شعار قسم مدونات

ضربات بقيق وخريص.. هل أوجع الحوثيون السعودية بضوء أخضر أمريكي؟

BLOGS أرامكو

أكثر من أربع سنوات مرت على تدخل ما يسمى بالتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية في اليمن بذريعة دعم الشرعية الممثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي والقضاء على جماعة الحوثيين في الخامس والعشرين من شهر مارس آذار لعام 2015. أعلنت السعودية وقتها بأن المعركة بسيطة وأنها لن تطول أكثر من أسبوعين، إلا أننا على أرض الواقع نعيش سنتها الخامسة دون أن نرى حتى ولو ضوءا صغيرا في آخر النفق. فالسعودية و"حليفتها" الإمارات العربية المتحدة لم تستطع في الحقيقة أن تقتلع الحوثي ولا أن تدفعه حتى للاستسلام.

 

بل على العكس من ذلك، نرى بأن جماعة الحوثي، المدعومة إيرانيا، تحولت من الدفاع إلى الهجوم. فقد تلقى العمق السعودي العديد من الضربات المؤلمة في مرافق حيوية كالمطارات ومنشأت الطاقة، كانت أخرها وأشدها إيلاما ما تعرضت له محطتا بقيق وخريص النفطيتين مما تسبب في أضرار أدت لتوقف نصف إنتاج المملكة من النفط. مقالتنا هذه ستحاول معالجة العديد من الأسئلة المحورية المتعلقة بالحرب في اليمن وتداعياتها الإقليمية والدولية والموقف الأمريكي منها:

 

أولا: هل كان القرار السعودي للتدخل في اليمن عام 2015 صائبا؟

في الحقيقة، أننا نرى بأن القرار المفاجئ الذي اتخذته السعودية بالتدخل في اليمن فجر الخامس والعشرين من شهر مارس 2015 كان قرار صائبا وحكيما من حيث المبدئ ومن الناحية الاستراتيجية. فجماعة الحوثي المحسوبة فعليا على إيران استطاعت في ذلك الوقت أن تمد نفوذها في مناطق واسعة من اليمن وأن تدخل العاصمة اليمنية صنعاء. لذلك فقد كان من الطبيعي أن تتحرك السعودية لوقف هذا التمدد والتصدي له باعتبار العداء الموجود أصلا بين الرياض وطهران من جهة، وباعتبار المعطيات الاستراتيجية المستجدة على مستوى المنطقة والمتعلقة بالتمدد الإيراني في محيط الجزيرة العربية وخاصة في سوريا والعراق. استنادا لذلك وباختصار شديد، وفقا للمعطيات على السياسية والعسكرية على الأرض، كان التدخل السعودي حتميا في الـ 2015، بل أزيد على ذلك بأنه كان متأخرا للغاية. المشكلة لم تكن في التدخل نفسه من حيث المبدأ، المشكلة كانت في طريقة إدارة هذا التدخل، والتي أدت إلى ما أدت إليه اليوم من مشاكل وكوارث على كافة المستويات السياسية والعسكرية والإنسانية والاقتصادية.

 

ثانيا: لو لم تتدخل السعودية مباشرة في اليمن في 2015 وتركته للحوثي.. هل كان وضع اليمن ليكون أفضل اليوم؟
الاستنزاف جار على قدم وساق سواء بالإتاوات المفروضة عليها أو بصفقات التسليح المليارية الخلبية التي لم تستطع حماية السعودية من بضعة طائرات مسيرة محلية الصنع بالإضافة لحرب اليمن وتكلفتها الباهظة يوميا

