شعار قسم مدونات

اغتيال الجنرال قاسم سليماني.. قراءة أخرى

BLOGS قاسم سليماني

عندما تقوم أية دولة عدوة لك بتفجير إحدى الرموز الأساسية لدولتك أو بإغتيال قائد ذو قيمة كبيرة في توجهات نظام بلادك وسياستها الخارجية فهذا يسمى في العلاقات الدولية إعلان حرب.. لكن العجيب هنا أن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية نفى مباشرة إعلانها للحرب على إيران بعد تبنيه صراحة لعملية الاغتيال التي راح ضحيتها قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني ونائب قائد الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس في عملية لا تبدو عليها أية مؤشرات مخابراتية عالية وإنما هي عملية في وضح النهار لجنرال كان في لبنان ثم ذهب للعراق وفي طريقه للمطار في رحلة إلى بلده، وهو معروف بخرجاته الكثيرة في كل جوانب تواجد الأذرع الإيرانية في الشرق الأوسط، لكن لماذا قررت أمريكا استهدافه هذه المرة مع أنها ربما كانت تستطيع هذا قبل سنوات أو أشهر سابقة إلا إذا كان الأمر استخباراتيا ولكن كما قلت فلا مؤشرات استخباراتية في الأمر كالذي حدث في اغتيال بن لادن مثلا أو البغدادي..

صرح بعدها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب على تويتر جملة مرعبة (إن إيران لم تنتصر في أية حرب خاضتها ولكنها لم تنهزم أبدا في أية مفاوضات أجرتها) وظن البعض أنه إعلان للحرب من ترمب على إيران، مع أن الخطة الأمريكية منذ وصول ترمب للحكم لم تكن تفكر في الحرب على إيران وتغيير نظامها لأنها تعلم أن الأمر مجازفة كبرى وقد تفشل في ذلك وهي مركزة في صراعها مع الصين التي تسحب البساط من تحتها يوما بعد يوم وسنة بعد سنة حتى تجد نفسها مجبرة على تسليم قيادة العالم للصين بعدما نزعت قيادته في بداية القرن العشرين من بريطانيا وفرنسا وتنازعت مع الاتحاد السوفياتي واستطاعت الإبقاء على قيادتها للعالم، أما مع الصين فيبدو الأمر عسيرا عليها لأن سلاح الولايات المتحدة الأمريكية دائما في القضاء على خصومها هو الاقتصاد فتعمل على إنهاك الخصم اقتصاديا ليركع أمامها طالبا العفو لكن الصين الأن تحاربها بنفس سلاحها الاقتصادي ولا يمكن لها إنهاكها لأن الصين تنمو بطريقة مهولة اقتصاديا وفي صمت سياسي غريب منها..

يبدو أن النظام الإيراني عن طريق الجنرال قاسم سليمان كان يريد إجراء مناورات كثيرة في الشرق الأوسط هذا العام لمنع ترمب من الترشح أو لإفشال ترشحه في رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية لولاية ثانية

نرجع لأمر الجنرال قاسم سليماني لأننا لا نستطيع فهم سياسة أمريكا الآن دون معرفة سياق صراعها مع الصين.. ولنطرح سبب اغتيال الولايات المتحدة الأمريكية للجنرال قاسم في مجازفة وصفها الجميع بأنها مهلكة للمنطقة ولترمب نفسه لأنه هو من أمر بذلك، يجب علينا أن نعرف أن صراع أمريكا مع إيران قد تحول منذ أكثر من سنة إلى صراع يعتمد على كرسي الرئيس ترمب نفسه، فترمب وعد الأمريكيين أنه سيحل المشكلة مع إيران وأنه سيحل المشكلة مع كوريا الجنوبية وسيعلن القدس عاصمة لإسرائيل وسينعش المواطن الأمريكي ماليا، وقد وفى ترمب بكل وعوده تلك إلا الأزمة مع إيران التي لم يستطع التقدم فيها كثيرا عن طريق الانسحاب من الاتفاق النووي والعقوبات الاقتصادية ووصل إلى طريق مسدود مع نظام صبور جدا ولم يستسلم بل ما زال يناوره وبقوة، ونحن نعلم أن ترمب لو لم يحل المشكلة مع إيران فإن ترشحه للعهدة الثانية في أمريكا سيصبح صعبا جدا في حصوله على أصوات الأمريكيين الذين لم يحقق لهم كل وعوده ولو نسبيا..

وهنا حسب ظني هو مربط الفرس في قضية الاغتيال أن إيران نظام شرس وهي أيضا ركزت وبقوة على فكرة طمع ترمب في عهدة ثانية وهي تلعب معه لعبته أنها تحاول الضغط الغير مباشر على الرأي العام الأمريكي أن ترمب لم ولن يستطع حل المشكلة معها بل سيعود فاشلا في نهاية الأمر وسيضطر للجلوس معها مفاوضا من جديد، ويبدو أن النظام الإيراني عن طريق الجنرال قاسم سليماني كان يريد إجراء مناورات كثيرة في الشرق الأوسط هذا العام لمنع ترمب من الترشح أو لإفشال ترشحه في رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية لولاية ثانية، لأن إيران تعلم أن عهدة ثانية لترمب ستكون قاضية لمشروعها، وتعلم أن ترمب لن يخوض حربا معها الآن حتى يضمن نجاحه في العهدة الثانية ليبدأ في حربها بعد ذلك بقوة، ولذلك من المحتمل أن أمريكا كشفت مخططا لقاسم سليماني سيكون قاضيا وقويا على الرأي العام الأمريكي ليمنعه من تزكيته لمرة ثانية.

وحين كشف ترمب الأمر فهو يكون قد وضع بين أمرين إما السكوت وستعمل إيران على مشاغبته في الشرق الاوسط وحينها لن ينجح في العهدة الثانية أو الدخول معها في حرب وتكون حظوظ الفشل أقل من الاحتمال الأول لأن الحرب قد ينجح فيها ولو نسبيا أما الصمت سيكون قاضيا بالنسبة لكرسيه.. ولذلك إتخذ ترمب ومن وراءه قرارا قويا ومفاجئا كهذا ستكون إيران في وضع ضعيف أمامه لأن الحرب ستدمرها وما عليها إلا التغاضي عن سيرها في مشاغبة ترمب لأن الحرب ستكون واقعا مدمرا لها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.