الزعيم النازي أدولف هتلر، الشخصية الأشهر والأكثر جدلا في القرن العشرين، المتسبب في إشعال حرب عالمية ثانية واحتلال 11 دولة ما بين احتلال جزئي وكامل، تغيير خارطة القوى العالمية، والأهم والأقسى.. المتسبب الأول في أكثر من 60 مليون قتيل.. والحديث عند دور هتلر في تلك الحرب، لا يُفهم إلا من خلال تسليط الضوء على موقعه في الحرب التي سبقتها.. الحرب العالمية الأولى. الرجل الذي كان جنديا "مُضامَا "في تلك الحرب، وشهد بأم عينه كيف خسرتها بلاده وأجبرت على توقيع التزامات مذلة نتيجة لذلك، طبعت تلك الواقعة في ذاكرته صورة أثرت كثيرا على قرارته فيما بعد "كأكثر من جندي" في الحرب العالمية الثانية أو ما كان يسبقها من التمهيد لها. كثيرا ما كانت قرارات عملياته العسكرية في الحرب العالمية الثانية تقف وراءها ذكريات ماضي مؤلمة لجندي عاصر مشاهد مؤلمة ووحشية في تلك الأولى، وبالطبع آمال غد يرى فيها نفسه قائدا يحكم العالم، ويقال أنه كان مصابا عندما أعلنت بلاده الانسحاب من الحرب وعُدَّتْ خاسرة، فتدهورت حالته الصحية أكثر مما كانت عليه حالما وصله الخبر في المستشفى.
حال خسارة الألمان أُعلنت معاهدة فرساي التي نصت على أشد الضوابط والقيود المذلة على الآلة العسكرية الألمانية كيلا يتمكن الألمان من إشعال حرب كسابقتها، فقد نصّت على التجريد العسكري للجيش الألماني، والإبقاء على 100000 جندي فقط وإلغاء نظام التجنيد الإلزامي، وعدم السماح بإنشاء قوة جوية، السماح بحفنة من السفن الحربية لكن بدون غواصات حربية، ولا يحق للضباط الألمان التقاعد العمري من الجيش، حيث نصت الاتفاقية على بقائهم فيه كمدة أقصاها 25 عاماً.. في استراتيجية لجعل الجيش الألماني خالياً من الكفاءات العسكرية المدرّبة ذات الخبرة. وفيما يتعلق بالناحية الاقتصادية.. تتحمّل ألمانيا مسؤولية تقديم التعويضات للأطراف المتضرّرة وحددت التعويضات بـ 269 مليار مارك ألماني كدين على الاقتصاد الألماني! سببت بنود الاتفاقية درجة عالية من الامتعاض والرغبة في الانتقام لدى الشعب الألماني، لهذا وجد هتلر في نفسه الزعيم القادر على ترجمة الغضب الألماني وإعادة القوة والهيبة للعسكرية الألمانية.. لكن بطريق مختلف أكثر تطرفا ووحشية.. ألا وهي النازية.
"الإفراط في القوة.. ضعف" لم يكن يعرف هتلر تلك الحقيقة ولم يكن يعرفها أبدا! كانت تلك أكثر الأخطاء القاتلة للزعيم النازي.. فكثرة أعداءه أو بمعنى أدق تكثيره إياهم جعله يواجه قوى لا قوة له بمواجهتها |
وبعد فترة من التقهقر السياسي بين الحرب الأولى والثانية وجد نفسه بعد فترة مسجونا إثر محاولته الانقلاب، وما لا يصدق في أن ذلك السجين خرج بعد سنين من ذلك كقائد قوي وبمسار ديموقراطي! قائد قوي يسعى لأن يعيد لألمانيا هيبتها بعد وصمة الذل في الحرب العالمية الأولى، وبالطبع أن تستطيع أن تصير مستشارا رئاسيا وأنت دكتاتور قد يكون أمرا غير مستحيل، لكن أن يتم ذلك بمسار ديموقراطي فذلك يحتاج نوعا من "الموهبة".. التي بالكاد امتلكها هتلر حتى استطاع الوصول لما وصل عليه. والسبب الرئيس الذي شجع الشعب الألماني على هذا الخيار، أنه يقف أمام زعيم لا يمكن أن يرفض له كلمة بعد أن جعل أحلامهم حقيقة، زعيم كانوا يعدونه كابوسا عندما رفضوه بنتائج انتخابية مذلة عدة مرات قبل أن ينجح بعدها بدبلوماسيته الحذقة في الوصول لمنصب مستشار البلاد.. ورئيسا في وقت لاحق!
