شعار قسم مدونات

اغتيال الشيخ يوسف ديدات اغتيال لأبيه

BLOGS الشيخ يوسف ديدات

هذا الشبل من ذاك الأسد، فوالده الداعية الشيخ أحمد ديدات أشهر من أن يعرف بعد مسيرته الطويلة في علم مقارنة الأديان، وفي ميادين الوعظ والمناظرات والدفاع عن الدين الإسلامي، إلى حد أنه لقب بسفير القرآن وفارس الدعوة وشيخ المناظرين، واليوم بعد انتقاله لرحمة الله تعالى ظهيرة الجمعة، يتضح أنه انتقام بأثر رجعي منه ومن والده، فهو المعاون الأول والصندوق الأسود لوالده الداعية الشيخ أحمد ديدات، وهو بمثابة مفتاح الشخصية له بعد أن لازمه طيلة عقود، وما خاضه برفقته من نضال شرس ضد التمييز العنصري في جنوب القارة الأفريقية، ومما لا شك فيه أن اغتيال الشيخ تقف وراءه أطراف خفية لا تريد للإسلام خيرا، من أولئك المتخوفين من تكرار نموذج الداعية المسلم الوسطي الذي يجد قبولا في الأوساط العالمية.

حادثة الاغتيال

كان الناشط الجنوب الأفريقي يوسف ديدات -الذي ينحدر من أصول هندية- يسير بمعية زوجته صوب محكمة فيرولام في أنحاء مدينة دوربان الجنوب أفريقية، في قضايا تعويضات مادية من الدولة، حاملاً على كاهله ثقل 65 عامًا قضاها برفقة والده الراحل شيخ الدعاة، حين تعرض لإطلاق رصاص من الخلف، نقل على إثره للمستشفى، وفارق الحياة ظهيرة الجمعة.

بم عرفت عائلة ديدات؟
اختلف يوسف مع أبيه، ولم يكن يحضر مناظراته في شبابه، إلا أنه سرعان ما انقلب ليصبح الظل الملازم له، حين وقف لجواره بوصفه الابن الأصغر الأقدر على قراءة وترجمة لغة عينيه إلى زواره، وتفسير تعليقاته وردوده،

عرفت العائلة من خلال والده الداعية أحمد ديدات، الذي اشتهر بمناظرة القساوسة أمثال المنصر الأمريكي القس جيمي سواجارات في مناظرة القرن، والقس أنيس شروش، وروبرت دوغلاس، وفلوريد كلارك، والرد على الشبهات التي كانت تثار بشأن الاسلام من أنه انتشر بالسيف، ومسألة تعدد زوجات النبي عليه الصلاة والسلام، ودعاوى أن القرآن مقتبس من اليهودية والمسيحية، وأن الإسلام قد انتهى، أو جاء لفترة محددة، وكل ذلك استوجب دراسة الإنجيل والتوراه بتمعن، والإطلاع على الأديان وتقديم المئات من المحاضرات والمناظرات والكتب، والرد على الأباطيل والشبهات، ونشر كتبه وشرائطه المجانية.

كما أنه حرص على الترجمة الإنجليزية لمعاني القرآن الكريم، واشتهر عنه ولعه بالقراءة في شتى المواضيع، من النسخ والتحريف والتثليث، وحقيقة القرآن والنبوة، والمواظبة على دعوته من خلال الرسائل التي ترد على مدار الساعة من بلدان العالم، لتصل مكتبه في ديربان، ويطلب أصحابها نسخاً من مناظراته ومؤلفاته، زد على ذلك زوار مسجده الكبير في ديربان، من الأجانب الذين يصل عددهم للمئات كل يوم، فيتم استقبالهم وضيافتهم من قبل تلامذته، ويتم إهداؤهم كتبه ومحاضراته ومناظراته، ولقاء ذلك ولجهوده نال جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام 1986، ويومها كانت نقطة التحول في حياة الشيخ يوسف، فانقلب لمؤازرة والده بعد جداله مع واحد من الدبلوماسيين.

