شعار قسم مدونات

غاز المتوسط وأبعاد الصراع في الشرق الأوسط

BLOGS منصة غاز

زاد اكتشاف المخزون الضخم من الغاز قبالة السواحل الشرقية للبحر للمتوسط من أهمية منطقة الشرق الأوسط الاستراتيجية والاقتصادية، ولكنه زاد في نفس الوقت من حدّة الصراع والخلاف في المنطقة على ضوء الحقيقة التي تقول بأن الموارد الطبيعية تعد المحرك الأساس للحروب والنزاعات في العالم.

فمنذ اكتشاف هذا الاحتياطات الضخمة من الغاز والنفط في الحوض الشرقي للمتوسط، والتي قدرها معهد الدراسات الجيولوجي الأمريكي USGS، بحوالي 345 تريليون قدم مكعّب من الغاز، منها 223 تريليون قدم مكعّب من الغاز في حوض دلتا النيل، و122 تريليون قدم مكعّب من الغاز في منطقة حوض المشرق، قبالة شواطئ قبرص وإسرائيل ولبنان وسورية وحوالي ثلاثة ونصف مليار برميل من النفط، زادت الصراعات والخلافات في منطقة الشرق الأوسط، وحدثت العديد من الأمور التي يمكن ربطها مباشرة بهذه الاكتشافات.

فمن الخلاف اللبناني الإسرائيلي حول ترسيم الحدود البحرية وتداخل مناطق الاكتشاف، إلى الخلاف التركي القبرصي اليوناني حول ترسيم الحدود البحرية بينها، إلى الخلاف التركي المصري اليوناني حول أحقية التنقيب وتداخل المناطق البحرية، إلى الخلاف الكبير الذي سببته مذكرتي التفاهم التركية الليبية اللتان تعلقتا بتحديد مجالات الصلاحية البحرية بين الدولتين، وبالتعاون الأمني والعسكري والتي زادت الأوضاع تصعيداً بسبب الوضعية الجديدة التي ستفرضها من ناحية تغيير الحدود البحرية وتغيير الاصطفافات السياسية في المنطقة.

البعد العسكري وهو البعد المتمحور حول الاقتراب إلى أقصى درجة ممكنة من بعض القوى ومراقبتها عن كثب، إضافة إلى مراقبة المحاور التي تتمحور حولها علاقات التعاون العسكري فيما بين هذه القوى، وفيما بينها وبين دول أخرى

وفي إطار هذا الخلافات يمكن الحديث عن بعدين أساسيين من أبعاد الصراع على الغاز في منطقة الحوض الشرقي للمتوسط بعد الاكتشافات الغازية الضخمة، وهما البعد الغازي وهو البعد الخاص بالاحتياطيات الاستراتيجية من الغاز التي تم اكتشافها في منطقة الحوض الشرقي للمتوسط، فلو تم إلقاء نظرة على احتياطي الغاز المكتشف والمقدّر بحوالي 122 تريليون قدم مكعّب، والذي يجعل من هذا الحوض يحتل المرتبة الثالثة عالمياً من حيث الاحتياطات بعد حوضي سيبيريا والربع الخالي، لأدركنا مدى الأهمية الكبرى للبعد الغازي في الصراع في منطقة الشرق الأوسط، وخاصةً بعد موجة الربيع العربي التي تم استغلالها من قبل بعض الأطراف الإقليمية والدولية لفرض واقع جديد في المنطقة.

ومن جهة أخرى فإذا ما تمّ النظر إلى السياسة الأمريكية التي يقودها دونالد ترامب الجمهوري تجاه منطقة الشرق الأوسط، لوجدنا أنّها شبيهة جداً بسياسة الطاقة الدولية التي كان يتبعها ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن الجمهوري أيضاً، وخاصّةً في الطريقة التي يتعاطى بها الجيوبوليتيكا في مجال الثروات الباطنية، كجزء من صراع أمريكي عالمي من أجل تحقيق الهيمنة بين القوى الكبرى.

أي أنّ البعد الغازي يكتسب أهمية خاصة في الصراع في منطقة الشرق الأوسط، سواء من منظور الاستهدافات الاستراتيجية في التمركز بالقرب من منابع النفط والغاز واحتياطاته الاستراتيجية في العالم، والتي كان أحدثها الاكتشافات في الحوض الشرقي للمتوسط، أو من منظور أنّ نفط وغاز المنطقة يمثلان ركيزة اقتصادية يمكنها أن تغيّر معالم المنطقة، بما سوف توفره من ثروات هائلة لدول المنطقة.

البعد العسكري وهو البعد المتمحور حول الاقتراب إلى أقصى درجة ممكنة من بعض القوى ومراقبتها عن كثب، إضافة إلى مراقبة المحاور التي تتمحور حولها علاقات التعاون العسكري فيما بين هذه القوى، وفيما بينها وبين دول أخرى، والتي يأتي من ضمنها المحور الخاص بالوجود العسكري الروسي في منطقة الحوض الشرقي للمتوسط بعد التدخل العسكري المباشر في سورية عام 2015، حيث بدأت تُرسم معالم وشكل العلاقات بين الدول المطلة على الحوض الشرقي للمتوسط، فمنها ما بدأ يأخذ شكل التحالفات والمبادرات، ومنها ما بدأ يكرّس العدائية والأطماع للهيمنة على أكبر قدر ممكن من المقدّرات في ظل غياب المعالم الحقوقية في المياه الإقليمية والدولية، وهو ما كشفت عنه طبيعة التفاعلات الصراعية بمختلف درجاتها بين دول المنطقة، والتي تدرجت من مجرد تبادل التصريحات إلى التهديد باستخدام القوة العسكرية إلى استخدمها في بعض الأحيان.

عندما تدخلت البحرية التركية ضد سفن التنقيب الإيطالية في قبرص، الأمر الذي جعل من مسألة استغلال المواد الهيدروكربونية في المنطقة، تشكّل مساراً للخلاف الدائم والمستمر في التفاعلات الإقليمية والدولية بسبب القيمة الجيوبوليتيكية المضافة لثروات الحوض الشرقي للمتوسط، والتي باتت المحرك الأول لتحركات الدول السياسية في تحديد المناطق الاقتصادية الخالصة، الأمر الذي يعطي دلائل واضحة على أنّ الخلافات قد تحتدم أكثر على مستقبل الحوض الشرقي للمتوسط بوصفه منطقة اكتشافات غازية ذات أهمية جيوسياسية كبرى.

وبالمحصلة يمكن القول أن الصراع على الغاز في الحوض الشرقي للمتوسط يتميز بتداخل بعده الاقتصادي ببعده العسكري وهو ما جعله أكثر تعقيداً وتشابكاً لاسيما مع كثرة اللاعبين المعنيين به محلياً ودولياً، والتي أفرزت حزمة من الصراعات الثنائية والمتعددة بدأت تطرح أسئلة ذات طبيعة جيوسياسية تتعلّق بمستقبل المنطقة وآفاق التعاون بين أطرافها المعنيين وإمكانية تجاوز الصراعات والنزاعات القائمة فيه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.