شعار قسم مدونات

الدبلوماسيون أبناء المشايخ

BLOGS حسنين مخلوف

يمكن اعتبار هذا العنوان بمثابة مبتدأ وخبر، ويُمكن اعتباره مبتدأ في حاجة إلى خبر. أما أنه مبتدأ وخبر فأمر خلافي فالمفترض في أبناء المشايخ أن يكونوا ثوريين حماسيين مُنحازين للقيم الروحية والحماسية لكن هذا لا يمنع أنهم بحكم تربيتهم المحافظة يصلحون كلَّ الصلاحية لوظائف الدبلوماسية بكلِّ ما تقتضيه من التعقُّل التام وإجادة التعبير وحُسن السلوك والقدرة على التواصل وتقييم المواقف والبناء على الثوابت. وفي الحقيقة فإن هذا الوضع المتوقع قد أثبت وجوده واستمراره وازدهاره في وظائف الدبلوماسية المصرية على نحو ما سنرى. هل يُمكن اعتبار الدبلوماسية كمهنة ابنة للمشيخة كمهنة؟ في الغالب أن هذا جائز إلى حدٍ كبير، فالقواسم المشتركة في النجاح بين المهنتين كثيرة كما أن المواهب المطلوبة في المهنتين متشابهة، ولهذا يُمكن القول بسهولة إن مهنة الدبلوماسية قد تكون في كثير من سماتها ابنة لمشيخة الدين.

 

في المقابل فإن العكس غير صحيح، بل ربما إنه مستحيل، ذلك أن نمط حياة الدبلوماسيين وتنقُّلاتهم وتعرُّضهم للحياة في بلاد خارجية مختلفة يمنع أبناءهم من الاستقرار الذي لا بد منه لكلٍّ من يُريد أن يُحقّق شيئاً ذا بال في علوم الدين.. أيِّ دين. أما أن العنوان مبتدأ بحاجة إلى خبر، فالمسألة أبسط من التأويل فلربّما يسهل علينا ذكر الأمثلة الكثيرة، وإن كان من الصعب أن نقول إننا حصرنا كل الدبلوماسيين الذين ينتمون ببُنُوَّتهم إلى مشايخ معروفين، وفي هذا الصدد فإننا أمام طريقتين تنظيميتين لعرض المعلومات إما أن نبدأ بالمشايخ ونذكر أبناءهم، وإما أن نبدأ بالدبلوماسيين المشهورين ثم نثني بالإشارة إلى آبائهم.

 

أما المفتي الأشهر الشيخ حسنين مخلوف فقد كان ابنه السفير عبد الهادي مخلوف هو الرجل الثاني في مستشارية الأمن القومي قبيل حرب أكتوبر 1973، وكان هو اليد اليمنى للسفير محمد حافظ إسماعيل في كل ما تمَّ إنجازه

ومن سر المهنة الذي لا أحب أن أتمسك به كثيراً أن أقول إن الأسلوب الأمثل يُراوح بين الأسلوبين ويقفز بينهما قفزات رشيقة. نبدأ بأهم اثنين من رموز الدبلوماسية المصرية المشاهير في عهد ثورة يوليو، أقصد تلك الشهرة التي تتصنع وتتولد في وجدان المواطن البسيط بعيدا عن المناصب والترقيات والقفزات، فنجد الدكتور محمود فوزي الذي ظلَّ في السلطة من 1952 وحتى 1974 ابناً للشيخ دسوقي جوهري، ونجد أسامة الباز الذي ظلَّ بمثابة ألمع الدبلوماسيين منذ 1977 وحتى 2011 ابناً للشيخ سيد الباز الذي كان وهو أستاذ في معهد دمياط الأزهري أستاذاً لوالدي وجيله، وكان بسبب ثقافته وعبقريته يتولَّى تدريس المواد الرياضية ولا أزال أحتفظ بصورة تذكارية على هيئة التاج الملكي تضمُّ في قلبها تلاميذ المعهد وعلى أطراف التاج أساتذة المعهد الذين كان الشيخ سيد الباز من بينهم.

