شعار قسم مدونات

شكرا ترامب!

blogs ترمب

هذه أيام صعبة قد يتخيل المرء أن مثيلاتها لم تمر على أمتنا من قبل، ولكن بنظرة بسيطة على تاريخ هذه الأمة سنجد أن الأصعب منها مر دون أن يمنع من استعادة الأمة لقوتها وهيبتها، وإذا أردت مثالا على ذلك فلك أن تعرف أن الصليبيون جثموا فوق مدينة القدس سنوات طويلة وأجيالا متعاقبة زادت عن الـ 90 سنة، ومعنى ذلك أن هناك أجيالا كاملة من الصليبيين ولدوا هم وآباؤهم داخل المدينة إلا أنهم خرجوا منها أذلة بعد أن دفعوا الجزية لصلاح الدين عن يد وهم صاغرون، أعرف أن ما يجول برأسك الآن هو تساؤل ساخط عن سبب شكري لرئيس الولايات المتحدة دونالد ترمب أكبر خادم للصهيونية والصهاينة، ذلك الرجل الذي لم تنعم اسرائيل بهذا القدر من الأراضي والأمان في أي عهد بقدر ما نعمت في عهده، فكيف أشكره؟!

   

أقول لك إن هذا الرجل يستحق الشكر لأنه وفر علينا سنوات وسنوات في معركة الوعي التي نخوضها لتعريف الأمة عدوها من صديقها، تلك المعركة التي ازدادت صعوبة عندما اختلطت الصفوف وعلا غبار المعركة بعد ثورات الربيع العربي، فأصبح الناس لا يدرون من أين تأتيهم الطعنات التي تستهدف هويتهم وأرضهم وكل غال لديهم، وأصبح الأمر غاية في الإرباك عندما وجدوا أن من يستهدفهم ليس فقط من يرتدي زيهم ويظهر أنه يصلي إلى قبلتهم وينطق بلسانهم، بل إن الضربات الموجعة المؤثرة لم تأتيهم إلا ممن يفترض أنهم قادتهم وكبرائهم، فعمت الحيرة وساد الاندهاش وأصبح الحليم حيرانا كما يقول المثل المأثور.

  

هذه الفجاجة أوضحت لكل ذي عينين من أين تؤتى هذه الأمة، وكيف وصل بها الحال إلى هذه الدركة من الانحطاط، فكل ما أعلن من تطبيع وتواطؤ ضد فلسطين التي يعتبرها أي مسلم قضيته المركزية ليس بالأمر الجديد

كان هذا الاندهاش وتلك الحيرة قبل أن يأتي دونالد ترمب ذو الشخصية الفجة الذي لا يبالي -بل إني أظن أنه يستمتع في الواقع- بفضح عملائه وصبيانه ولا يرضى لعبيده من الحكام بأقل من الكفر المعلن على رؤوس الأشهاد بكل ما كانوا يعلنوا من قبل أنه مقدس يضحون في سبيله بالغالي والنفيس، كما كانت تقول بذلك أجهزة إعلامهم على الأقل، وهذه الأقاويل والمزاعم التي كانت تتشدق بها أبواق الحكام كانت تؤثر في عدد كبير من الجمهور حسن النية، وكانت القضية الفلسطينية على رأس المقدسات التي لم يكن أي حاكم أو حتى بوق من أبواقه يجرؤ على التعرض لها بسوء، بل إن الناس كانت تتداول بفخر شديد المقاطع التي يتكلم فيها هذا الحاكم أو ذاك بتأثر عن المسجد الأقصى والقضية الفلسطينية ككل.

 

هذا الكلام -مجرد الكلام- لم يعد مقبولا في عصر ترمب، فأنت كحاكم تدين بوجودك على العرش للولايات المتحدة الأمريكية عليك أن تقف من أخوك الفلسطيني نفس الموقف الذي يقفه نتنياهو منه، وإلا فإن عرشك سيكون في خطر كبير، وهذا الموقف المعادي يجب أن يكون في العلن، لا مجرد موقف في الغرف المغلقة كما كان دائما في سابق الأيام، وعلى هذا الأساس وجدنا هذا التنافس في التطبيع "المعلن" مع الكيان الصهيوني بين زعماء الدول العربية، ولم يصبح من الغريب أن تجد مذيع يمجد في الكيان الصهيوني، ولا مانع أن يذم صراحة في كل ما هو فلسطيني في نفس الوقت، مع التركيز على اسطوانة أنهم باعوا أراضيهم في السابق فماذا نصنع لهم، كل هذا يحدث بالتزامن مع زيارة وفد عربي أخر للكيان الصهيوني حاملا معه كل رسائل الود والحب ممن أرسله.

   

هذه الفجاجة أوضحت لكل ذي عينين من أين تؤتى هذه الأمة، وكيف وصل بها الحال إلى هذه الدركة من الانحطاط، فكل ما أعلن من تطبيع وتواطؤ ضد فلسطين التي يعتبرها أي مسلم قضيته المركزية ليس بالأمر الجديد، كل ما في الأمر أنه أصبح معلنا أمام الكاميرات، وبوضوح شديد يسقط الجهل عن كل من كان يتذرع به، والفضل في تعرية هذه الخيانة وإعلانها على رؤوس الأشهاد يرجع إلى ترمب الذي أجبر صبيانه على هذه العلانية.

   

أفلا يجب أن نشكر ترمب على هذه الخدمة التي قدمها لكل من بح صوته في تنبيه الناس لفضح عمالة العملاء، اللعب الآن أصبح على المكشوف، وكل شخص أصبح على علم كامل بالصف الذي اختاره لنفسه، فلم يعد هناك محلا لجمل من نوع "إنها فتنة والحق مختلط بالباطل ولا أستطيع أن أميز بينهما، وربنا يولي من يصلح"، فأنت إما مع الصهاينة ومن خط خطهم أو ضدهم ولا مكان للتمييع أو أهله.. فشكرا ترمب على هذه الخدمة الجليلة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.