لا نعتقد بأن وضع اليمن كان سيكون أفضل حالا لولا التدخل السعودي المباشر وذلك لعدة أسباب أهمها مرتبط بطبيعة المجتمع اليمني المعقدة وتداخل المصالح الدولية على أرض اليمن، إضافة إلى المشاكل الاقتصادية الهيكلية والمزمنة التي تعيشها البلاد. فسيطرة الحوثيين على مرافق الدولة اليمنية لم تكن ترضي الكثير من قطاعات الشعب اليمني، وهو ما كان سيشكل أساسا لبداية صراع واقتتال أهلي بين داعمي الحوثي من جهة ومعارضيه من جهة أخرى. مثل هذا الصراع لن يكون بالتأكيد يمنيا خالصا نظرا لموقع اليمن وتداخل مصالح الكثير من القوى فيه، مما كان سيشكل بالتأكيد مسرحا لتدخلات دولية وإقليمه لدعم هذا الطرف أو ذاك. مثل هذه التدخلات، كما هو الحال في سوريا تماما، كانت ستعقد الصراع على الأرض وتحوله إلى معادلة صفرية تدمر البلد وتستنزفه وتحرق بشره وحجره دون أن تفضي في النهاية لأي نتيجة سوى الخراب. إن التدخل السعودي كان ليكون طوق نجاة لليمن من مثل هذا السيناريو، وهذا ما أعطى "عاصفة الحزم" قوة وزخما وشرعية في بداية الأمر، لكن إدارة الملف اكتست للأسف بكل عوامل الفشل منذ أيامها الأولى، فما حققت أهداف السعودية، وما أنجت اليمن واليمنيين.

 

ثالثا: ما حقيقة الموقف الأمريكي من حرب اليمن؟

إن التدخل السعودي لقيادة تحالف عربي في اليمن ما كان ليتم لولا وجود ضوء أخضر أمريكي.. لكن ما هو الهدف الأمريكي من السماح للسعوديين بتشكيل تحالف معظم أعضائه لا يخرج عن العباءة الأمريكية؟ الجواب الأسهل أن نقول من أجل التصدي للنفوذ الإيراني في المنطقة نظرا لأن الولايات المتحدة وإيران هما على طرفا نقيض في المنطقة.. لذلك فقد سمحت الولايات المتحدة بتشكيل التحالف وقدمت له الدعم أيضا.

 

في الحقيقة، من وجهة نظرنا، من الواضح بأن الولايات المتحدة لا تستهدف إيران بأي شكل من الأشكال، بل على النقيض من ذلك، إن تمدد إيران في دول المنطقة كالعراق وسوريا بل وحتى في اليمن، إنما تم تحت بصر الأمريكيين ونتيجة لغض طرف مقصود وواضح منهم.. ولن نقول بدعم مباشر حتى لا نكون متطرفين في التحليل. الأدلة على ذلك كثيرة للغاية وواضحة للعيان. نورد منها على سبيل المثال ما أورده السفير الأمريكي السابق في العراق خليل زاد في كتابه "المبعوث" بخصوص التنسيق الأمريكي الإيراني العالي المستوى لغزو العراق. يقول السفير بأن الاجتماعات الأمريكية الإيرانية استمرت خلال وبعد الغزو الأمريكي للعراق.

 

كما يشير أيضاً إلى مجموعة مما يسميها بـ "الأخطاء الكارثية" التي ارتكبتها الولايات المتحدة في العراق من مثل حل الجيش على الرغم من إمكانية إصلاحه، ومن مثل ترك الحدود العراقية بدون تأمين مما أدى لتدفق الإيرانيين بكثافة إلى العراق وبدون حسيب أو رقيب. وقد أشار "خليل زاده" إلى أن وزارة الخارجية الأمريكية كانت مستاءة من سلوك البيت الأبيض والبنتاغون في العراق وخاصة فيما يتعلق بتزايد النفوذ الإيراني بوضوح هناك، وقد اعترضت عدة مرات على ذلك ولكنها لم تجد أذناً صاغية!.. لماذا إذن سمحت الولايات المتحدة للسعودية بالتدخل في اليمن. الجواب الأكثر منطقية والمنسجم مع رؤيتنا التحليلية لسياسة أمريكا في المنطقة، هو من أجل توريط السعودية واستنزافها وتدمير هيبتها في العالمين العربي والإسلامي ولك تمهيدا لتفتيتها في مرحلة لاحقة.. لكن لماذا؟ أو ليست السعودية حليفا وثيقا للولايات المتحدة؟

