شعار قسم مدونات

ليبيا.. دولة مع وقف التنفيذ

blogs ليبيا

انتهت نهاية الأسبوع الماضي 19 يناير/ كانون الثاني، فعاليات مؤتمر برلين حول القضية الليبية، وهو المؤتمر الذي تم تغييب العديد من الفاعلين الإقليميين فيه، الشيء الذي خلف لديهم ردود فعل مستنكرة حول الطريقة والصفة التي تم استدعاء بعض المشاركين في هذا المؤتمر الدولي واقصاء البعض الاخر.

 

إن تغييب الفاعلين الرئيسيين في الملف الليبي مرده الى الصراعات الخفية بين حلفاء كل طرف في الأزمة الليبية. حيث أقرت المستشارة الألمانية انجيلا مركل بعد نهاية مؤتمر برلين، بأن أطراف النزاع في الأزمة على الأرض، ونتكلم هنا عن قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر ورئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج، لم يكونا جزء من المؤتمر، كما لم يتم استدعاء المغرب الذي استقبل على أراضيه وواكب أطراف الصراع في ليبيا، وخرجت سلسلة الاجتماعات التي احتضنتها الصخيرات المغربية، باتفاق سياسي بين الفرقاء تم توقيعه تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة بتاريخ 17 ديسمبر 2015 ، بإشراف المبعوث الأممي السابق بليبيا مارتن كوبلر، وذلك لإنهاء الحرب الأهلية الليبية الثانية المندلعة منذ 2014.

 

كما اقصى مؤتمر برلين دولة تونس التي تتقاسم وليبيا الحدود البرية والتي رفضت المشاركة بعد توصلها المتأخر بدعوة للحضور، علما ان المبعوث الاممي الحالي للأزمة الليبية غسان سلامة كان قد صرح يوم 6 يناير /كانون الثاني بأنه أطلق ثلاثة مسارات لحل الازمة بليبيا منها المسار الاقتصادي والمالي الذي بدأ من خلال اجتماع تونس الذي جمع كافة أطراف إضافة الى المسارين العسكري والأمني ومسار الحوار السياسي.

 

الحرب الليبية على الأرض هي أبعد من أن تكون حرب أهلية بين إخوة متصارعين للسيطرة على الأرض والحكم فقط، بل هي حرب بالوكالة بين القوى الدولية المتصارعة

إن تسارع الأحداث مع حلول السنة الجديدة وتهافت الدول الغربية منها روسيا وألمانيا على احتواء الأزمة الليبية وإيجاد حل لها يجعل المتتبع يطرح أكثر من سؤال، فإذا كانت هناك إرادة دولية لحل الأزمة الليبية؟ فلماذا لم يتم استدعاء الفاعلين الذين اثبتوا سابقا قدرتهم على جمع ما فرقته الأزمة؟، واللذين يحظون بثقة كافة الأطراف على اعتبار أن تدخلات الدول الغربية في الأزمات العربية أثبتت فشلها لكونها غالبا ما تكون مرفوضة شعبيا ومقرونة بنظرية المؤامرة والأجندة الخارجية. هل هناك نية مبيته لترجيح فريق على آخر من طرف المتدخلين الدوليين؟ أم أن هناك استراتيجية لتغيير الفاعلين على الأرض واستبدالهم بمن يضمن مصالح الغرب في المنطقة.

 

مؤتمر الصخيرات وتقويض مسار الحل السلمي

إن هندسة اتفاق الصخيرات بالمغرب أو الاتفاق السياسي الليبي لـ 17 ديسمبر/كانون الاول 2015، بنيت على شاكلة اتفاق الطائف بالسعودية او وثيقة الوفاق الوطني اللبناني بتاريخ 30 سبتمبر / ايلول 1989، والذي تم تصميمه آنذاك من طرف الملكين الراحلين، المغربي الحسن الثاني والسعودي فهد بن عبد العزيز بالإضافة إلى الرئيس الجزائري الراحل الشاذلي بن جديد، وهو الاتفاق الذي وضع النهاية لخمسة عشر سنة من الحرب الأهلية اللبنانية، حيث بني الاتفاقان على نفس العناصر فكلاهما بني على التفاوض بين أعضاء البرلمان المنتخبين والفاعلين الداخليين للوصول الى خارطة طريق تخرج بالدولة من دائرة الصراع المسلح.

 

إن اتفاق الطائف أثبت فعاليته على الجميع المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية، فقد مكن اللبنانيين من بناء دولتهم المدنية ونظم تقاسم السلط بين مختلف أطياف المجتمع اللبناني، وبدأ اقتصاد الدولة يأخد عافيته رويدا رويدا، كما مكن البلاد من إعادة تنظيم جيشها الوطني وإخراج القوات الأجنبية من الأراضي اللبنانية ونزع سلاح المليشيات باستثناء حزب الله. وكان الشعب الليبي يأمل في اتفاق الصخيرات بالمغرب ما حققه الشعب اللبناني باتفاق الطائف، غير أن التدخلات الأجنبية بالمنطقة قوضت المسار السلمي ونتائج اتفاق الصخيرات. وكان المبعوث الأممي بليبيا غسان سلامة قد طلب من خلال تصريحه لـ 6 يناير/ كانون الثاني الحالي بوقف التدخل الأجنبي في ليبيا، مضيفا أن هناك ما يكفي من السلاح والمرتزقة فيها، كما طالب بالتوقف عن إرسال المئات أو الالاف من المرتزقة كما هو الحال حسب قوله، وأكد أن الهجوم الذي قضى فيه عشرات الطلاب العُزّل تماماً، في الكلية العسكرية هو هجوم لطائرة مسيّرة نفذته إحدى الدول التي تدعم "الجيش الوطني الليبي".

 

إن الحرب الليبية على الأرض هي أبعد من أن تكون حرب أهلية بين إخوة متصارعين للسيطرة على الأرض والحكم فقط، بل هي حرب بالوكالة بين القوى الدولية المتصارعة والتي لن تتوافق في إيجاد حل نهائي للأزمة، مادامت هناك دوافع خفية لهذه القوى تصب الوقود على النار المتأججة في المنطقة، ليبقى الخاسر الوحيد في المنطقة هو الشعب الليبي، وتبقى ليبيا دولة مع وقف التنفيذ.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.