10 مايو 1940 بدأت معركة الألمان لاحتلال فرنسا.. البلد الذي قاوم بضراوة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى وجرها لحرب الخنادق التي عنت وقتها بلغة عسكرية بسيطة اقتتال خندقين تابعين لجيشين متعاديين على قطعة الأرض الفاصلة بينهما. بطبيعة الأمر لم يتكرر هذا النوع من المعارك أبدا في الحرب العالمية الثانية.. وإلا لكان حال ألمانيا استسلام مذل آخر كما حصل في الحرب الأولى، تغيرت الكثير من الأمور بين الحربين ولعل أهمها أن النازية استطاعت في ما يقارب الشهر والنصف فقط أن تحتل فرنسا كاملة! والسؤال الأهم كيف استطاعت احتلال فرنسا بـ"لقمة واحدة".. البلد الذي كانت لا تستطيع التقدم فيه أكثر من مسافة أمتار في حرب الاستنزاف في الحرب العالمية الأولى؟ألمانيا-هتلر كانت مختلفة تماما عما كانت عليه ألمانيا-فيلهلم.. ملك ألمانيا في الحرب الأولى، من ناحية التخطيط العسكري، قوة اتصالات عناصر الجيش، أسلحة القصف البعيد المدى، والأهم السلاح الطبي المخدرات!
اعتبرت جوستاف الثقيلة أضخم سلاح مدفعية ودبابات استخدمه جيش على الإطلاق! سلاح مثبت على سكة حديدية خاصة، تم صناعة نسختين عملاقين منه فقط في ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية لهدف رئيسي واحد، وهو تحطيم القلعة الرئيسية الحصينة في تحصينات خط ماجينو الفرنسية والتي أوقفت تقدم القوات النازية تجاه الأراضي الفرنسية، ولكي تحقق هذا الهدف توجب على صانعي هذه الدبابات جعلها قادرة على إطلاق ذخيرة قادرة على اختراق 7 أمتار من الخرسانة المسلحة أو متر كامل من الفولاذ المضاد للمدفعية وكل ذلك من دون الدخول ضمن مجال المدفعية الفرنسية وبالفعل أطلقت دبابة جوستاف الثقيلة ذخيرتها بفاعلية، حيث يمكنها إطلاق قذائف يصل وزن الواحدة إلى 7 أطنان إلى مدى يقارب الـ 45 كلم وهو مدى أبعد من المجال المدفعي الفرنسي. أما بالنسبة للمواصفات الخارقة لتلك الدبابات فإن وزن الدبابة الواحدة يصل لـ 1350 طنا وكان طول الدبابة الواحدة يصل إلى 47 مترا وبارتفاع يقارب الـ 12 مترا أي بارتفاع مبنى بـ 4 طوابق!
واحدة من الورقات الرابحة الحقيقية التي كانت بأيدي الألمان هي الراديو، كل دبابات البانزر كانت تملك أجهزة راديو للتواصل مع الوحدات الأخرى، ما أتاح للمدرعات الألمانية الرد سريعا على تغيرات أرض المعركة المتلاحقة |
رصد تقرير نشرته صحيفة الجارديان البريطانية القصة المذهلة التي تناولها الكاتب الألماني نورمان أوهلر الذي أشار إلى أن الزعيم الألماني النازي أدولف هتلر كان مدمنًا بشدة للمواد المخدرة حتى في الوقت الذي لجأ فيه إلى المخابئ في الحرب العالمية الثانية، وهو ما يغير نظرتنا إلى الأحداث التي شهدتها تلك الحقبة. الكاتب الألماني كان قد كتب كتابًا أسماه The Total Rush أو باللغة الإنجليزية (الثمل) الذي يكشف عن استخدام المخدرات في الحرب العالمية الثانية، بما في ذلك الكوكايين، والهيروين، والمورفين، والميثامفيتامين، أو كما يطلق عليه الكريستال ميث. تقرير الصحيفة البريطانية أشار إلى أن القصة المذهلة التي كشف عنها الكاتب الألماني، لم يكن تأثيرها فقط على الأيام الأخيرة لـ هتلر، ولكن على غزو الجيش الألماني الناجح لفرنسا في عام 1940!
القصة بدأت مع أيام جمهورية فايمار، الجمهورية التي نشأت في ألمانيا في الفترة من 1919 إلى 1933 نتيجة للحرب العالمية الأولى وخسارة ألمانيا للحرب، حيث كانت صناعة الأدوية مزدهرة في ألمانيا، وكانت البلاد أحد أكبر المصدرين للمواد الأفيونية، مثل المورفين والكوكايين وكانت الأدوية متوفرة بشكل مكثف. خلال هذه الفترة صورت الدائرة الداخلية لهتلر الزعيم النازي باعتباره شخصية لا يمكن تعويضها، وأنه كان على استعداد للعمل بلا كلل نيابة عن بلاده، وبأنه لا يسمح بدخول السموم -ولا حتى القهوة- جسده، وفي عام 1933.. عندما استولى النازيون على السلطة في البلاد تم حظر المواد المخدرة حظرًا جنائيًا، وكان تعاطي المخدرات أيضًا مرتبطًا باليهود. ومع ذلك، كان استخدام بعض العقاقير ضروريًا، خاصةً في ظل الجحيم الذي يحياه المجتمع كي يواكب حيوية هتلر، فقد أمر النازيون ألمانيا بالاستيقاظ، ولم يكن أمام الأمة خيار سوى الانتباه، لذا من الجائز السماح بأي مادة يمكنها دفع كل متهرب أو متمارض أو متخاذل أو متوجع إلى سوق العمل.
