ينص قانون تناقص المنفعة في علم الاقتصاد على أن مقدار الإشباع الذي يجنيه الشخص من استهلاك وحدات متتالية من سلعة معينة يتناقص باستمرار. أي أن الوحدة الثانية من نفس السلعة تحقق منفعة أقل من الوحدة الأولى. فإذا افترضنا أن شخصاً يشعر بالعطش ولديه فرصة لشرب 3 أكواب من الماء، سيكون مقدار المنفعة أو الارتواء الذي يحصل عليه من شرب الكوب الأول أكثر مما سيحصل عليه من الكوب الثاني، والثاني أكثر من الثالث وهكذا يظل معدل الارتواء أو المنفعة يتناقص. لذلك سيكون هذا الشخص مستعداً لدفع ثمنٍ للكوب الأول أكبر من ثمن الكوب الثاني، والثاني أكبر من الثالث وهكذا. لذلك تعرض شركات التسويق الوحدة الثانية بثمن أقل من الوحدة الأولى، كأن تعرض الوحدة الثانية بنصف السعر في حالة شراء وحدتين.
لو استعرنا هذا القانون من الاقتصاد الى علم السياسة والعلاقات الدولية واسقطناه على الصراع العربي الإسرائيلي سنجد التالي: إسرائيل دولة تشعر بالعطش وعطشها هو إحساسها بالعزلة وتسعى لإرواء عطشها عن طريق إقامة علاقات مع الدول العربية أي التطبيع. لدينا وحدات متتالية من الدول العربية تسعى إسرائيل الى استهلاكها والتطبيع معها تباعاً. سيكون مقدار الإشباع الذي تحصل عليه إسرائيل من أول دولة عربية تطبع معها أكثر من الدولة الثانية والثانية أكثر من الثالثة وهكذا، استناداً لقانون تناقص المنفعة. بالتالي سيكون الثمن الذي تدفعه إسرائيل للتطبيع مع الدولة الأولى أكبر من الدولة الثانية وثمن الثانية أكبر من الثالثة.
في تغريدة له معلقاً عل لقاء عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي السوداني برئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، عدد د. عبد الخالق عبد الله المقرب من حكام الإمارات المنافع التي ستجنيها السودان من التطبيع مع إسرائيل وهي بحسب كلامه رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب والإتيان بالاستثمارات والمستثمرين والدعم المالي العاجل وإصلاح وضع السودان الاقتصادي والمالي المتعثر وخلق وظائف لنحو 7 مليون شاب سوداني عاطل عن العمل ومنافع أخرى. السؤال الآن ما هو الثمن الذي حصلت عليه أول دولة عربية طبعت علاقاتها بإسرائيل حتى تحصل السودان على كل هذه المنافع؟ وكيف أوضاعها الآن؟
لقد كانت مصر أول دولة عربية تركب قطار التطبيع، وكان ثمن ذلك تحرير الأراضي المصرية كاملة بما فيها سيناء، ومساعدات اقتصادية أمريكية سنوياً وذلك بموجب اتفاقية كامب ديفيد. ثم جاءت الأردن بأن حررت أغلب أراضيها وليس كلها ومساعدات اقتصادية أمريكية أقل بموجب اتفاقية وادي عربة. لقد تناقص الثمن الذي دفعته إسرائيل لتطبيع الأردن عما كان عليه مع مصر. ولو افترضنا تطبيع العلاقات مع سوريا لم تكن إسرائيل لتدفع إلا ثمناً أقل مما دفعته في التطبيعين الأولين، بالتالي ما كانت لتنسحب من مرتفعات الجولان السورية كثمن لذلك.
حالياً هناك طابور من الدول التي بدأت بالفعل إجراءات التطبيع ودول تنظر على استحياء، فهل سيكون الثمن الذي ستدفعه إسرائيل وتجنيه الدول المطبعة أكثر مما جنته الدول السابقة؟ الحقيقة أنه لا حال الدول التي سبقت للتطبيع مُرضٍ حالياً ولا يتوقع أن تحصل الدول الجديدة على أكثر مما حصلت عليه هي. فمصر والأردن لم تتحسن أوضاعهما الاقتصادية بل إنهما تمران بأوضاع صعبة اقتصاديا كما عانتا كثيراً من مشاكل عدم الرضا الشعبي سياسياً. ومن جهة أخرى فإن الثمن الذي ستدفعه إسرائيل للدول الجديدة ومنها السودان لن يكون أكثر مما تم دفعه لمصر والاردن. فالسودان لن يحصل على أكثر من شطب اسمه من قائمة الدول الداعمة للإرهاب وهذا ما تسعى إليه وستكتفي به، وعُمان لا يُعلم ما هو ثمن استقبالها لنتن ياهو. على العكس من ذلك كله، فمع موجة الهرولة حالياً، يبدو أن إسرائيل سترفض التطبيع مع الدول الجديدة إلا بشروط تفرضها هي بدل أن كانت تستجديه. ومع تفوقها العسكري والعلمي والتكنولوجي ستميل العلاقات لصالحها أكثر من الدول المطبعة وستتحول هذه الدول الى أسواق مفتوحة لمنتجاتها وفي برامج التجسس الإسرائيلية مؤشرات واضحة.
لدى إسرائيل القدرة على خلق الأذية ثم المقايضة بها وإذا كان الأمر كذلك فالكل عرضة للخطر. فلم تعد بحاجة لتقديم تنازلات أو وعود بإغراءات تنموية، يكفي التلويح بالمخاطر المترتبة على ذلك. ولنتذكر دورها في انفصال جنوب السودان، أو مساعدتها لإثيوبيا في بناء سد النهضة للإضرار بمصر. لقد أثير مؤخراً الحديث عن توقيع اتفاقية عدم اعتداء بين دول الخليج وإسرائيل وهذه ربما تكون أقصى ما يمكن أن تحصل عليه دول الخليج ولكن بالمقابل قد نرى شروطاً إسرائيلية من قبيل محاربة حركات المقاومة وعلى رأسها حماس، وممارسة الضغط على السلطة الفلسطينية لتمرير قضايا معينة.
إن التوجه الحالي نحو التطبيع جهد تحركه الإمارات لكن لا تقوده، والربط الوهمي بين التطبيع والتنمية كما يروج له المسؤول الإماراتي في الحالة السودانية يشي بذلك. الحقيقة أن من يقبض ثمن تطبيع السودان ليس السودان نفسه بل الإمارات وذلك عن طريق اتساع النفوذ واستضافة فروع الشركات العالمية العملاقة والتغاضي عن الفظائع التي ترتكبها في اليمن وليبيا والمنطقة برمتها. وفي النهاية لن تحصل السودان على ما لم تحصل عليه مصر، ولن يحضَ اللاحقون في طابور التطبيع بما لم يحضَ به السابقون.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.