شعار قسم مدونات

الطرف الثالث في الصراع الأمريكي الإيراني

blogs ترامب

المتابع للأحداث الجارية في المنطقة خلال الأشهر القليلة الماضية يجد أن ما حدث قبل أيام هو أمر طبيعي في خضم الصراع على النفوذ في المنطقة بين أمريكا وحلفائها من جهة وإيران وحلفائها من جهة أخرى، فمنذ شهور ونحن نسمع التصريحات والتهديدات من كلا الطرفين ولكن الحقيقة التي يجب الوقوف عندها هي أن أطراف النزاع غير مستعدة للدخول في مواجهة مباشرة، فأمريكا ترى ترحيل الأزمة إلى ما بعد انتخابات ٢٠٢٠ لتضمن الإدارة الأمريكية الخروج بقرارات حازمة تجاه إيران بعيداً متاعب الديمقراطيين، وإيران ترى أن الدخول في مواجهة مباشرة مع أمريكا في الوقت الحالي سيقضى على حلمها في تصدير ثورتها وبالتالي القضاء على إمبراطوريتها الفارسية التي طالما حلمت باستعادتها والسيطرة على أجراء واسعة من المنطقة..

تصاعدت الأزمة عند اغتيال الولايات المتحدة للرجل الثاني في النظام الإيراني قاسم سليماني كضربة استباقية لما قالت عنه أمريكا تحضيراً إيرانياً لشن هجمات ضد قواتها ومصالحها في المنطقة عبر وكلائها في العراق وثأراً لمقتل متعهد أمريكي خلال هجوم كتائب حزب الله التابعة للحشد الشعبي المدعوم إيرانياً على قاعدة K1 الأمريكية في كركوك، وهنا قررت الولايات المتحدة الإسراع بالدخول في هذه المواجهة ليحدث بعدها الرد الصاروخي الإيراني الذي رأيناه قبل أيام.

منذ اليوم الأول لاغتيال قاسم سليماني بدأت وساطات التهدئة بين الطرفين والتي كان يرغب بها كلا الطرفين وكان لابد من الخروج بسيناريو يرضي الجميع، رسائل تم تناقلها عبر وسطاء قد نتجت عنها توافقات سياسية وعسكرية كانت آخرها الرد الصاروخي الإيراني المحدود

أمريكا كانت على علم مسبق بالضربة الإيرانية وقد صرحت قبل أيام بأن هناك قواعد لصواريخ باليستية إيرانية تم نشرها في مواقع داخل إيران، لذا أخذت القوات الأمريكية احتياطاتها ونقلت عدداً من قواتها إلى قواعد أخرى وهذا يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن تسريب الرسالة التي تحدثت عن إعادة تمركز القوات الأمريكية في العراق كانت "خطأً مقصوداً" لكسب الوقت وتبرير تحليق الطائرات الأمريكية في العراق ونقل الجنود والمعدات براً.. ربما يتساءل البعض، لما لم ترد المضادات الأرضية الأمريكية على الصواريخ الإيرانية وهي من أفضل المضادات في العالم؟

كان هناك اتفاق مع طرف ثالث على تسريب العملية من ناحية حجم الضربة وأماكنها فهي لم تسفر عن سقوط ضحايا أمريكيين بحسب البنتاغون أو عراقيين بحسب الحكومة العراقية، وبالتالي هي ضربة لحفظ ماء وجه النظام الإيراني أمام أنصاره وإيذاناً ببدء مراسم دفن قاسم سليماني في مسقط رأسه كرمان كما وعد الحرس الثوري الإيراني، وما يفسر ذلك هو إعلان البيت الأبيض عن عدم إلقاء ترمب لخطابه بعد أن تم تأكيد ذلك في اللحظات الأولى من الهجمة، فالخسائر البشرية الأمريكية هي التي تحدد طبيعة الرد الأمريكي وكما أعلن ترمب عن ذلك مراراً.

كانت أمريكا أكبر المستفيدين من هذه العملية فهي الآن في طور الفحص والتقييم لجميع ما حصل، فالصواريخ الإيرانية لم تكن دقيقة بما يكفي وبعضها سقط في مناطق أخرى غير مأهولة بعيداً عن أهدافها المقصودة إضافة إلى أن الصور المنتشرة لأجزاء الصواريخ التي سقطت أثبتت أنها غير متطورة مقارنة بالصواريخ الأمريكية الدقيقة وهذا ما سوف تستفيد منه أمريكا وإسرائيل لمعرفة القدرات الصاروخية الإيرانية عن كثب والاستعداد لمواجهة لاحقة..

فمنذ اليوم الأول لاغتيال قاسم سليماني بدأت وساطات التهدئة بين الطرفين والتي كان يرغب بها كلا الطرفين وكان لابد من الخروج بسيناريو يرضي الجميع، رسائل تم تناقلها عبر وسطاء لم نسمع عنها في الإعلام قد نتجت عنها توافقات سياسية وعسكرية كانت آخرها الرد الصاروخي الإيراني المحدود. وفي النهاية تجدر الإشارة إلى أن ما حدث كان ثمرة الوساطة القطرية وجهود وزير خارجية قطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في احتواء الأزمة وقد استفادت منها جميع الأطراف وتم ترحيل المواجهة الحتمية إلى مناسبة أخرى علمها عند الله فقط..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.