الدكتور فريتز هاوسشيلد، رئيس الكيميائيين في شركة تيملر ببرلين، كان قد بدأ بمحاولات تطوير مخدر عجيب، كان قد استوحى فكرته من نجاح استخدام منشطات البنزيدرين الأمريكية في دورة الألعاب الأولمبية عام 1936، وبعد عام حاز على براءة اختراع أول منشط ميثيلي ألماني، وهو المخدر الذي عرف باسم Pervitin وبطبيعة الحال، لم يمض وقت طويل قبل أن يعتمد الجنود على ذلك العقار. في كتابه.. وثقت رسالة أرسلت في عام 1939 من قبل الجندي الألماني هاينريش بول، الحائز على جائزة نوبل في الآداب فيما بعد، من خط المواجهة إلى والديه يطلب فيها المخدرPervitin، وهو الطريقة الوحيدة التي عرفت لمحاربة العدو الكبير، النوم.
العقار السابق كان الأداة الفعالة لجنود الجيش الألماني، بحسب ما توصلت إليه الاختبارات آنذاك، حيث كان يساعد الجنود على التغلب على الشعور بالنعاس وكذلك التغلب على الضغط خلال المهام القتالية. أما عن استخدامه في اجتياح فرنسا، فقد وضعت خطط لاجتياح فرنسا من خلال جبال أرين في عام 1940، وهتلر نفسه كان معجبًا بفكرة اجتياح فرنسا عبر جبال أرين، إلا أن القيادة العليا الألمانية أبدت تخوفها من أن قواتها ستكون بحاجة للتوقف أثناء الليل ما سيمنح قوات الحلفاء فرصة التراجع وترك القوات الألمانية عالقة في الجبال. أعقب ذلك صدور مرسوم المنشطات، فقد صدرت تعليمات لأطباء الجيش الألماني بمنح حبة واحدة من العقار لكل جندي ألماني خلال اليوم وحبتين خلال الليل. ما مكن القوات الألمانية من البقاء مستيقظين لمدة ثلاث أيام وثلاث ليال.
واحدة من الورقات الرابحة الحقيقية التي كانت بأيدي الألمان هي الراديو، كل دبابات البانزر كانت تملك أجهزة راديو للتواصل مع الوحدات الأخرى، ما أتاح للمدرعات الألمانية الرد سريعا على تغيرات أرض المعركة المتلاحقة، وسمحت بتغييرات في الدقائق الأخيرة للتكتيكات والاسترجال في الخطط بشكل أسرع من العدو. سمحت الاتصالات للألمان بتنسيق تشكيلاتهم وجمعها مع بعض لتكوين قوة نارية كبيرة في الهجوم أو الدفاع، هذا ما أتاح للألمان هامشا حاسما في المعركة وهمش التفوق في العدد والعتاد للفرنسيين الذين كانت تنقصهم أجهزة الراديو وكانوا يقومون بتناقل الأوامر شفهيا.
استعمال الراديو تجاوز حد تناقل الأوامر من دبابة لأخرى، فقد سمح بدرجة من الاتصال بين القوات البرية والجوية، ففي كل فرقة بانزر توجد وحدة تكتيكية للتحكم بالقوات الجوية، وهو ما أتاح للجيش استدعاء القوات الجوية لدعم الهجومات والتعامل مع الأهداف التي لا تستطيع المدفعية تدميرها، وقد خصصت مجموعة من قنابل لدعم زحف مجموعة الجيوش لاختراق منطقة الأردين، كان معدل التوقيت بين طلب تدخل سلاح الجو ووصوله يتراوح بين 45-75 دقيقة، وقت يعد سريع للغاية آنذاك. لم يكن أبدا احتلال ألمانيا لفرنسا ضربة حظ على الإطلاق أو مهد صدفة، كان نتاج تخطيط عسكري واسع ودقيق في الفترة ما بين بدء الحرب العالمية الثانية باحتلال ألمانيا لبولندا وبدء احتلالها فرنسا، فترة أسماها الفرنسيون "الحرب المضحكة" حيث دامت المرحلة حوالي 7 أشهر ولم تشهد سوى بعض الاشتباكات الخفيفة من تارة لأخرى أبرزها هجوم السار الذي شنته القوات الفرنسية بعد 4 أيام بعد إعلان الحرب لدعم القوات البولندية، لم تكن "حرب مضحكة" أبدا عندما وصل الألمانيون إلى عمق باريس ورفعوا علم النازية هناك، لم يكن ليوقفهم شيء سوى تشبث تشيرشل برفض الاستسلام ومقاومة الاتحاد السوفييتي الطويلة، والأهم بالطبع تدخل الولايات المتحدة الأمريكية. كان لهتلر تصريح شهير حول إنجاز احتلال فرنسا مفاده أنه عندما كانت فرنسا تصنع العطورات في باريس كنا نحن نصنع القنابل في برلين!
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.