ماذا يعني أن تكون حالما؟ ما معنى أن تكون تواقا لغد أجمل؟ ماذا يعني أن تطمح للتغيير؟ ماذا يعني أن تؤمن بأنك إنسان عظيم جاب الأكوان وتقافز بين الأجرام وركب البحار العاتية؟ ماذا يعني إيمانك بأنك لم تخلق عبثا؟ أنك خلقت لأكثر مما أنت عليه؟ أن ما قدر لك لا يمكن أن يحتمله عقل إنس أو جن، أن تؤمن بأنك لم تخلق للبقاء، بل خلقت لتزدهر وتعمر وتطوف على سفينة لا تعرف طريقا للعودة من أرض الأحلام.

  

إذا، ماذا يعني أن تكون حالما؟ أهو العمل الدؤوب من أجل غاية سامية ترفع الضيق عن البشرية؟ أم هو السعي الدائم للوصول إلى رؤية لا يدركها سواك؟ رؤية عن مدينتك الفاضلة. أم معناه أن تركل وتضرب وتهان في سبيل قضيتك؟ أم معناه أن تحلم بالحرية في معتقل مدفون في غياهب الأرض المظلمة؟ أم معناه أن تقود ثورة فكرية ضد التوابيت الحجرية التي تقيد عقول بني الإنسان؟ أم معناه أنك لن تتوقف مهما طحنتك الحياة لتحقيق هدفك؟ أم هو حلم بسيط يجوب عقل طفل يحلم بالقراءة والكتابة وامتطاء الكتب؟ أم هو ذاك الإعلامي الذي يحلم بتغيير محتوى الكراهية الذي تنقله شاشاتنا؟ أم هو ذاك الطبيب الذي يود لو يستطيع إنهاء الأسقام للأبد؟ أم هو حلم تلك الأم في حياة رغيدة لأبنائها؟ أم هو حلم تلك الطفلة التي تتعرض للختان في عالم لا يسلبها براءتها وكرامتها؟ ماذا يعني أن تكون حالما؟

 

أن تكون حالما يعني أنك تائه لا تجد طريقا أو سبيلا لتحقيق مرادك؟ أن تكون حالما حقيقيا يعني أنك لا تدرك مرادك أصلا، أولئك الذين يملكون خطة واضحة ليسوا حالمين، هم مجرد دمى قبلت بالقوالب المفروضة عليها، وكم سهل أن تلعب بالقوانين المفروضة عليك، لكن الصعوبة تكمن في خلق قالب جديد. أن تكون حالما يعني أن تبحث عن أرض جديدة لم يطأها أحد قبلك، وحتى تجدها لابد أن تتيه في الأرض عدة قرون، فكيف لك أن تصل لمكان ليس موجودا على أي خريطة دونها رحالة قبلك؟ إن الحالم الحقيقي شخص يشع أملا، شخص يتأجج حماسة للتغير. هو لا يدرك التغيير الذي يريده، ولا يدرك أيضا مستقرة الأخير، لكنه مدرك لشيء واحد، وهو أنه لن يتوقف عن مطاردة ضالته حتى يغادر آخر نفس له. أن تكون حالما يعني أن أصلك المعاناة وطريقك الأمل ورحلتك السعادة ومستقرك السلام. أن تكون حالما يعني أن تعيش الحياة التي تستحقها إمكانيتك، أن تكون حالما هو ما تمثله الإنسانية، أن تكون حالما يعني أن عيناك فلكان زمرديان يمتدان حتى يوم الحساب بلا عارض أو لجام.

  

طرد نبينا محمد عليه الصلاة والسلام وحورب وقوتل فأرسل شعاع أمل حرر العبيد ورسخ ما نسميه الإسلام اليوم. راقبت مريم الأفلاك والأجرام وصنعت الاسطرلاب لتلاحق أحلامها. أبدع دافنشي في الهندسة والنحت والرياضيات والتشريح وكان مخترعا شغوفا وفنانا من الطراز الرفيع والمونا ليزا شاهدته الفاتنة. وقف كينغ في قلب واشنطن وصرخ بأعلى صوته "لدي حلم!" فأعاد لوطنه ميزان عدله. آمنت مالالا بحقها في التعليم فصارت أصغر من يكرم بجائزة نوبل للسلام.

 

طريق الأحلام يبدأ بقدرتك على القراءة، فإن عجزنا عن تعليم أطفالنا القراءة سيفنى بنو الإنسان عاجلا أم آجلا، أن تعلم طفلا القراءة يعني أنك تعد حالما سيبلغ صيته أرضا لم نعرفها من قبل.