شعار قسم مدونات

اليمن مصنع الطغاة والمستأثرين بالحكم

blogs غزو

يشاع في الأوساط اليمنية أن اليمن مقبرة الغزاة غير أني أحسب أن اليمن مطمع الغزاة أو بتعبير أدق اليمن مصنع الطغاة والمستأثرين بالحكم فاليمن طوال تاريخها الطويل كانت بلد الحروب والصراعات فلم تخلو فترة زمنية في اليمن من صراع واحتراب وسيتبين لنا خلال هذه السلسلة من المقالات أن مرد أغلب هذه الصراعات إلى التنازع على السلطة والرغبة في الحكم بفعل لعنة الجغرافيا التي أصابت اليمنيين وتعدد مراكز القوى السياسية وغلبة النزعة القبلية بين غالبية سكان اليمن والأطماع الفردية التي كانت تساهم بشكل فعال في تحديد هوية الحكم في اليمن وكذلك الروح الاستقلالية المتمردة عند اليمنيين.

     

ففي سنة 204هـ بعث العباسيون محمد بن عبد الله بن زياد والياً على اليمن فبسط نفوذه باسم العباسيين بعد حروب شديده واختط مدينة زبيد واتخذها عاصمة لولايته ثم مدّ ولايته بدعم من العباسيين حتى وصل إلى شمال تهامة وعدن وأبين والشحر وحضرموت ونجران ومخلاف الجند ومخلاف جعفر ووالاه أمراء صنعاء وما حولها وخطب له فيها بعد العباسيين وبعد أن توفي سنة 245هـ خلفه ولده إبراهيم الذي طمع بالحكم مستغلاً انقسام العباسيين فحد من علاقته بهم وركب المظلة وتشبه بالملوك ومن مفارقات الدهر أنه في فترة حكم أبو الجيش إسحاق بن إبراهيم بن محمد بن عبدالله بن زياد المتوفى سنة 371 الذي يعد الأمير الرابع للدولة الزيادية استقل كثير من النواب والولاة عنه رغبة في الحكم فبني معن الحميريون استقلوا بعدن ولحج وحضرموت ومنعوا الإتاوة التي كانوا يؤدونها وكذلك سليمان بن طرف الحكيمي استقل بالمخلاف السليماني المنسوب اليه في شمال تهامة ومعظم لواء جيزان واستقل الأمير يعفر بن أحمد الكرندي بمخلاف المعافر واستقل جعفر بن إبراهيم بن ذي المنار المناخي بمخلاف جعفر وقد كانت نهاية الدولة الزيادية التي انحصرت في تهامة عجيبة حيث تصارع عليها الموالي وأشهرهم نجاح ونفيس ومرجان وقد تصارعا على الحكم ثلاث سنوات متتالية صار الأمر فيها لنجاح ومن هنا بدأت فصول الدولة النجاحية من تهامة.

    

وفي عهد الخليفة المعتمد العباسي سنة 256 أسند أمر نجد اليمن (صنعاء وأعمالها) إلى الأمير محمد بن يعفر بن عبد الرحيم الحوالي فخطب للعباسيين وللأمير إبراهيم بن محمد بن عبيد الله بن زياد حاكم تهامة فأضفى على حكمه الصفة الشرعية إلا أن ولده إبراهيم بن محمد بن يعفر قتل أباه وعمه بحسب الروايات التاريخية بأمر من جدة رغبة في الاستقلال عن الدولة العباسية فكانت الدولة اليعفرية التي استمرت حتى سنة 392هـ وقد شهد عهدها مجموعة من الاضطرابات واقتتال في صنعاء وضواحيها بين اليعفريين والزياديين وآل الضحاك وجعفر بن إبراهيم بن ذي المنار المناخي والدعام الأرحبي والمذحجيين وأتباع الوالي العباسي علي بن الحسين الملقب بجفتم ومن بعدهم القاسم العياني والصليحين وغيرهم من الطامعين في السلطة، ومن أبرز الأمثلة التي يمكن إيرادها هنا على أن اليمن مهوى فؤاد كل طامع بالسلطة والحكم ما صنعه علي بن الفضل الجيشاني الذي بدأ دعوته من الجبال الشرقية لبلاد يافع تحت ستار الزهد والتقشف والتدين حتى استتب له الأمر بمساعدة أبي القاسم الحسن بن حوشب الكوفي وقد كان في بادئ الأمر داعياً للخليفة الفاطمي حتى أعلن انفصاله عنهم سنة 299هـ واستقلاله بالحكم.

  

وتوفي السلطان طغنكين سنة 593 فتولى بعده ولده المعز وكان المعز هذا قد تحول الى المذهب الشيعي وأدعى الإمامة وانتسب الى بني أمية ولبس ثياب الخلفاء ذوات الأكمام الطويلة

وبعد وفاة علي ابن الفضل وتمزق دولته بقي أبو القاسم الحسن بن حوشب الكوفي حاكماً في مسور حجة باسم عبيد الله الفاطمي حتى توفي سنة 302 ثم خلفه عبدالله بن عباس الشاوري فوصل له أمراً بالإمامة من الخليفة الفاطمي فاحترب مع الأئمة الزيدية حتى عقد صلحا معهم سنة 310 بيد أن أبا الحسن بن حسن بن حوشب كان يريد الولاية فلما صارت للشاوري أضمرها في نفسه وظل يتحين الفرص وبالرغم من تحذير أخيه جعفر بن الحسن بن حوشب من مغبة ذلك الا أنه قتله غيلة سنة321 وأستولى على الأمر وأعلن قطع الدعوة الفاطمية وتحوله الى أهل السنة وتتبع دعاة الفاطمية لكن الناس استرابوا منه فتحينوا له الفرص حتى نزل مرة من مقره في جبل مسور الى جبل عبر محرم فوثب عليه نائبه فيه ابن العرجاء وقتله واقتسم حكم البلاد في مغارب اليمن من لواء حجة مناصفة مع نائب أبي الحسن في جبل مسور ابراهيم التباعي كل على ما هو تحت يده ونفوذه وتتبعا بقية دعاة الفاطمية في المنطقة فنكلا بهم.

  

ولما كانت سنة 569هـ كانت الأوضاع في اليمن مضطربة وكانت الدولة الأيوبية في أوجها فبعث صلاح الدين أخاه توران شاه للسيطرة على اليمن وضمها إلى دولته فكان له ذلك وفي سنة 571هـ رجع إلى الشام وولى على اليمن عددا من نوابه فاستطاع واليه على عدن أن يمد نفوذه الى حضرموت ورجع علي بن حاتم إلى صنعاء وطرد منها واليها من قبل توران شاه وصار نوابه يرفعون اليه فائض موارد ولاياتهم في اليمن الى الإسكندرية حيث كان صلاح الدين قد عهد اليه بالإسكندرية وأبقى له ولايته على اليمن حتى مات سنة 576هـ، فلما توفي استقل كل وال بما تحت يده وضرب السكة باسمه وحرم على أهل ولايته التعامل بغيرها فلما علم السلطان صلاح الدين الأيوبي بذلك أرسل حملة عسكرية بقيادة الأمير سيف الدين خطلبا لإعادة نفوذ دولته فاستتب له الوضع في زبيد لكنه مرض بعد فترة وجيزة وتوفي بها فأرسل صلاح الدين أخاه الطغتكين بن أيوب سنة 579 فصادر أموال الولاة المتنفذين وعاقبهم وبسط نفوذه وأعاد هيبة الدولة واستقرت له الأوضاع.

   

وتوفي السلطان طغنكين سنة 593 فتولى بعده ولده المعز وكان المعز هذا قد تحول الى المذهب الشيعي وأدعى الإمامة وانتسب الى بني أمية ولبس ثياب الخلفاء ذوات الأكمام الطويلة وجعل شعاره اللون الأخضر وقطع الخطبة لبني العباس وراسل عمه العادل أبا بكر بن أيوب بذلك فأرسل اليه موبخا ومهددا لكنه لم يرعوي واستمر على فعله وتلقب بإمام الأئمة وكاشف الغمه وعالي الهمة والمفترض الطاعة على كافة الأمة المستخرج من السلالة الطاهرة النبوية فرع الشجرة الإمامية الأموية المعز الناصر العزيز القاهر الرحيم القادر الحليم الذاكر سيد الموحدين الحاكم بكتاب الله وسنن رسول الهادي الى الحق بأمر الله أمير المؤمنين المعز اسماعيل بن طغتكين بن شادي بن مروان الأموي خليفة رب العالمين صلوات الله عليه وبركاته فكانت هذه من بركات اليمن وعجائب من يتولى الأمر فيها.

   

ولما قتل المعز على يد مماليكه سنة 598هـ استلم زمام الحكم الأمير الطفل الناصر بن المعز والذي قام بإدارة شؤون الحكم نيابة عنه الأمير الأتابك سيف الدين سنقر الذي كان على وشك التحالف مع الإمام عبدالله بن حمزة منازعة لحكم المعز وحين توفي سنقر سنة 608هـ قام بالأمر بعده الملك الناصر بن المعز نفسه وعين بدرالدين بن جبريل خلفا لسنقر الا أن الملك الناصر توفي مسموما سنة 611 على يد بدر الدين هذا ثم اضطربت الأمور في اليمن وتتابع الصراع بين الولاة والأمراء على الحكم فبعث الملك العادل أبو بكر بن الملك الكامل بن أيوب ولده الأمير المسعود صلاح الدين يوسف فاستتب له الوضع ثم عين أمراء أربعة من أسرة بني رسول التركمانية حسن وموسى وعمر وأبو بكر إلا أنه خاف منهم أن يستقلوا بالحكم دونه فاعتقلهم سنة 624 وأرسل ثلاثة منهم مكبلين الى مصر عدا عمر فقد أبقاه لثقته به ثم أنابه بدلاً عنه على اليمن جميعها ورجع إلى مصر سنة 626 لدعوة أبوه له ليوليه الشام فأقعده المرض في طريقه بمكة وتوفي فيها.

   

أشاع الأمير نورالدين عمر بن رسول أن الملك المسعود أوصى له بالحكم قبل سفره لأحقيته به بل وحرضه على قتال أي كان يريد الحكم ولو كان أبو المسعود نفسه مطويا في كتاب وكان الأمير بدرالدين عمر بن رسول يرسل بهدايا وأموال كثيرة الى مصر تعبيرا عن ولائه للدولة وخلال سنتين من حكمه تصرف باسم الأيوبيين لإضفاء صفة شرعية لحكمه فغير الولاة بولاة يثق بهم ويركن إليهم باسم الأيوبيين وفي سنة 629 وقيل سنة 630 أعلن استقلاله عن الأيوبيين ولم تستطع الدولة الأيوبية تحريك ساكن آنذاك لتشرذمها وتلقب بالملك المنصور وأصدر أمر بالدعوة له في الجمع والعيدين وهذه كانت بداية الدولة الرسولية. وللحديث بقية في مقالات قادمة بإذن الله

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.