شعار قسم مدونات

محمد عبد الفتاح إبراهيم.. أول وزير يستقيل في عهد مبارك بسبب الشهامة فقط

BLOGS محمد عبد الفتاح ابراهيم

سئلت ذات مرة عن أكثر وزراء عهد الرئيس حسني مبارك شهامة، فأجبت بأنه ذلك الرجل العظيم الذي استقال من موقع نائب رئيس الوزراء في نهاية أغسطس ١٩٨٢ بعد أقل من ثمانية شهور من عمله نائبا لرئيس الوزراء في العام الأول من عصر الرئيس مبارك، وكانت استقالته تعبيرا منه عن الاحتجاج على إقالة وزير زميل له من دون سبب حقيقي إلا تخلص رئيس الوزراء القوي من المسؤولية عن قرار خاطئ أو قرار بدا عندما استفسر عنه الرئيس مبارك وكأنه خاطئا، كان رئيس الوزراء هو الدكتور أحمد فؤاد محيي الدين بكل هيلمانه وسطوته، وكان الدكتور فؤاد هاشم عوض هو وزير الاقتصاد الذي أقيل بدون ذنب إلا ليكون كبش فدا.

وكان القرار هو رفع العائد على شهادات الاستثمار من الفئة ب بنسبة ١٪ ليصبح العائد ١٤٪ بدلا من ١٣٪ والذين عاشوا تلك الأيام يعرفون أن هذه الشهادات كانت بمثابة الوعاء الادخاري المحبب في الدولة قبيل أن تهيمن شركات توظيف الأموال على سوق الادخار المحلى، وكان الرئيس مبارك في ذلك الوقت يستمع لآراء كثيرة من اقتصاديين تقليديين، فانتهز الطامعون في المنصب الوزاري هذا القرار وصوروه على أنه قرار ضار بالدولة واقتصادها مع أن الوزير لم يصدر قراره إلا بالاتفاق مع رئيس الوزراء القوي الذي كان يبدو وكأنه رئيس الجمهورية الفعلي بينما لم يكن الأمر كذلك ولا ربع ذلك، فما كان من نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية إلا أن أبدى رغبته في الاستقالة تضامنا مع زميله المظلوم، واستقال بالفعل، وكان هذا آخر عهده بالمناصب الوزارية.

 

عرف محمد عبد الفتاح إبراهيم بالتهذيب الشديد، وحسن المعاملة، وكان قادرا على احتواء زملائه الوزراء وتحبيبهم في أداء وزارة المالية بشخصه الدمث الوقور، وشخصيته المحبة المتعاطفة الراغبة في توفير التمويل لولا أن الظروف أقوي منه

من هو هذا الوزير الشهم؟ إنه هو محمد عبد الفتاح إبراهيم الذي نرى توقيعه على بعض العملات كوزير للمالية وعلى عملات أقوى منها كمحافظ للبنك المركزي، وفيما خبرته من آراء الاقتصاديين والساسة فقد كان هو أحب وزراء المالية ومحافظي البنك المركزي إلى رجال الدولة وقادتها، كما كان هو أكثرهم هدوءا، وأحسنهم خلقا. ولد محمد عبد الفتاح إبراهيم في القاهرة، وتلقي تعليما مدنيا والتحق بكلية التجارة وتخرج فيها (1943)، وهي دفعة الدكتور حامد السايح الذي وصل بعده إلى منصب وزير الاقتصاد. عمل محمد عبد الفتاح إبراهيم في كثير من المؤسسات الاقتصادية، وشغل منصب المدير العام المالي لمؤسسة الصناعات الهندسية، ورأس مؤسسة التعاون الإنتاجي، ومعهد الاستشارات الإدارية، وتدرج في وظائف وزارة المالية (الخزانة) إلى أن أصبح وكيلا أول للوزارة في عهد الدكتور عبد العزيز حجازي، وكانت علاقة الرجلين متميزة، حتى إن الدكتور حجازي اختاره ليخلفه في وزارة المالية عندما أصبح نائبا أول لرئيس الوزراء ورئيسا للوزارة.

 

وبلغة التشكيلات الوزارية فقد اختير محمد عبد الفتاح وزيرا للمالية في وزارة الرئيس السادات الثانية (أبريل 1974)، واستمر كذلك وزيرا للمالية عند تشكيل وزارة الدكتور حجازي (سبتمبر 1974)، وبعد شهرين من تشكيل هذه الوزارة تولي محمد عبد الفتاح إبراهيم منصب وزير التأمينات خلفا للدكتور حسن الشريف الذي توفي قبلها، وخلفه في منصب وزير المالية الدكتور محمد حمدي النشار رئيس جامعة أسيوط، وعلل ذلك باعتلال صحة محمد عبد الفتاح إبراهيم والإشفاق عليه من مسؤوليات وزارة المالية المرهقة، وقد احتفظ محمد عبد الفتاح إبراهيم بمنصب وزير التأمينات في وزارة ممدوح سالم الأولي (أبريل 1975 ـ مارس 1976).

 

بعد خروجه من الوزارة في المرة الأولي عين مباشرة في منصب محافظ البنك المركزي خلفا لأحمد زندو الذي اختير في ذلك الوقت رئيسا للهيئة العربية للتصنيع. عاد محمد عبد الفتاح إبراهيم إلى العمل الوزاري في بداية عهد الرئيس مبارك، فشغل منصب نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية في وزارة الدكتور أحمد فؤاد محيي الدين الأولي (يناير 1982 ـ أغسطس 1982)، وتولي بالإضافة إلى هذا شؤون وزارة الاستثمار والتعاون الدولي، وكان بهذا آخر مَنْ شغل منصب نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، بهذا النص الواضح مذكورا في قرار التشكيل الوزاري، وبعد خروجه من الوزارة في المرة الثانية اختير رئيسا للجنة الشؤون المالية والاقتصادية في مجلس الشورى. علي المستوي المهني حصل محمد عبد الفتاح إبراهيم علي زمالة جمعية المحاسبين والمراجعين بإنجلترا ومصر! ورأس محمد عبد الفتاح إبراهيم شعبة المحاسبين بنقابة التجاريين، كما عمل أمينا عاما للاتحاد العربي للمحاسبين والمراجعين!

 

عرف محمد عبد الفتاح إبراهيم بالتهذيب الشديد، وحسن المعاملة، وكان قادرا على احتواء زملائه الوزراء وتحبيبهم في أداء وزارة المالية بشخصه الدمث الوقور، وشخصيته المحبة المتعاطفة الراغبة في توفير التمويل لولا أن الظروف أقوي منه (!!)، وقد اكتسب محبه وتقدير كل مَنْ عاصروه وتفاعلوا معه من رجال الدولة في شتي القطاعات، ولم يحدث أن دخل في مواجهة عنيفة أو غير عنيفة، وكان أقرب ما يكون إلى إنكار الذات، والتواضع، والعمل الصامت الدؤوب، وقد ابتلي وهو في المناصب العليا بوفاة ابنته الوحيدة، فتمكن الزهد من نفسه، وأثر على نظرته للدنيا وحظوظها. ومما هو جدير بالذكر أن له شقيقان مشهوران هما أستاذنا الدكتور حسين عبد الفتاح إبراهيم أستاذ جراحة العظام الأشهر، وحسن عبد الفتاح محافظ القليوبية الأسبق.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.