شعار قسم مدونات

عذرا أيها الفقراء.. صناديق الزكاة فارغة

blogs فقراء

كاد أن يكون اليوم الأول من شهر محرم من كل سنة عيد للمسلمين عامة وللفقراء خاصة، فقد ارتبط هذا الشهر بأداء الركن الثالث في الإسلام وهو ركن الزكاة، وذلك بعد أيام من أداء الركن الخامس وهو حج بيت الله الحرام في ذي الحجة حيث فرح جميع المسلمين مع الحجاج الميامين، وقبله بأيام تم أداء الركن الرابع وهو صيام شهر رمضان، وكذلك كان ختامه عيد فرح فيه جميع المسلمين، غير أن محرّم في أوله ليس في الواقع سوى مناسبة دينية وعطلة رسمية في بعض البلدان الإسلامية، أما معانيه السامية فقد افتقدناها للأسف حتى أصبحنا لا نرى في أول محرم سوى انه رأس السنة الهجرية، نحتفل به كما يحتفل المسيحيون برأس السنة الميلادية.

  

في عالم الاقتصاد، رأس السنة هو يوم تفتح فيه ميزانيات السنة الجديدة وتغلق فيه ميزانيات السنة الماضية، لتبدأ أدوات الجرد والمحاسبة تشتغل، وكان الأمر كذلك عند المسلمين في التاريخ الإسلامي، ولهذا كان موضوع الزكاة مرتبط بهذه المناسبة في أغلب الأحيان، حيث يحول الحول على المال، فيقوم المسلم بعمليات الجرد والمحاسبة ويخرج الحق المعلوم من ماله ويسلّمه لبيت مال المسلمين تحت إشراف الدولة.

 

وضع المجتمعات الإسلامية وصل إلى درجة لا تطاق من الفقر، والفقير حسب معيار الأمم المتحدة هو من يتقاضى أقل من 3.2 دولار في اليوم، وتجتهد وفق برامج محدد في القضاء على الفقر في آفاق 2030

هذه العملية لها قيمة كبيرة في المجتمع المسلم، وتستحق أن تكون عيدا لأنها مرتبطة بأداء ركن من أركان الإسلام، ركن تنعكس فائدته على شريحة كبيرة من الناس عكس الأركان الأربع الأخرى التي لا يستفيد منها إلا أصحابها بعد أداءها. فما الذي جعل أركان الإسلام قائمة وأداءها ناجح، ماعدا ركن واحد لم يعرف طريقه إلى التجسيد الفعلي عند أغلب المسلمين وهو ركن الزكاة، فالشهادتان تنطق بهما الألسن، والصلاة تقام في المساجد والمنازل، والصيام يترقب هلاله الجميع، والحج بالملايين، إلا الزكاة ظلت كاليتيمة تبحث عن بيت يأويها وعامل يرعاها.

 

هل لأن موضوع الزكاة له علاقة بالمال في حين الأركان الأخرى لا تتطلب المال ما عدا الحج الذي جعله الله لمن استطاع إليه سبيلا؟ وبالتالي سقط المسلمون في اختبار المادة، ثم من المتسبب في وجود هذا التناقض في العالم الإسلامي، المال موجود لدى الأغنياء، والفقراء يجوبون الشوارع، لكن المال لا يخرج من جيوب الأغنياء ولا يصبّ في جيوب الفقراء، حتى أصبح الفقر ظاهرة لصيقة بالمجتمعات الإسلامية، وأصبحت مناظر الفقراء وهم يقتاتون من المزابل قبالة المساجد من الظواهر المألوفة عند المسلمين.

 

هل السبب تتحمله الأنظمة المسلمة التي جعلت من الزكاة مجرّد شعيرة يؤديها الفرد حسب هواه وليست نظاما ماليا له ركائز المؤسسة المالية التي تشتغل باستقلالية تامة عن السلطة، أم السبب يتحمّله المسلم الذي لا يثق في مؤسسات الزكاة الموجود كجزء من عدم ثقته في سلطته السياسية، فلا يدفع لها المال ظنّا منه انه لن يذهب إلى مصارفه الشرعية وإنما إلى جيوب مشبوهة كشبهة الحاكمين؟ ثم هل يدفع المسلم زكاته فيقوم بتوزيعها بنفسه على من يعرف من الفقراء من أقاربه وجيرانه؟ وهل هذه الطريقة ناجعة تؤدي مقاصد فريضة الزكاة وتبلغ أهدافها السامية التي نزل أمرها من فوق سبع سماوات؟

 

أسئلة كثيرة تجعل المسلم في حيرة من أمره، فوضع المجتمعات الإسلامية وصل إلى درجة لا تطاق من الفقر، والفقير حسب معيار الأمم المتحدة هو من يتقاضى أقل من 3.2 دولار في اليوم، وتجتهد وفق برامج محدد في القضاء على الفقر في آفاق 2030، وقد وضعت العديد من البلدان الإسلامية على قائمة أهدافها، فهل يعقل أن يترك المسلمون الحل المنزل في القرآن الكريم بصيغة الأمر الواجب التنفيذ لننتظر مقابل ذلك فتات الأمم من الصدقات المشروطة التي تفتح أبواب التدخل في الشؤون الداخلية لهذه البلدان بما ينهب ثرواتها الخامة ويمنعها من الوقوف على رجليها.

