الصحافة بأقلام "تيمور وابن اليقظان" تجاهلتها مهنة المتاعب وبدأت بالغوص بعيدا والتعمق بحكمة نجيب محفوظ الذي قال: لا حقيقة ثابتة في الصحف إلا صفحة الوفيات!

قانون الصحافة الأول، هو أن تؤكد حكما قائما بدل إن تناقضه، وما تفعله بلاط صاحبة الجلالة الآن ليس من هذا القبيل، الصحافة قادرة على تغيير الشعوب، وإسقاط الحكومات، وتوجيه المخطأ، وتقويم المائل، فأين هي من هذا وسط كل ما يحدث في العراق؟ ما يحدث في العراق مؤلم، وما تعيشه صحافة البلاد من الابتعاد عن شرف المهنة والأخلاقيات مقزز جداّ، فلم تظهر منظمة وتنشر حصيلة رسمية لشهداء وجرحى التظاهرات إلى الآن، ولم تبادر وسيلة إعلام بكشف المستور وإبراز ما يحدث لشبان العراق وقواته الأمنية، لم تحرك الأقلام المأجورة ساكنا، ولم يتخلى البعض عن مصلحته وحزبه إلى هذه اللحظة. صحافة العراق وتسييسها للحقائق، تجبرنا على الرجوع إلى مصر، وتذكر نجيب محفوظ مجددا ومقولته الشهيرة: "لا حقيقة ثابتة في الصحف إلا صفحة الوفيات".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.