أما تلك الأحلام التي جعلها حقيقة.. فهي كافية لدرجة الشعب الألماني يسير وراءه في خمس سنين حرب ضد العالم.. حلم إلغاء فيرساي وحلم إعادة تسليح ألمانيا وحلم العودة من جديد للمكانة القوية في دول العالم الكبرى.. كان الشعب يقف أمام جني المصباح ذو الأمنيات الثلاث! أما بالنسبة للدول الكبرى لم يكن أحد يتوقع من رجل بشارب مضحك شبيه بشارلي تشابلن أن يشعل فتيل أعنف حرب في التاريخ! فبعد النمسا في عام 1938 وتشيكوسلوفاكيا وبولندا عام 1939 بدأ هتلر الحرب العالمية الثانية باحتلال أكثر ثلاث دول لديها تجمع ألماني، في سياسة حذقة لكسب حاضنة شعبية وموارد بشرية تساعده على حرب عَرَفَ أنها لن تكون بالقصيرة أبدا، لهذا بعدها توسع في الدنمارك والنرويج وهولندا ولوكسمبورغ وبلجيكا.. والأهم والأخطر.. فرنسا!
الجدير بالذكر أنه وبعد نية احتلال تشيكوسلوفاكيا، لم يستطع أحد أن يقوم برد عنف يردعه، كان الجميع يهابه وقتها، ولك أن تتخيل ما معنى أن تقوم اتفاقية بين ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا، لا على إرجاع المناطق التي احتلها بل على عدم احتلال مناطق جديدة! الأمر الذي نقضه هتلر باحتلال بولندا وبدأت الحرب على إثر ذلك. والوصلة الدقيقة التي كانت تربط ذلك الماضي المؤلم لهتلر بذلك الغد المفترض الذي يرى نفسه فيها قائدا للعالم.. هو حاضر الزعيم عام 1936م حيث أعلن متحديا العالم عن إلغاء معاهدة فرساي وسط صمت دولي محموم بالخوف من قيام ألمانيا بحرب عالمية أخرى، لكن هذه المرة قائد ألمانيا ليس ذلك الذي كان في الحرب العالمية الأولى الذي يعلن انسحاب دولته، بل هذه المرة بيد زعيم توسعي دكتاتوري.. لا يستوعب ما معنى أن يهزم، يحرق العالم دون أن يستوعبها.. وهذا ما فعله بالضبط بألمانيا في الحرب العالمية الثانية.
"الإفراط في القوة.. ضعف" لم يكن يعرف هتلر تلك الحقيقة ولم يكن يعرفها أبدا! كانت تلك أكثر الأخطاء القاتلة للزعيم النازي.. فكثرة أعداءه أو بمعنى أدق تكثيره إياهم جعله يواجه قوى لا قوة له بمواجهتها، الولايات المتحدة الأمريكية مثلا تلك التي أخذت موقف الحياد حال بدء الحرب، كان ينوي عداءها رغم موقفها النائي بنفسه عن التورط، حتى قامت حادثة بيرل هاربر التي لم يتوانى هتلر عن أخذ جانب فيها مع الإمبراطورية اليابانية. مع مرور وقت جيد على بدء الحرب، الجميع كان يعلم أن وضعه في الجبهة الشرقية مع الاتحاد السوفييتي لم يكن جيدا، عجز هتلر عن تحقيق تقدم حاسم هنالك، لهذا وبتحليل عسكري بسيط يمكن استنتاج أن هتلر تحالف مع اليابان كان لإلهاء الولايات المتحدة الأمريكية عن الدخول في حرب معه وبالتالي منعه عن التقدم في الجبهة الشرقية، ما جعله بالضرورة يرتكب خطأه القاتل الثاني، إدخال دولة كالولايات المتحدة في حرب مع اليابان كانت لن تطول إلى الأبد، بعد كر وفر بين أمريكا واليابان حال حادثة بيرل هاربر، كانت المحطة القادمة للآلة العسكرية الأمريكية بالتعاون مع الحلفاء.. هي محرض اليابان بالطبع.. والمجرم الحقيقي لواقعة بيرل هاربر.. ألمانيا النازية.
هذا ما فعله تماما الحلفاء إثر قيامهم بإنزال جوي ناجح على الجبهة الجنوبية والغربية لحدود "إمبراطورية ألمانياـ هتلر". الحقيقة أنه لم يخسرها بتلك السهولة التي قد يتصورها البعض، دبابات تايغر الألمانية مثلا اعتبرت دبابة من أقوى دبابات الحرب بحيث أن الأمريكان لم يقدروا على هزمها من ناحية قوة مدفعها وتحصينها وكبرها، وفي اعترافهم أنه إذا واجهوا دبابة النمر، يخسرون أربع دبابات مقابل دبابة ألمانية واحدة. هذا ويثبت مدى التقدم التقني للآلة العسكرية الألمانية.. لكن بالتأكيد كان الأمر أكبر من تايغر وأكبر من هتلر وأكبر من أحلامه في إمبراطورية النازية.. عندما يتعلق الأمر بعداء دول العالم جميعها. إذاً لم ذكر التاريخ هتلر رغم خسارته الحرب؟ ربما لأنه غير ميزان القوة العالمية التي كانت في يد بريطانيا العظمى وإحلاله الولايات المتحدة الأمريكية مكانها، أو ربما في تسببه بالحرب الباردة، أو تطهيره للعرقي لليهود الذي كان مبررا مقنعا لإقناع الرأي العام الدولي بأن قيام اسرائيل مهم لحماية الأقلية اليهودية، والأغرب بالطبع.. ربما لأنه كان رساما قبل أن يصير أكبر دكتاتوري عرفه التاريخ!
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.