مميزات العائلة ومناقبها

العصامية وبناء الثقافة ذاتيا، وخوض غمار الصدام مع العنصرية، والاهتمام الواضح بالقضية الفلسطينية، فكان نشر كتاب العرب وإسرائيل صراع أم وفاق؟ و تأسيس تيار دعوي يتعمق في نصوص الأناجيل، فكان أن أسلم الكثيرون، لما عرف عن الشيخ أحمد ديدات من فنون المناظرة، وتعدد كتاباته وعقده للمقارنات بين الدين الإسلامي وغيره، وهو يعد بحق من فرسان الدعوة الإسلامية، وأسد المنابر وقاهر المنصِّرين، والرجل ذو المهمَّة وفارس الدعوة، وقد انتهجت العائلة منحى جديدًا للدعوة، والتصدي للاسلاموفوبيا ومحاربة الأوهام الخاطئة المستشرية، وعرف عنها التواضع في الملبس والسلوك، والذكاء الاجتماعي، ودقة الملاحظة، ويوم وفاة الشيخ أحمد كما هو الحال يوم وفاة ابنه الشيخ يوسف بكاه الجميع وفي كل القارات، حتى القساوسة والمنصِّرين الذين رأوا فيه محاورا يقابل الاستفزازات بالحجة والبرهان.

علاقته بأبيه

اختلف يوسف مع أبيه، ولم يكن يحضر مناظراته في شبابه، إلا أنه سرعان ما انقلب ليصبح الظل الملازم له، حين وقف لجواره بوصفه الابن الأصغر الأقدر على قراءة وترجمة لغة عينيه إلى زواره، وتفسير تعليقاته وردوده، فما هي الحادثة التي استوجبت الرفقة؟ أصيب والده بجلطة في الشريان القاعدي في الشهر الرابع من عام 1996 نتيجة لمرض السكري، وترتب على ذلك دخوله في حالة نادرة، تسمى طبيا بحالة الحجز الداخلي، وفيها يكون الشخص مدركا لما حوله، غير قادر على التفاعل مع محيطه إلا عبر الإشارة، والتواصل مع الآخرين بواسطة حركات الجفون التي تتطلب وضع لوحة تشتمل على حروف الهجاء بالقرب منه، ومن جهته يشير بعينيه، وفي المقابل يشير ابنه الشيخ يوسف بإصبعه إلى اللوحة، والحرف الذي يرغب ديدات في اعتماده يشير له بأجفانه، فيكتبه، أما الحرف الذي لا يقصده فيشير له بتجاوزه، فينتقل لما بعده. 

الابن سر أبيه

خوفهم من منهج الابن في إثر أبيه، داحضا بالحجة والبرهان مناصرا للمظلوم، فأسكتوا لسانه، وهو الذي كان يجادلهم من كتبهم، تحت شعار إنه عليك امتلاك سلاح عدوك، وقد أدرك مغزى كلمة اقرأ في كتاب الله، فكان قارئا شغوفا بالاطلاع الواسع، فعزموا على إيقاف الصوت الدعوي، والنور المضيء الذى يهتدي به الناس فى دينهم ودنياهم. ونحن هنا مقابل انتقام منه ومن أبيه، لعدم مقدرة الخصوم على الرد على خطابه بالحجة والدليل والبرهان، فكل ما يملكه هو علمه ولسانه، ولم يعرف عنه مقاتلة الناس أو حمل السلاح، بل كان لينا في أساليبه وكلامه، تجاه هؤلاء الذين يزعمون الإنسانية كذباً وإدعاء وخيانة!

undefined

الشيخ أحمد ديدات

إن أشد ما أغاظ أعداءه هو ميراث هذه العائلة وافتخارها بالكثير مما قدمته للإسلام، وقد تتلمذ على خطاها الشيخ ذاكر نايك وابنه فاروق وأعداد كثيرة من طلبة العلم، وبالتالي حملت له أطراف خفية نوايا الشر، وأضمرت للإسلام ولأهله كل السوء، وعملت على تصفية حساباتها المؤجلة، في إطار حقدها على ما فعله لأجل دينه، وتخوفها من أن يستمر في منهجه هذا الذي يتميز بخصوصية فريدة في مخاطبة المشاكل الحقيقية للمجتمعات الأخرى.

لقد أرادوا تشويه سمعته بقولهم إن له آراء مثيرة تتعلق بالهندوسية والنصرانية، فوجهت له تهم كيدية وتلفيقات بأنه كان مؤازرا لأسامه بن لادن وتنظيم الدولة، وسقطت تلك الأكاذيب، وثبت أن منهج الشيخ وأساليبه في الإقناع أقوى من أسلحتهم، وبلاغته أقوى من أكاذيبهم.  وختاما ليس الشيخ يوسف ديدات أول داعية يقتل في سبيل الدعوة إلى الله، وصدق رب العزة ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ التوبة(32). رحم الله الشهيد يوسف ديدات ووالدة وموتى المسلمين، اللهم اغفر له وارحمة وأكرم نزلة وتقبلة من الشهداء يا أرحم الراحمين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.