هل تعلم أن أربعة ملايين برميل تكفي لضمان نمو متناسق لكل متطلبات السعودية ولكن ما تنتجه السعودية ابتداء من 1981، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية يتم تسويق النفط السعودي بأسعار تقل عن سعر السوق رغم الطلب الشديد على النفط السعودي في الأسواق الصناعية في أوروبا وآسيا وأميركا، والسؤال هنا: ما الذي يدفع الحكومة السعودية إلى بيع نفط البلاد بسعر يقل عن السائد في الأسواق العالمية ولصالح من يتم حرمان الشعب السعودي من فارق أسعار نفطه المبيع في أسواق العالم؟
الإجابة هي أن الحكومة السعودية تقدم النفط هدية للشركات الأميركية مقابل المحافظة على ملكهم. فمنذ 1977 يباع النفط السعودي بأسعار أقل من غيره بحوالي 20 مليار دولار سنويا. أرامكو التي تعتبر الثقب الأسود السعودي تحتكر تسويق النفط الخام السعودي والسوق الرئيسي لهم هي الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين وتنعي المملكة هذا الحصر السوقي إلى أن حوالي ثلثي عائدات النفط السعودي يتم استخدامها لشراء السلع المختلفة للتجهيزات والاستهلاك والتسليح والخدمات المتنوعة من الشركات الغربية المزودة للسعودية.
أرامكو تعتبر من أهم مراكز صنع القرار في المملكة ليس على الصعيد الاقتصادي فحسب بل وعلى الصعيدين السياسي والعسكري أيضا رغم أنها قد تنازلت شكليا عن حقها في أسهم هذا المشروع الضخم لصالح المملكة |
تحتفظ الولايات المتحدة بحصة الأسد من السوق السعودي حيث إن 30 بالمائة من المستوردات المدنية السعودية مصدرها الولايات المتحدة ولكن عند إضافة المستوردات العسكرية السعودية والتي لا تسجل عادة في الإحصاءات الرسمية رغم أن قيمتها تقدر بعشرات المليارات سنويا فإن حوالي 70 بالمائة من إجمالي واردات المملكة السعودية تأتي من الولايات المتحدة وهو ما يفسر حرص الأميركيين على مواصلة رفع سقف الإنتاج النفطي السعودي لتغطية الأثمان المتزايدة للصادرات الأميركية للسعودية. حيث أن أكثر من 300 شركة أميركية ومنها شركات صناعية عملاقة تتقاسم معظم العقود في القطاعات المفصلية كالدفاع والكهرباء والبترول والغاز وصناعة الحديد والبتروكيماويات. وقد تضاعف هذا العدد بعد اتباع محمد بن سلمان سياسات الانفتاح الجديدة على السوق الأمريكية.
وهنا تتبنى المملكة فلسفة غريبة جداً مفادها إذا قامت المملكة برفع أسعار النفط السعودي ففي المقابل أسعار المنتجات الأمريكية ستكون غالية أيضا لذلك تسعى المملكة دوما من خلال أرامكو لتخفيض أسعار النفط في السوق العالمي سواء بإغراق السوق بالنفط الخام أو بتخفيض السعر مباشرة. وتجدر الإشارة هنا التالي:
1- المملكة السعودية هي أكبر بلدان العالم استهلاكا المنتجات الغربية.
2- تضمن المملكة للشركات الأجنبية التي تقوم باستثمارات في السعودية قروضا بدون فائدة تصل إلى نسبة 50 بالمائة من كلفة المشروع.
3- تقدم المملكة للشركات الأراضي والماء والكهرباء بأسعار رمزية وتتحمل الدولة نفقات التأهيل المهني.
4- تعفي المملكة الأجانب الذين يوظفون أموالهم من الضرائب لمدة خمس إلى عشر سنوات وتخولهم الحق بإخراج أرباحهم ورساميلهم بكاملها.
أرامكو تعتبر من أهم مراكز صنع القرار في المملكة ليس على الصعيد الاقتصادي فحسب بل وعلى الصعيدين السياسي والعسكري أيضا رغم أنها قد تنازلت شكليا عن حقها في أسهم هذا المشروع الضخم لصالح المملكة إلا أن حجم هذا التنازل وشروطه وسعره ما تزال من أسرار العلاقة الغامضة التي تربط بين آل سعود وشركة أرامكو. نعلم جميعاً أن معظم الدول المنتجة للنفط والمنتمية لمنظمة أوبك هي من الدول النامية وتلعب المملكة دور استراتيجي في تخفيض أسعار النفط بصورة دراماتيكية سواء لزيادة كمية الإنتاج أو غيره وهنا فإن الخاسر الوحيد هي الدول المنتجة للنفط رغم معرفة المملكة أن العائدات النفطية يشكل مصدر الدخل الأساسي للاقتصاد القومي لهذه الدول. وهنا ندرك مدى الضرر الذي تسببه المملكة بتلك الدول ومدى إضرار اقتصادياتها الوطنية ومشاريعها التنموية.
