ربما كان الفيلسوف والروائي ألبير كامو رائد ومؤسس الفلسفة العبثية للحياة، فقد كان يرى عدم وجود معنى للحياة، وإننا نعيش لحظات حياتنا بعبثية مطلقة وبالتالي عدم وجود جدوى أو هدف أو فائدة لكل ما يفعله الإنسان من عملٍ أو مجهود، فكل ذلك في رأي البير كامو ليس إلا هباء سيضيع سدىً بما أن نهاية البشر جمعيا في الأخير هي الموت والعودة من جديد إلى العدم أو اللاشيء وبتالي اختفاء أي أثر لذألك الشخص.
وهنا نرى أن البير كامو قد شبّه معاناة الإنسان والبشرية جمعاء في هذه الحياة بمعاناة (سيزيف)، وسيزيف هذا هو شخصية يونانية أسطورية عبثت مع ملَك الموت وحاول التحايل عليه للعودة مرة اخرى إلى الحياة حسب المعتقدات الإغريقية، فغضب منه الإله الأكبر (زيوس) وعاقبه بأن جعله يحمل صخرة كبيرة لأعلى أحد الجبال، ثم ما إن يصل للقمة حتى تعود الصخرة للتدحرج إلى الأسفل، ثم يجبره زيوس على حملها مرة أخرى لأعلى الجبل وهكذا، في عقاب أبديّ ومجهود قاسٍ ليس له أي معنى ولا جدوى أو هدف يذكر.
كامو لم يستطع أن يفسر أو تجاهل عدة شخصيات معروفة صرّحت برغبتها بالانتحار وانتحرت فعليا، ومنهم الشاعر المجري العظيم أتيلا يوجيف، والذي عاش يتيماً بائساً وكانت حياته ممتلئة بصعوبات |
لكن ألبير كامو أستطاع أن يحدد العلاج للحالة (السيزيفيه) فهو يرى أنه حتى يخرج الإنسان من مأزق المجهود الروتيني السيزيفي القاتل والخالي من هدف، فإن أمام البشر والبشرية حلّين فقط، الاول: الانتحار والتخلّص من هذا الألم والانتحار هنا عند البير كامو هو الانتحار الفعلي بفصل الروح عند الجسد و ألتوجه مباشرة إلى النهاية (الموت) دون أن ننتظر قدومها، أما الحل الثاني هو التمرّد والخروج تماماً عن المألوف واللامبالاة، والحل الثاني هو ما يفضّله كامو، بعد أن فصّل في هذه القضية الفلسفية في كتابيه: أسطورة سيزيف، والإنسان المتمرد.
ألبير كامو الذي وصَفَ كتابه (أسطورة سيزيف) بأنه: دعوة سهلة للعيش وسط الصحراء؛ يقول فيه "إنه لا توجد قضية يستحق أن يشنق الإنسان نفسه لأجلها، فحتى غاليليو، والذي قاده كهنة الدين إلى المشنقة حين ادّعى أن الأرض تدور، تراجع عن رأيه حين تيقّن أنه سيفقد حياته" وهنا يقول كامو وما أهمية أن نعلم أن الأرض تدور أم لا؟ لا أحد يكترث لهذا حين يصل الأمر لفقدان الحياة! وهنا نلاحظ كيف أن البير كامو وضح أن لا شيء في هذه الحياة ذو جدوى أو أهمية ولكن أيضا لا شيء في هذه الحياة يستحق أن تنهي حياتك من أجله.
يقول كامو إن معظم المفكّرين والفلاسفة المؤيدين لفكرة الانتحار ويصفون هذا الفعل بالشجاعة النادرة لم ينتحروا، وعلى رأسهم الفيلسوف الشهير شوبنهاور، والذي كان يكتب عن الانتحار بينما يجلس على مائدة بديعة، ولكن ما الذي يجعل هؤلاء المفكّرين يُقنعون الناس بالانتحار ولا يقتنعون هم أنفسهم بالانتحار وينتحرون؟ هنا أجاب كامو على هذا السؤال: على الأرجح ليست هناك علاقة أو ارتباط بين ما يعتقده البشر ويؤمن به وبين أفعالهم، فإن كان تأثير العقل قوياً على البشر من خلال الافكار والمعتقدات، فإن تأثير أفعال الجسم ورد فعله أقوى. لأن الإنسان حصل على الجسم قبل القدرة على استخدام العقل، أي أنه حصل على ذلك الجزء المادي من كيانه قبل ذلك الجزء الروحي ممثلا بالأفكار والمعتقدات وبتالي نستطيع القول إن الجسم أقوى من العقل، فهذا يعني أن الجسم يرفض الموت بشكل غريزيّ ولا يستسلم له أو ينقاد إليه بسهوله؛ هذا هو باختصار رأي كامو في سبب امتناع هؤلاء عن الانتحار.
لكن كامو لم يستطع أن يفسر أو تجاهل عدة شخصيات معروفة صرّحت برغبتها بالانتحار وانتحرت فعليا، ومنهم الشاعر المجري العظيم أتيلا يوجيف، والذي عاش يتيماً بائساً وكانت حياته ممتلئة بصعوبات، يقول يوجيف: "يعتقد الناس أنني طفلٌ عبقري، لكنني ولدت يتيماً أتسوّل الجمال وحسب"، يوجيف انتحر في الثلاثين من عمره تحت عجلات قطار سريع بعد أن أوضح رغبته بالانتحار وكان له ذلك، وهنا تعجز فكرة البير كامو عن أيجاد التفسير لذلك المستوى من العبثية و اللامبالاة والذي يصل بالإنسان إلى الانتحار الفعلي.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.