شعار قسم مدونات

المرأة بين الأمومة والعمل

blogs مرأة

إن العمل أو الوظيفة ليست إلا وسيلة يحقق الإنسان من خلالها بعض الأهداف أو المكتسبات المادية التي تعينه ومن يعول على نوائب الدهر، لكنه يحدث أن يتحول العمل أحيانا لبعض الناس إلى هدف وغاية يحقق من خلالها طموحه في الحياة، إلا أن ما يُلاحظ في العصر الحديث وقد نبه عليه العديد من الفلاسفة أمثال إيريك فروم في غالب كتبه، هو أن الوظيفة أصبحت وسيلة لتعبيد الناس.

    

يخرج الناس أشتاتا في وقت واحد كل صباح، يهرعون إلى وسائل النقل والمواصلات، ثم يجلسون على المكاتب البائسة لا يتحركون إلى بإذن الأسياد، حتى إذا دق جرس الاستراحة انفضوا باحثين عن لقم تسد جوعهم ثم يرجعون مرة أخرى إلى أماكن العمل، وهكذا دواليك كل يوم طيلة خمسة أيام أو ست، في روتين قاتل، يسلب من الحياة قيمتها، بل ويسلب منا إنسانيتنا ليحولنا إلى آلات مقابل دراهم معدودة آخر الشهر، والذين يعرفون من أين تؤكل الكتف وهم أصحاب رؤوس الأموال تراهم يفهمون اللعبة جيدا، فيستحيل أن تجد أحدا منهم قد قيد نفسه في هذا الروتين اليومي القاتل، لأنهم يدركون قيمة الوقت وقيمة الحرية أولا.

   

كم من النساء اللواتي اعتزلن الوظيفة اليومية الروتينية، وواصلن مشوارهن العلمي وتميزن فيه عن الموظفات من خلال البحوث أو الكتب وغيرها

لهذا من استطاع أن ينجو بنفسه من هذا الروتين، فلا يبخل على نفسه، وإن كانت النجاة صعبة جدا، حيث أن الغالبية الساحقة تعمل وفق هذا النظام الوظيفي العبودي، والغالبية دوما إذا اشتركت في فعل شيء ما ستسعى جاهدة لطمأنة نفسها من خلال اعتبار أن ماهي عليه هو الصواب وكل دعوى تخالفه فهي الضلال المبين، فمن اضطر لدخول مثل هذا الميدان لجلب رزق لأولاده أو لأنه يرى في هذه الوظيفة طموحه في الحياة كمعلم أو طبيب فلا بأس عليه، شريطة ألا ينسى أن عليه السعي دوما للخروج منه وأن يؤسس عملا خاصا يحقق به طموحه ويؤمن رزقه ويحفظ حريته وأن لا يرضخ لضغط الغالبية عليه.

    

وهذا الأمر يشترك فيه الذكر والأنثى إلا أنه في حق الأنثى أشد وطأة، فالأنثى ما إن تصبح أما فيجب عليها ألا تقدم شيئا على تربية طفلها، خاصة في المرحلة الأولى حيث يكون بحاجة ماسة إلى عاطفة الأمومة والتي بدونها ينعكس سلبا على حياته في المستقبل، وإنك ستلاحظ في عالمنا العربي أن الوظيفة في أذهان الكثير من البنات أصبحت هدفا، حيث أنها تعتبر تعليمها لا يساوي شيئا إن لم تتوظف، وهذا خطأ كبير فالعلم وطلب المعرفة أمر في غاية السمو، وهي عملية تستمر مع الإنسان باستمرار وجوده. وكأن التي تصبح موظفة في مكتب أو سكرتيرة لدى مدير أرقى من التي تفانت في واجبها الأمامي المقدس، وربما أضافت عليه نشاطا إنسانيا وتعليميا وربما حتى تجاريا من خلال عمل خاص يحفظ لها حريتها.

  

وكم من النساء اللواتي اعتزلن الوظيفة اليومية الروتينية، وواصلن مشوارهن العلمي وتميزن فيه عن الموظفات من خلال البحوث أو الكتب وغيرها، وأنك لترى الأم الماكثة في البيت إذا سئلت هل تعمل؟ تجيب على استحياء أنها لا تعمل شيئا وأنها ماكثة في البيت، وذلك لأن المجتمع أصبح يعطي قيمة للمرأة العاملة أيا كان عملها، المهم أن تترك الأمومة لدور الحضانة، والحق أن المرأة الماكثة في البيت تعمل كل شيء بل هي تعمل في أقدس وظيفة ألا وهي واجبها الأمومي المتمثل في تربية الأبناء ورعاية البيت، لهذا ينبغي أن تقولها مفتخرة لا على مضض، ومن غير المنطق أن نفضل امرأة أهملت بيتها لترعى مكتبا في شركة يستفيد منها رأسمالي له زوجة تربي أبناءه وترعاهم.

 

إذا التحرر من وظائف العبودية يشمل المرأة والرجل معا، ولكوننا نعيش تحت ظل دين يدعى الإسلام وفيه أن الرجل هو من يجب عليه السعي للبحث عن الرزق وتوفير النفقة للمرأة، فإن المرأة في المقابل واجبها رعاية البيت وتربية الأبناء هذا كأصل عام، وهناك استثناء يفرضه الواقع يدفع أحيانا المرأة للعمل، كأن يكون الواقع قاسيا ولا تستقيم الحياة من الناحية المادية إلا بتعاون كل من المرأة والرجل، أو كأن تبتلى المرأة بذكر لا كالرجال يظلمها، فتضطر إلى الوظيفة حماية لنفسها، أو يكون في الوظيفة طموح وأهداف تخدم الدين و المجتمع والوطن، وتسعى من خلالها إلى تحقيق إنجازات تخلد في صحائف حياتها، على أن الشرط في كل هذا أن تسعى جاهدة للتوفيق بين واجبها الأمومي وعملها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.