بحسب كتاب حقائق العالم الصادر عن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية تنتج المملكة 155500000 برميل يوميا ونسبة إلى عدد سكان المملكة 30 مليون بحسب الإحصاءات الأخيرة والذي يعني أن الممكله تنتج يوميا 5 براميل نفط لكل مواطن سعودي. وهنا يتضح الانتاج المخيف بل والتدميري لخيرات البلاد فقط من أجل تخفيض أسعار النفط عالمياً وبلغة أخرى هي رسالة للعالم حتى وإن أوقف العالم انتاج النفط تستطيع المملكه تغطية احتياجات السوق. الكارثة هنا ليست على المملكة فقط بل على الدول الأخرى في منظمة أوبك وخاصة تلك التي يبلغ تعداد سكانها أضعاف تعداد السكان في جزيرة العرب بينما يقل إنتاجها النفطي كثيرا عن معدل إنتاج السعوديين. مثال ذلك مصر والجزائر ونيجريا وإيران والمكسيك وفنزويلا وغيرها.
انخفاض أسعار النفط دفعت ثمنه الدول الأخرى حيث دفعت الشعوب في تلك الدول من قوت شعوبها ومن مستقبلهم ثمن تواطؤ المملكة مع الغرب لزيادة إنتاج النفط وخفض أسعاره. والتي بالمقابل رغم تدني أسعار النفط فإن أسعار السلع التي تصدرها الدول الغربية للعالم الثالث قد ارتفعت بصورة مذهلة خلال العقود الثلاثة الأخيرة وأصبحت قدرة الدول العربية المنتجة للنفط على استيراد احتياجاتها من الدول الصناعية باتت أصعب يوما بعد يوم رغم ارتفاع الإنتاج العالي من النفط بنسبة ثلاثة أضعاف خلال هذه الفترة وهي ما تزال تواصل ارتفاعها بينما جمدت أسعار النفط بسبب تآمر المملكة.
أرامكو هي من تحتكر حقوق استخراج وتكرير وتسويق النفط المستخرج من المملكة وتقدر بعض المصادر حجم التوظيفات السنوية لشركة أرامكو في السعودية بحوالي أربعين مليار دولار. واللجوء إلى التقديرات في هذا الموضوع الخطير ناجم عن عدم توفر أرقام رسمية معلنة حول حجم تلك التوظيفات حيث إن عقود التوظيفات للشركة يتم إبرامها بعقود سرية بين العائلة الحاكمة وشركة آرامكو. وهنا يتضح تعريب مفهوم الثقب الأسود حيث تسعى المملكة لإبرام عقود شراء السلاح الأمريكي بحجة الأمن والدفاع ويقابله زيادة كميات النفط المستخرجة لتغطية النفقات بحيث تغطي صادرات الأسلحة التي تقدر بعشرات المليارات من الدولارات سنويا دون الإعتراف بأن التهديد الحقيقي الذي استوردت هذه الأسلحة لمواجهته هو التهديد الداخلي الناجم عن تراكم تجاوزات آل سعود ومظالمهم المرتكبة بحق شعب الجزيرة العربية وخوفهم المتزايد من نقمة هذا الشعب وانتفاضته ضد تسلطهم وقمعهم ونهبهم المتزايد لثروات البلد ومقدراته.
ويبتدي دور شركة أرامكو في كل التطورات السابقة في أنها تتولى عملية الإستخراج والتصدير وبالتالي فهي تحرص على استخراج وتصدير أكبر كميات ممكنة من النفط السعودي لزيادة حصتها من الأرباح والنهب الذي تتقاسمه مع العائلة الحاكمة ولذلك تقوم أرامكو نفسها بالتوسط لعقد المزيد من صفقات الأسلحة لصالح آل سعود من أجل استنزاف الاحتياطي النقدي المتوفر في البلد ليظل باستمرار مضطرا إلى رفع سقف إنتاجه النفطي وإرادته المتزايدة من الأسلحة الأميركية. فحسب تقديرات أوساط حكومية سعودية فإن المملكة تخصص سنويا بين 40 و60 مليار دولار من عائدات النفط لشراء المواد والتجهيزات وللتدريب وللإنفاق على القوات المسلحة بما في ذلك الحرس الوطني وللسخرية في كل هذا الوضع أن خبراء البنتاغون يقدرون أنه في كل الحالات لا يمكن الدفاع عن المنشآت النفطية في المملكة إلا بإرسال قوات أميركية. لكن ما هو أكثر سخرية هو ما يوجهه الانهيار السعودي أمام بساطة الأسلحة اليمنية المستخدمة في الحرب الحالية ضد اليمن.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.