شعار قسم مدونات

الطفيليات البشريّة وعبقريّة فيلم «Parasite»

blogs parasite

جائزة الأوسكار لأفضل فيلم؟ تمّ. جائزة الغولدن غلوب لأفضل فيلم بلغة أجنبيّة؟ تمّ. جائزة السعفة الذهبية بمهرجان كان السينمائي؟ تمّ أيضا. في الحقيقة، لم يتوقف الفيلم الكوري الجنوبي «Parasite» أو "طفيلي" لمخرجه "بونغ جون هو" عن حصد الجوائز منذ السنة الماضية حتى بلغ عددها 31 جائزة. كما حاز على إعجاب المشاهدين وإشادة النقاد، وسمح للسينما الكورية بدخول العالمية من الباب الكبير. لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: ما الذي يميّز هذا الفيلم لهذه الدرجة؟ ولم كلّ هذه الضجة الإعلامية حوله؟

لقد نجح "Parasite" في افتكاك أربع جوائز في حفل الأوسكار الذي أٌقيم في العاشر من شباط الجاري، متفوقا بذلك على فيلم "1917" وحتى فيلم "الجوكر" ومطيحًا بهيمنة الأفلام الأمريكية عامة والأفلام الناطقة بالإنجليزية خاصة. لذلك، أكاد أراهن على أن المُخلصين والمتعصّبين للسينما الأمريكية لسبب أو لآخر، سيُسيل الفضول لعابهم، وربما يبدؤون البحث عن الفيلم لمشاهدته.

يتحدث الفيلم باختصار عن عائلة "كيم" التي تتألف من أربعة أفراد وترزح تحت وطأة البطالة وتعيش في قبو هو أشبه بقبر لأموات أحياء لا يرون من العالم الخارجي سوى أقدام المارّة والسكارى الذين يتوقفون أمام النافذة المطلة على الشارع لقضاء حاجتهم. لكن قدرهم يتغير ذات يوم حين ينجح الابن في الحصول على وظيفة مدرس إنجليزية لابنة عائلة "بارك" الثرية المؤلفة أيضا من أربعة أفراد. ومن هنا، تبدأ رحلة عائلة "كيم" في الاندساس بخبث ومكر تدريجيا داخل عائلة "بارك" وينجح جميع أفرادها في اقتناص عمل لهم في منزل العائلة المُترفة.

إلى هذا الحدّ، تبدو القصة مشوقة قليلا واعتيادية بعض الشيء، فما الذي يجعل الفيلم مميزا للدرجة التي جعلته يحصد كل هذه الجوائز؟ في الواقع، تبدأ حبكة الفيلم بأخذ منعطف غريب ومشوّق حين يلجأ أفراد العائلة الفقيرة إلى الأساليب الملتوية ونصب المكائد لموظفي العائلة ليأخذوا محلّهم تحت شعار "الغاية تبرر الوسيلة". فبالنسبة لهؤلاء "المساكين" الذين يُعانون الفقر المدقع والتهميش والازدراء، لم يحل بينهم وبين تحقيق هدفهم أي تأنيب للضمير أو خوف من أن تنكشف ألاعيبهم. لذلك، تراهم يؤدون أدوارهم بإتقان واحترافية دون أن يرفّ لهم جفن، وهو ما يجعلنا نتساءل؛ هل هم مساكين بالفعل؟ أم أن معاناتهم طويلة الأمد جعلتهم يضربون بكل القيم والأخلاق عرض الحائط؟

على الطرف النقيض من المجتمع، نجد العائلة الثرية التي قد تبدو حياتها مثالية وقد يبدو أفرادها سُذّجًا وطيبين ولكن سرعان ما تتجلى حقيقتهم بعيوبها وبشاعتها حين يبدأ ربّ الأسرة الحديث عن رائحة عفنة تصدر من الأب الفقير، الذي عيّنه سائقا خاصا. وبالنسبة للرجل الثري، لا يعنيه مدى إتقان السائق لعمله، ولا يهم مدى رضاه عن تصرفاته وأسلوب حديثه، طالما أن هذه الرائحة تنبعث منه، وهو ما لخّص غطرسة الطبقة "الراقية" وعنجهيّتها في الفيلم.

من خلال توظيف الكوميديا السوداء، يصوّر لنا الفيلم الصراع الطبقي داخل المجتمع الرأسمالي في أبهى تجليّاته والذي لا يقتصر على كوريا الجنوبية أو الدول الغربية فحسب، بل نجده في العالم أجمع، ما يفسر كسر الفيلم لحاجز اللغة وتجاوزه حدود الوطن لبلوغ العالمية. وبفضل عبقرية مخرجه، يقدّم «Parasite» مادة لا يستعصي فهمها على الجمهور بمختلف فئاته، كما يدفعهم للتساؤل، وربما يسبب لهم الحيرة؛ فهل ينبغي لهم التعاطف مع العائلة الفقيرة أم الغنية، أم الاثنين معًا، أو ربما الشعور بالازدراء تجاه الاثنين أيضًا؟ ومن هو الطفيلي حقا؟ الفقير الذي يعيش من خلال خدمة الغنيّ؟ أم الغنيّ الذي لا يستطيع الاستغناء عن الفقير ليعيش حياة مُترفة؟

وعلى الأرجح أن تجربة المخرج الشخصية، إذ أنه عمل في منزل عائلة غنية حين كان شابا مُعدما، أضافت لسيناريو الفيلم مصداقية وكانت أحد نقاط قوته. وعموما، يخلّف الفيلم بنهايته طعما بالمرارة، مرارة الظلم والاحتقار مقابل الاستعلاء والتكبّر، ومرارة المُكابدة، وإن كانت بطرق ملتوية، ومرارة العيش في مجتمع لا يعترف إلا بمن يمتلك القوة والمال فقط.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.