لعل المتتبع لأحداث مسلسل قطاع الطرق لن يحكموا العالم سوف تتراقص عديد الاحتمالات والسيناريوهات عند ذكر اسم "دحلان" ضمن هذه الدراما التركية ومن بين الأسئلة البديهية التي يمكن أن يطرحها المشاهد ما علاقة اسم دحلان بالمسلسل؟ لماذا تم اثارة اسم دحلان بغض النظر أن الاسم كما تمت ترجمته أحمد دحلان؟ أليس هناك غاية معينة في ذكر هذا الاسم؟ ما الهدف من رسم صورة ذهنية عن اسم دحلان فتبقى ذكرى يستعصي على الزمان أن يمحوها من الذاكرة العربية؟
هاذه أسئلة وغيرها لابد وأن تطرق عقل المشاهد العربي، فإثارة اسم دحلان داخل أحداث المسلسل أعطت ثمارها بعد أسبوعين من ذكره لتنكب شريحة لابأس بها من النشطاء الإماراتيين بالكيل بوابل من السخط والتذمر لما يقوم به محمد دحلان القيادي السابق في حركة فتح الفلسطينية والمفصول عنها منذ فترة عبر وسم عنونته دحلان-عراب-المؤامرات إذ عرف هذا الوسم تفاعلا كبيرا في الأوساط الامارتية باعتباره يشغل منصب مستشار ولي عهد أبو ظبي والذي يراه الكثير من المراقبين والسياسيين أنه أهم لاعب داخل منطقة الشرق الأوسط وهذا ما أثبته تحقيق استقصائي أمريكي يبين خلاله تورط المسؤول الفلسطيني السابق في زعزعة استقرار بعض الدول في المنطقة من بينها تركيا والحزب الحاكم بها ما جعل جملة من التساؤلات تثار في ذهن المواطن الإماراتي الذي أصبح يرى دحلان نقطة سوداء لا تخدم السياسة الإمارتية بقدر ما تسيء اليها.
لا أجزم بالطبع هل للمسلسل علاقة بهذا الاستهجان والاستنكار الشعبي الإماراتي إلا أن صدفة ذكره بالمسلسل التركي بالموازاة مع حملة دولية تطالب بمحاكمة دحلان باعتباره اليد التي تحرك الفوضى بالمنطقة له تبعاته خاصة إن فهمنا أن السياسة تخلق الصدفة ان كانت محتاجة اليها. فالصورة الذهنية التي تركها المسلسل في ذهن المتابع العربي لاجرم أن تحيد بوصلتها عن محمد دحلان فما الغاية المرجوة من ذكره في هذا التوقيت بالذات وهل هو افصاح عن نية في مسلسل بين العلاقات التركية الامارتية التي تعرف توترات وتصدعات تطفو حينا على السطح وتغوص في الأعماق حينا.
هذه المقاربة البديهية لأي متلقي لأحداث المسلسل سيربط أحداثها مع الأحداث السياسية التي يشهدها الشرق الأوسط الذي يعيش على صفيح ساخن وتركيا هي التي تتزعم الموقف وتسير بخطى ثابتة لإسماع صوتها لكل اصقاع الدنيا بانبعاث مجد الإمبراطورية العثمانية عبر رئيسها الذي غير موازين القوى العالمية وفرض تركيا كاسم له وزنه واعتباره على غرار الدول العظمى رجب طيب أردوغان .
الغاية الحقيقية فهي تبقى متوارية بحسب المصلحة التركية المرجوة من إثارة اسم دحلان والتي سنتابع خلفياتها في غضون الفترة المقبلة، خاصة وأن السياسة التركية تسيير في محاولة تصدير الحلم العثماني المبهر بكافة السبل |
تركيا تسير على نهج السياسة الامريكية إبان سطوع نجمها
كما هو معروف أن الولايات المتحدة الامريكية قد تركت صورة ذهنية لدى المشاهد العربي لعظمتها وقوتها وسيطرتها على العالم عبر أفلام هوليود التي عرفت انتشارا واسعا في العالم العربي الذي تفطن للعبة بعد تكريرها الاف المرات لتنتقل العدوى إلى تركيا التي تسير على ذات السياسة عبر الدراما التي تقدمها وأول سوق استهلاكي لها الوطن العربي المنبهر بأعمالهم الجبارة التي تحترم الى حد ما حدود العقل والمنطق.
فتركيا أيضا ترى في المسلسلات طريقا مختصرا لغزو كيان الأمة العربية فأحداث مسلسل قطاع الطرق يصور إلى حد ما من تعتبرهم الدولة تركيا قطاع طرق فالمسلسل تدور رحاه حول عائلة تركية تعمل في إنتاج السلاح وبيعه وهي الأداة التي تحركها الدولة العميقة في تصفية عروق المنظمات الإرهابية والأتراك الذي يعملون داخل الدولة وولائهم لجهات خارجية كإسرائيل والولايات المتحدة الامريكية بحسب سيناريو المسلسل الذي ابتدأت أحداثه بالتصفية الداخلية عبر إخضاع المافيا الداخلية وتنظيف مؤسسات الدولة من الداخل.
كما أن المسلسل وعلى غرار كل المسلسلات التركية تبعث دائما برهان صريح وهو أن الدولة العميقة لتركيا والتي تمتد جذورها الى الارهاصات الأولى لتأسيس الإمبراطورية العثمانية هي التي تحمي الدولة التركية عبر توريث حب الوطن والإخلاص له واختيار الأشخاص بدقة عالية فالحكماء المستترين هم من يديرون دهاليز السياسة التركية ووضعوا دحلان ضمن رادار الاستخبارات التركية وزكى المسلسل كل الاتهامات التي ماتزال تطارد دحلان، لهذا وجب التخلص منه بحسب لغة سيناريو المسلسل.
هذا فيما يخص المسلسل أما الغاية الحقيقية فهي تبقى متوارية بحسب المصلحة التركية المرجوة من إثارة اسم دحلان والتي سنتابع خلفياتها في غضون الفترة المقبلة، خاصة وأن السياسة التركية تسيير في محاولة تصدير الحلم العثماني المبهر بكافة السبل وعبر كل الوسائل وتصويرها أنها الملاذ الآمن لمعاناة البشرية من خلال تصديرها صورة العثمانيين كونهم ينافحون عن المظلومين وبسطوا العدل على طول المعمور ويسكنهم دائما هاجس السيطرة على الدنيا وهذا أمر طبيعي إذ راكمت تجربة مهمة بقيت لسنوات ويصعب أن تمحى دون أن تتحقق مرة أخرى.
هذه هيا الصورة الذهنية التي كرستها الدولة التركية لدى الأتراك ولدى شريحة واسعة من العرب وهي تسير بخطى ثابته في تحقيق هذا الحلم، فهل نرى انبعاثا تركيا كطائر العنقاء وتعيد مجدها التليد أم أنها ستتبخر بفعل السيطرة الغربية وتخضع هي الاخرى كما خضعت غداة تقهرها وزوالها بعد أن عمرت مئات السنين، وهل سنرى اتفاقا في الرؤى التركية الامارتية إن تم التخلي عن دحلان، هكذا فإثارة اسم دحلان بمسلسل قطاع الطرق ستكون له أبعاد سياسية ستكشف عنها الأيام المقبلة وسنرى المدى الذي سيترتب باحتفاظ الإمارات بدحلان أو التضحية به.