 

السر في الإجابة على هذا السؤال يكمن برأينا في الدور الإسرائيلي المحوري في رسم السياسة الخارجية الأمريكي في المنطقة لتتناسب مع خطط وأهداف إسرائيل وبغض النظر عن مصالح الولايات المتحدة. فسياسة إسرائيل في المنطقة قائمة على مبدأ تفتيتها وتحويلها إلى كيانات متصارعة وضعيفة يسهل التحكم بها، لتبقى إسرائيل القوة الوحيدة فيها. لتحقيق هذا الهدف لا بد من استنزاف وتفتيت كل القوى الكبرى في المنطقة، كما حل في العراق وفي سوريا. بالنسبة للمملكة العربية السعودية، فهي تعتبر إحدى أهم القوى في المنطقة لثلاثة أسباب:

– الثروات الاقتصادية الهائلة التي تمتلكها المملكة

– المكانة الدينية لها باعتبارها مكان الحرمين الشريفين

– العمق الجغرافي الكبير الذي يزيد عن مليوني كيلو متر مربع إضافة للموقع الاستراتيجي المطل على البحر الأحمر والخليج العربي.

إن إضعاف المملكة لا بد من أن يمر بالتعاطي مع كل واحدة من عوامل القوة هذه.. أما الثروات فالاستنزاف جار على قدم وساق سواء بالإتاوات المفروضة عليها أو بصفقات التسليح المليارية الخلبية التي لم تستطع حماية السعودية من بضعة طائرات مسيرة محلية الصنع بالإضافة لحرب اليمن وتكلفتها الباهظة يوميا.. السعودية تستنزف اليوم ولا أحد يستطيع أن ينكر ذلك. أما المكانة الدينية فلا بد أيضا من تحطيمها داخليا من خلال ما يجري من سياسات يعلمها الجميع ولا نود الخوض فيها، وخارجيا من خلال إظهار السعودية كدولة متخلية عن واجبها الديني في حماية الأقصى. ومن أجل هذا الهدف الأخير برأينا تلح إسرائيل على إقامة علاقات علنية مع السعودية، لأن ذلك سيكون كفيلا بتحطيم صورتها الدينية أمام مسلمي العالم. إسرائيل يا سادة لا تستهدف تطبيع العلاقات مع السعودية، بل تسعى لتفتيتها، ومن أجل ذلك لا بد من تحطيم صورتها ومكانتها الدينية في أعين المسلمين حتى تبقى وحيدة ولا ينتصر لها أحد. إن أنجع وسيلة لتحقيق ذلك تكون في إقامة علاقات علنية معها.. أليس كذلك؟

 

أما البند الثالث والمتعلق بالبعد الجغرافي، فلا بد وفقا لمنهج السياسة الإسرائيلية من تفتيت السعودية. من أجل ذلك لا بد من إشعال صراع مسلح بينها وبين إيران. وهذا ما يتم العمل عليه حاليا. استنادا لكل ما تقدم، نعتقد بأن الضربات التي وجهها الحوثيون للسعودية لم تكن لتتم لولا وجود تطمينات أمريكية ضمنية للحوثيين أو لمشغليهم في إيران. بعد هذه الضربات سنرى واحدا من احتمالين: إما استفزاز وتحريض السعودية للرد عسكريا مع وعد أمريكي "وهمي" بالدعم والمساندة. إما الخيار الثاني فهو استنزاف المزيد من ثروات المملكة بصفقات تسليحية جديدة وهذا ما عبر عنه ترامب حرفيا عندما قال في معرض تعليقه على الهجمات.. "على السعودية أن تدفع". وربما يمكن أن نرى خليطا من هذا وذاك.. عمل عسكري محدود يدفع السعودية أكثر للحضن الأمريكي. فهل يدرك السعوديون أبعاد المعركة التي يخوضونها؟

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان