شعار قسم مدونات

مؤامرة القرن على الشعب الفلسطيني

blogs ترمب و نتيناهو

بالأمس أطل الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عبر شاشات التلفاز، معلناً عن خطة السلام التي أعدتها إدارته، المعروفة باسم "صفقة القرن"، فبعد سنوات من الترقب والتمهيد الإعلامي، أعلنها جهاراً بوقاحة منقطعة النظير متحدثاً عن رؤيته للسلام، وأن خطة ادارته مختلفة عن خطط إدارات أمريكية سابقة، وأن الخطة فرصة لن تتكرر للفلسطينيين وستضمن دولة متصلة الأراضي لهم، وخريطة الدولة الموعودة تربط مناطق فلسطينية في الضفة الغربية مع قطاع غزة عبر نفق، وعاصمة في أجزاء من القدس الشرقية، حقيقة من يسمع هذا الخطاب وهذه القرارات الخطيرة التي تظهر بما لا يدع مجالاً للشك انحيازه للاحتلال "الإسرائيلي"، بل وحجم المؤامرة على الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته.

فمنذ فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأمريكية في نوفمبر 2016 قدم لدولة "الاحتلال الإسرائيلي" جملة من القرارات التاريخية التي تمس بالقضية والأراضي الفلسطينية المحتلة، ومن أبرز تلك القرارات وأشدها خطراً على الفلسطينيين والعرب اعتراف إدارته بالقدس المحتلة عاصمة "لإسرائيل"، ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس في ديسمبر 2017، هذا القرار جاء بعد عام تقريباً من تولي ترمب رئاسة البيت الأبيض، لكن ذلك التاريخ شهد بعده سلسلة قرارات كانت كفيلة بزيادة ثقل كاهل القضية الفلسطينية.

أولاً – إغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن
في سبتمبر 2018 حجبت وزارة الخارجية الأمريكية 25 مليون دولار، كان من المقرر أن تقدمها كمساعدة للمستشفيات الفلسطينية في القدس، وعددها 6 مستشفيات، وهذه المستشفيات تقدم خدمات طبية للفلسطينيين من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة

أثار القرار غير المسبوق للإدارة الأمريكية في نوفمبر 2017 بعدم التوقيع على مذكرة إبقاء مكتب بعثة منظمة التحرير الفلسطينية مفتوحاً في العاصمة واشنطن، الكثير من اللغط والجدل، فقد أبلغت الإدارة الأمريكية منظمة التحرير بأنها ستغلق مكتبها بواشنطن "حال عدم مشاركتها بمفاوضات مباشرة وهادفة من أجل التوصل إلى اتفاقية سلام مع إسرائيل، ورداً على ذلك قرّرت القيادة الفلسطينية تعليق الاتصالات مع الإدارة الأمريكية، لكن القاهرة تدخّلت ودعت السلطة إلى التراجع عن ذلك، وبعدها بأسبوع تقريباً تراجع ترمب عن القرار، واستبدل به فرض "قيود" على بعثة منظمة التحرير، وهو ما لم يرق للسلطة الفلسطينية التي أعلنت تخليها عن واشنطن كـ"وسيط لعملية السلام".

ثانياً – القدس عاصمة لـ"إسرائيل"

في 6 ديسمبر 2017 أعلن ترمب القدس عاصمة لـ"إسرائيل"، ومع إعلانه أشعل موجة غضب شعبية ورسمية واسعة في العالمين العربي والإسلامي، فعلى أثر ذلك اندلعت مظاهرات واحتجاجات واسعة في عواصم عالمية، وأخرى في فلسطين، وتحديداً قطاع غزة، الذي شهد مسيرات متواصلة أشهراً عديدة، وهذا القرار أحدث غضباً شعبياً ورسمياً عالمياً، دفع الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى التصويت على مشروع قرار، تقدّمت به تركيا واليمن، يرفض تغيير الوضع القانوني للمدينة المقدسة، وأكد القرار الأممي الذي صوتت لتأييده 128 دولة، في حين اعترضت 9 وامتنعت 35 عن التصويت، أن أي إجراءات تهدف إلى تغيير طابع القدس "لاغية وباطلة"، كما دعا جميع الدول إلى الامتثال لقرارات مجلس الأمن المتعلقة بمدينة القدس.

ثالثاً – تجميد 125 مليون دولار من مخصصات وكالة الأونروا

بعد شهر بالتمام من إعلان القدس عاصمة لـ"إسرائيل"، بدأت قرارات ترمب التضييقية على القضية الفلسطينية تتضح أكثر، خاصة عندما أمر بتجميد 125 مليون دولار أمريكي من مخصصات وكالة الأونروا، التمويل الذي يشكّل ثلث التبرع السنوي الأمريكي للوكالة، كان من المفترض تسليمه بحلول الأول من يناير، لكن تم تجميده إلى حين انتهاء إدارة الرئيس الأمريكي من مراجعة المساعدات الأمريكية للسلطة الفلسطينية، بحسب ما أوردت "رويترز، وسبق هذا الإجراء تغريدة لترمب على "تويتر" قال فيها: "لماذا يجب أن نواصل دفع مئات الملايين من الدولارات للفلسطينيين ما داموا يرفضون الانخراط في مفاوضات سلام طويل الأجل مع إسرائيل؟، وعلى أثر ذلك عانت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين من أزمة مالية أثرت على عملها في مناطق اللجوء الخمس، وتحديداً قطاع غزة الذي يعيش حصاراً إسرائيلياً منذ 2006.

