ظروف قاسية تجعل منا أقوياء مثل الجبال، مشاكل تنهال علينا وذكريات مرة تسحب منا البسمة أفكار وأوهام تتركنا حبيسي اللحظة. ولكن ليس كل الظروف قاتلة وليست كل لحظة حزن قاسية، فقد يأتيك يوم محزن ليغير أيامك كلها لفرحة. لذلك تبادر إلى ذهني مجموعة من الأسئلة حول لحظة الضنك وما يتبعها من شقاء وكيف يكون أصحابها أقوياء ما دوائهم ومن طبيبهم من الذي يعينهم؟ هل يتغير الناس كل لحظة شقاء هل يصبحون كالطيور المستقرة إذا حل بهم عبء ما أهو تغيير دائم أم مؤقت ثم تعود المياه إلى مجاريها وكأن شيئا لم يكن.
هل يقرأ الإنسان في السجن؟ هل يكف عن التدخين داخله؟ أسئلة جالت في خاطري، أهو ملء للفراغ أم محاولة جديدة للتأقلم مع الحياة؟ أعندما يكون الإنسان بين أربع حيطان يتغير ويصبح عاقلا؟ فقد كان بينها في غرفته وفي مكتبه إذا كان يعمل، أو في قسمه أو مدرجه إذا كان يدرس، حتى في الحافلة أو السيارة أو عند الحلاق، أو في وقت الفراغ الذي طالما مللنا منه. لماذا عندما يكون الإنسان في مصيبة يتغير؟ عندما يهجم الليل الدامس عليه يتفقد البدر، وفي أيام الرخاء والصبح والإشراق يتذمر من الحر. أنحس بقيمة الحياة عند فقدها؟ ففاقد البصر يضن أن الحياة في عينيه وينسى دور الحواس الأخرى.
الصبر يحتاج إلى عزيمة وقوة إرادة ونية حسنة وقلب سليم. فالإنسان ضعيف الإيمان يجرفه ضعفه إلى تيار عكسي يزيده سوءا، فيفقد الأمل وييأس |
كثير من الناس تغيروا عندما صدموا، فمنهم من دخل السجن وأصبح إنسانا آخرا، كأنه دخل إلى آلة سحرية غيرت مجرى حياته، ومنهم من فقد أموالا طائلة وبنيانا شامخة كان بواسطتها متكبرا جبارا، فأصبح من دونها ذليلا منهارا، ومنهم من فقد عزيزا تعلق قلبه به، فأغلق على فؤاده أبوابا وصاحب الوحدة وجعل من الفراغ خليلا. ومنهم من اقترف ذنبا أرهق جنبه وكسر ضلعه، فتاب من أجله وأصبح إنسانا جديدا كالثلج في نقائه، تقي في تصرفاته متواضع يملؤه الصفاء، فجعل من المسجد داره ومن القرآن مستقره، ومنهم من فشل في دراسته فحول هذا الفشل إلى نجاح بالإرادة والأمل والتعب والجد، ولم يقل انتهت الحياة وتوقفت عندي. بل حاول وحاول وبحث عن الأخطاء وتداركها وغير اتجاه العجز إلى درب القدرة والاستطاعة.
كل هذه المحطات المفقودة في حياتنا تزول وتفنى بالصبر فهو دوائها وعلاجها ومغير حالها ومسكن ألامها فجزاء الصبر حسنات في الآخرة وقوة في الدنيا. قد يحدث مكروه، ولكن صاحبه لا يتأثر ولا يتغير رغم أنها لحظة واحدة وحزن واحد واحساس واحد يحسه كل إنسان مهموم، لكن هناك اختلاف في العقائد والمبادئ ودرجات العلم والإيمان وتفاوت في درجة الصبر عند كل إنسان. فالصبر يحتاج إلى عزيمة وقوة إرادة ونية حسنة وقلب سليم. فالإنسان ضعيف الإيمان يجرفه ضعفه إلى تيار عكسي يزيده سوءا، فيفقد الأمل وييأس.
لذلك جعل الله تعالى في شريعته المتكاملة الصبر، فجعل جزائه وفضله كبير وأمد صاحبه بقوة خفية لا يدركها إلى من دخل من باب الصبر وذاق حلاوته، قال تعالى في سورة البقرة الآية 153 «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ» الصبر فهو مفتاح الفرج كما يقال، وطبيب كل مهموم فقد وعد الله الصابرين بجزاء في الدنيا والآخرة فثوابه كبير رغم مرراة طعمه.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.