شعار قسم مدونات

صناعة الدواء.. هل هو استثمار ناجح؟

blogs دواء

بمجرد أن قامت الولايات المتحدة الأمريكية بمحاصرة العراق عام 1990 نتيجة احتلاله لدولة الكويت، واجه البلد تحديات كثيرة في أمنه الغذائي والدوائي، والذي تم معالجته جزئيا بعد ذلك من خلال برنامج النفط مقابل الغذاء والدواء، لكن استمر النقص في الأدوية خاصة المنقذة للحياة منها لفترات طويلة حتى بعد احتلال الولايات المتحدة للعراق.

  

ما واجهته العراق تواجهه حاليا البلدان غير المستقرة في كافة انحاء العالم مثل اليمن والسودان وليبيا وفنزويلا، وسبب نشوء مثل هذه المشاكل هو عدم وجود تصنيع دوائي في هذه البلدان أو وجود تصنيع دوائي بسيط لا يغطي حاجة البلدان من الأدوية المختلفة، ويعتبر الأمن الدوائي أحد أهم ركائز الأمن لأي دولة في العالم، ومن أهم وسائل تحقيق هذا الأمن وجود تصنيع دوائي في كل دولة يغطي احتياجات هذه الدول، ولكن لماذا لا تزال هنالك العديد من دول العالم لا تحقق ولو نسبة مقدرة من احتياجاتها الدوائية؟

 

الصناعة الدوائية.. الدجاجة التي تبيض ذهبا

تعتبر صناعة الأدوية من الصناعات الحساسة مضمونة الدخل، خاصة للبلدان مرتفعة الكثافة السكانية، حيث توجد الحاجة للمنتج، ويوجد المستهلك، وعليه فإن صناعة الدواء استثمار مضمون النتائج وذو ربحية عالية جدا مقارنة مع العديد من الصناعات الأخرى، ولذلك نظريا لا يجب أن يخسر أي مصنع متخصص في هذه الصناعة.

 

في الدول العربية المختلفة ترتفع بشكل كبير جدا الفاتورة الدوائية حيث تتجاوز الفاتورة ما قيمته 700 مليون دولار في قطر، وتزيد عن 3.7 مليار دولار في السعودية أكبر أسواق الشرق الأوسط وشمال افريقيا، كما يزيد استهلاك الدواء في بلد مثل اليمن عن 400 مليون دولار ومثلها في سوق السودان، وقس على ذلك كافة البلدان العربية الأخرى، ما يدل على سوق واعدة جدا في المنطقة تساعد في توفير الامن الدوائي وتقلل من فواتير الاستيراد كما تساعد على التصدير وتوفير العملة الصعبة، لكن الواقع أن هنالك عدد مهول من المصانع الدوائية التي تخسر وتقفل أبوابها في العديد من الدول العربية، وأيضا حول العالم، فما هو سبب ذلك؟

   undefined

    

أسباب فشل العديد من الصناعات الدوائية في الدول العربية

كل مشروع صناعي أو تجاري يحتاج لفترة تأسيس ثم فترة لبناء الاسم والماركة، وبعدها تبدأ مرحلة الحصول على عوائد وأرباح، ومشاريع صناعة الدواء تتشابه مع كل المشاريع الأخرى في هذا الشيء لكنها تختلف في العديد من النقاط التي يجب على كل مستثمر أن يضعها في حسبانه وقت بدأ هذا الاستثمار، حيث إن متطلبات صناعة الدواء كثيرة وتحتاج مصانع الأدوية لمتطلبات عالية جدا في الانشاءات والأجهزة والأدوات، وتحتاج لفترة تأسيس طويلة جدا تصل لسنوات من التخطيط والدراسات والبناء والتجهيز قبل أن يكون المصنع فعلا جاهزا للإنتاج.

 

وبعد أن يكون المصنع جاهزا فإنه يحتاج فترة لبناء الاسم وتعريف المستهلكين باسم المصنع وأسماء المنتجات، وهو ما يتطلب فترة أخرى إضافية، ويحتاج خلالها المصنع لتسجيل عدد كبير من المنتجات حتى يستطيع الوصول لمرحلة الربح من المصنع، حيث إن قلة المنتجات في المراحل الأولى من العوامل المؤثرة على نجاح أي مصنع مهما كان اختيار المنتجات صحيحا، كما أن من أهم عوامل النجاح هو اختيار المنتجات ذات الاستهلاك العالي والربحية الجيدة حتى يستطيع المنافسة والاستمرار حتى الوصول لمرحلة الربح.

 

وضع الشركات الدوائية العربية

تشتهر عدد من الدول العربية بصناعات دوائية متقدمة ومتطورة تغطي نسبة عالية جدا من الاستهلاك الدوائي لهذه البلدان، وتصدر منتجاتها لدول أخرى، لكن معظم الدول العربية الاخرى لازالت تعاني من فارق مهول بين ما يحتاجه البلد وما يتم انتاجه، كما أن كل مصانع الدواء العربية هي مصانع مقلدة ولا توجد الا بعض المحاولات الخجولة لتطوير براءات اختراع لهذه المصانع تقودها للعالمية، كما أنه لا توجد شركات كثيرة تسعى في انتاج التقانة الدوائية الحديثة مثل الادوية الحيوية Biotechnology أو النانوتكنولوجي، وهذه لا يمنع وجود نماذج مشرفة لبعض الشركات العربية في الصناعات الدوائية، ولكنها الاستثناء.

 

ختاما فان كل العوامل التي ذكرناها وغيرها تؤثر على صناعة الأدوية واستمراريتها، لذلك تحتاج هذه المشاريع لصبر ودقة تخطيط في المرحلة الأولى مع توفير الاستثمارات الكافية والمناسبة لتخطي المرحلة، حتى الوصول إلى مرحلة الأرباح، وعندها ستبدأ الدجاجة في اعطاء البيض الذهبي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.