 

قبل هذين الرمزين فإن وزير الخارجية الذي أصبح ثاني أمين عام للجامعة العربية عشرين عاماً وشغل هذا المنصب منذ 1952 وحتى 1972 كان هو محمد عبد الخالق حسونة باشا نجل الشيخ حسونة شيخ مسجد الحسين، والذي ينتمي إلى عائلة الشيخ الأكبر حسونة النواوي. أما أشهر الدبلوماسيين المصريين علاقة بالحياة العامة وهو أحمد حسنين باشا رئيس الديوان الملكي فقد نجلا لعالم أزهري معروف هو الشيخ محمد حسنين. وننتقل برشاقة، كما وعدنا، إلى علماء الأزهر الكبار الذين شغلوا المشيخة فنجد للشيخ المراغي ابناً سفيراً هو السفير حسن رشاد المراغي، وقد أتاح لي الزمن مُزاملته في مجلس إدارة الجمعية الخيرية الإسلامية، وتفضل فدعانا على الغداء عندما زرنا مدرسة حلوان الصناعية للبنات التي أنشأتها الجمعية عقب تأسيسها على يد الشيخ محمد عبده، منذ عهد طويل.

 

ونجد للشيخ التالي للشيخ المراغي وهو الشيخ الظواهري ابناً سفيراً هو السفير فخر الدين الظواهري وهو الذي تولى كتابة مذكرات والده التي تحمل عنوان «الأزهر والسياسة» والتي تناولناها ونقلنا عنها في كتابنا «الظواهري والإصلاح الأزهري». ونجد للشيخ الثالث في هذه السلسلة وهو الشيخ مصطفى عبد الرازق (الذي خلف الشيخ المراغي بعد مشيخته الثانية ووفاته) ابناً سفيراً مشهوراً في عهد الرئيس مبارك، وهو السفير ممدوح مصطفى عبد الرازق. ثم نجد للشيخ الدكتور عبد الحليم محمود ابناً سفيراً توفي في سنٍ مُبكرة بعدما ترك إنجازات فكرية وأدبية وهو الدكتور محمد عبد الحليم محمود الذي توفي قبل والده، وهو زوج الدكتورة فايزة أمينة المجلس الأعلى للآثار وابنة الدكتور محمد حسنين هيكل باشا رئيس مجلس الشيوخ وعضو مجمع اللغة العربية. كما نجد للشيخ الوزير عبد العزيز عيسى الذي هو عالم الأزهر الوحيد الذي تولى وزارة شئون الأزهر دون أن يتولى وزارة الأوقاف ابناً سفيراً ذا شأن في عهد الرئيس مبارك وقد أصبح في زمنه في الموقع الوظيفي المؤثر الذي يتولى رئاسة لجان السلك الدبلوماسي والقنصلي.

 

أما المفتي الأشهر الشيخ حسنين مخلوف فقد كان ابنه السفير عبد الهادي مخلوف هو الرجل الثاني في مستشارية الأمن القومي قبيل حرب أكتوبر 1973، وكان هو اليد اليمنى للسفير محمد حافظ إسماعيل في كل ما تمَّ إنجازه من خلال هذه المكتب والمستشارية التي أدت دوراً غير تقليدي في ظرف غير تقليدي، وقد تميّز السفير عبد الهادي مخلوف بقدرات فائقة ممكنة من النجاح في هذه المهمة القومية وفي كل المهام الأخرى إلى أقصى حد. وأما الشيخ عبد المجيد اللبان عميد كلية أصول الدين الأشهر وزعيم المشايخ الوفديين والذي رُزٍقَ مجموعة من الأبناء الناجحين وأبناء الأبناء فقد كان منهم السفير الشافعي اللبان. وقل مثل هذا في عميد كلية الآداب الأشهر الأستاذ (الشيخ) أحمد أمين الذي أصبح ابنه الدكتور حسين أمين سفيراً بعد أن مرَّ بعددٍ من الوظائف المُتميّزة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.


إعلان