 

ويبقى السؤال الكبير والمطروح: ما الذي يمنع من إحياء فريضة الزكاة، أليست طبيعة الأنظمة أنها تبحث دوما عن مصادر للمال، وكثير ما يحدث هذا الأمر مشاكل سياسية في البلدان الغربية، في حين محظوظة الأنظمة الإسلامية أن هذا المصدر له غطاء عقائدي ديني رفيع القيمة الى درجة انه أحد الركائز والأعمدة التي بني عليها الإسلام، ولكن رغم ذلك لا يعطى له قيمته المستحقة من الاهتمام، ولا يدرج ضمن الأولويات في عمل الحكومات، وتظل ميزانياتها تعاني من وطأة التحويلات الاجتماعية وعبئها، وكان بإمكان فريضة الزكاة إن تسدّ هذا الثغرة وتتفرغ السلطات للتنمية الاقتصادية.

   

العالم الإسلامي اليوم مقسما إلى دويلات صغيرة ورغم ذلك عجز حكامها على القضاء على الفقر في حدود أراضيهم وأهانوا الشريعة الإسلامية وفريضة الزكاة في حدود سماءهم

الأرجح في هذا الموضوع أن الزكاة تعاني التهميش والفوضى لأسباب سياسية، فالزكاة هي إحدى ركائز الشريعة الإسلامية، في حين الكثير من الأنظمة تحاول أن تظهر بمظهر الدولة المدنية العلمانية التي تفصل الدين عن الدولة، فهل أدرك هؤلاء أن الزكاة تقوم على مبدأ فصلها عن كل سلطة، حتى لا تتسخ بأوساخ السياسيين، وتحافظ على ثقة المزكّين، لأن الأصل أن يكون بيت الزكاة مؤسسة مالية مستقلة، تدفع أعباء موظفيها من موارد الزكاة لأنهم يدخلون ضمن مصارف الزكاة باعتبارهم صنف العاملين عليها، ويتفرّغ هؤلاء العاملين لجمع الزكاة من الأغنياء وجمع ملفات الفقراء ودراستها وإعطاء كل من يستحق نصيبه على مدار العام.

 

إن أسباب الفقر في العالم هو سوء توزيع الثروة، ومهما ارتكزت هذه الثروة في أيدي قليلة أو كثيرة فان نصيب الزكاة منها يبقى ثابت ومعلوم ومقدّر سلفا، وأن الكتلة المالية المتداولة في العالم الإسلامي تقدر بآلاف المليارات من الدولارات، وهي أموال تستوجب دفع استحقاقات الزكاة، وحسب الخبراء فان نسبة 2.5 بالمائة المفروضة كفيلة بالتخفيف من وطأة الفقر بين المسلمين، وأن جزء من هذه الأموال يمكن منحها كمشاريع مصغّرة تحقق دخلا محترما للفقير على مدار السنة، كفيلة أن تخرجه من دائرة الفقر وتدخله دائرة الغنى في المستقبل، لكن الواقع أن هذه الأموال الضخمة لا ينتفع المسلمون منها ولا من زكاتها، وإنما خزّنت في بنوك الغرب لينتفع مواطنوه من فوائدها وضرائبها.

 

إن الزكاة لم تعد فريضة فحسب، بل أضحت تاريخا تفضح عجز الآخرين لحل مشاكل شعوبهم مقارنة بالأولين، فإذا كان العالم الإسلامي اليوم مقسما إلى دويلات صغيرة ورغم ذلك عجز حكامها على القضاء على الفقر في حدود أراضيهم وأهانوا الشريعة الإسلامية وفريضة الزكاة في حدود سماءهم، فان التاريخ يفضحهم بأن العيب فيهم وليس في الفقر، وعمر بن عبد العزيز الذي حكم أرضا تمتد من الصين شرقا إلى أوروبا غربا استطاع أن ينظّم هذه الفريضة ويغني آخر فقير في العالم الإسلامي، ويحقق فائضا من مال الزكاة لم يجد من هو في حاجة إليه، حدث ذلك خلال حكم عامين من الزمن فقط، كيف لا والأمر منزل من السماء؟ فهل جرّبنا ذلك؟ طبعا لم نجرّب ولا أدري ما السبب.. إن أمر الزكاة يدعوا إلى الحيرة في عالمنا الإسلامي، فوحدها من بين فرائض الإسلام تحاصر ويضيق عليها الخناق، هل ذلك مرتبط بإرادة خارجية تمنع ذلك على المسلمين تطبيق شريعتهم؟ يبقى السؤال مطروحا ما بقي اللغز قائما.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.