رابعاً – نقل سفارة واشنطن إلى القدس

نفذ ترمب وعده بمنح ما لا يملك إلى من لا يستحق، إذ قرر بعد جدل عالمي استمر أشهراً عديدة، نقل سفارة الولايات المتحدة من "تل أبيب" إلى مدينة القدس المحتلة، وفي 14 مايو 2018، افتتحت الولايات المتحدة سفارتها الجديدة لدى دولة الاحتلال في مدينة القدس المحتلة، بعد نقلها من "تل أبيب"، وسط رفض فلسطيني وعربي وإسلامي ودولي، وحضر حفل التدشين وقتذاك أعضاء البعثة الأمريكية الرسمية التي وصلت إلى الكيان لهذا الغرض، برئاسة وزير الخزانة ستيف منوتشين، وعضوية ابنة الرئيس الأمريكي إيفانكا ترمب، وزوجها مستشاره جاريد كوشنير. السفير الأمريكي في الكيان "الإسرائيلي" دافيد فريدمان علّق على الحدث بالقول: إن "الرئيس (هاري) تورمان بعد 11 دقيقة اعترف بإسرائيل كأول بلد، والآن بعد 70 عاماً الولايات المتحدة تُقدم على الخطوة التي تم انتظارها والدفاع عنها كل هذه السنوات".

خامساً – 200 مليون دولار من دعم السلطة

وفي مايو 2018 نفذت الإدارة الأمريكية ما أمر به ترمب من إعادة توجيه مساعدات اقتصادية بأكثر من 200 مليون دولار كانت مخصصة إلى قطاع غزة والضفة الغربية إلى مشاريع في أماكن أخرى، وتقول الإدارة الأمريكية إن القرار يهدف إلى إجبار السلطة الفلسطينية على التوقف عن دفع إعانات إلى أسر الشهداء والجرحى والأسرى، وعلى أثر ذلك حذر الفلسطينيون، ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينين، من أن خفص المخصصات الفلسطينية سيفاقم الأوضاع المتردية على المواطنين في غزة والضفة.

سادساً – وقف دعم مستشفيات القدس
هذه التطورات تخدم ترمب انتخابياً في وقت بدأت معركة عزله في الكونغرس، وربما تساعد كذلك نتنياهو في حملته الانتخابية، وهو يواجه أيضاً تهماً بالفساد قد تقوده إلى محاكمته وزجه في السجن

وفي سبتمبر 2018 حجبت وزارة الخارجية الأمريكية 25 مليون دولار، كان من المقرر أن تقدمها كمساعدة للمستشفيات الفلسطينية في القدس، وعددها 6 مستشفيات، وهذه المستشفيات تقدم خدمات طبية للفلسطينيين من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة، وبعض الخدمات الطبية المتوفرة فيها غير موجودة في بعض المستشفيات الأخرى، مثل علاج الأورام والعيون، وحذّر مسؤولون طبيّون في المستشفيات الفلسطينية من نتائج "كارثية من جرّاء ذلك القرار الأمريكي"، وطالبوا بضرورة التدخل الدولي للضغط على الولايات المتحدة.

سابعاً – إغلاق مكتب منظمة التحرير

أمين سر اللجنة التنفيذية للمنظمة، صائب عريقات، أعلن في سبتمبر 2018 أن الإدارة الأمريكية أبلغتهم رسمياً بقرارها إغلاق مكتب المنظمة في واشنطن، وجاء القرار كـ"عقاب" على مواصلة عمل السلطة الفلسطينية مع المحكمة الجنائية الدولية ضد جرائم الحرب الإسرائيلية، كما قالت واشنطن إنها ستنزل علم فلسطين في واشنطن، وجاء في مشروع القرار الأمريكي أن "الولايات المتحدة ستقف دائماً مع صديقتها وحليفتها إسرائيل"، وأن "المكتب (بعثة منظمة التحرير) لن يبقى مفتوحاً ما دام الفلسطينيون يواصلون رفض المفاوضات، ثم أغلقت الولايات المتحدة الحسابات المصرفية للمنظمة في نفس اليوم الذي أصدرت فيه الإدارة الأمريكية قراراً بإغلاق مكتب المنظمة بواشنطن.

ثامناً – طرد السفير الفلسطيني

قررت الإدارة الأمريكية طرد السفير الفلسطيني لديها، حسام زملط، وعائلته، في سبتمبر 2018 وهو ما وصفته المنظمة بـ"السلوك الانتقامي الذي يعكس ما وصلت إليه الإدارة الأمريكية من حقد على فلسطين قيادة وشعباً، واعتبرت المنظمة الخطوة الأمريكية "سابقة خطيرة في العلاقات الدولية الفلسطينية -الأمريكية ومخالفة صريحة للأعراف الدبلوماسية".

تاسعاً – شرعنة المستوطنات

أعلن وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، أن واشنطن لم تعد تعتبر أن المستوطنات الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية "مخالفة للقانون الدولي، وأضاف في مؤتمر صحفي، مساء الاثنين (18 نوفمبر 2019)، أن الولايات المتحدة ستترك للفلسطينيين والإسرائيليين حل الخلاف على المستوطنات، وسارع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى التعليق على التوجه الأمريكي قائلاً: "إن الخطوة الأمريكية بشأن المستوطنات تصحح خطأ تاريخياً"، في حين رفض الاتحاد الأوروبي القرار.

في الخُلاصة، ثمة حاجة أمريكية "إسرائيلية" ملحة للإعلان وتحريك "صفقة القرن" لفتح آفاق جديدة للعمل السياسي، ومزيداً من المؤامرات على الشعب الفلسطيني، وكسب الثروات في الوطن العربي، وأيضاً لعل هذه التطورات تخدم ترمب انتخابياً في وقت بدأت معركة عزله في الكونغرس، وربما تساعد كذلك نتنياهو في حملته الانتخابية، وهو يواجه أيضاً تهماً بالفساد قد تقوده إلى محاكمته وزجه في السجن!