شعار قسم مدونات

الحقيقة والفن في قرار تأميم قناة السويس

blogs قناة السويس

كانت قناة السويس شركة مساهمة مصرية وذلك على نحوما سمع الناس ولايزالون يسمعون كلمات هذا النص المعبرة بوضوح في خطاب الرئيس جمال عبد الناصر الذي أعلن فيه تأميمها. وكما نعرف فإن الشركات تنتظم ملكيتها في أسهم. ومنذ عشرينيات القرن الماضي بدأ الملك فؤاد الأول عملية الحث على شراء أسهم من أسهم شركة قناة السويس لتستعيد مصر ملكية الشركة، واستجابت شخصيات ثرية فلبت هذه الدعوة. وكان من هؤلاء على سبيل المثال زوجته الملكة نازلى.

 

وقد وصل الوضع في ١٩٥٢ أن الحكومة المصرية (كحكومة) كانت تمتلك ٣٢ % من أسهم قناة السويس وكانت هناك أسهم أخرى أمتلكها افراد مصريون بما يوازي ١٢% أي إن إجمالي الأسهم المصرية في القناة 44% ولهذا فقد كان لمصر أربعة أعضاء في مجلس إدارة القناة من مجموع تسعة أعضاء.

 

 يعرف أي خبير بعمل الشركات وأسهمها أن الوصول بأملاك مصر من أسهم القناة إلى ٥١٪ كان كفيلا بأن يجعل القناة تلقائيا تدار من قبل مجلس إدارة ورئيس مصري (بنسبة ١٠٠٪)، بل كان من المتوقع طبقا لما هو معروف من ديناميات التعامل في البورصة أن يتراجع سعر الأسهم في البورصة العالمية في باريس بعد الانتقال إلى إدارة وطنية كاملة، وهو ما كان كفيلا بأن يمكن الحكومة الوطنية (أي المصرية) من شراء باقي الأسهم بأسعار أقل مما كانت عليه.

 

وفي توقعات البورصة في مثل هذه الحالة فإنك إذا وصلت بالأسهم الوطنية إلى 48% مثلا فان الذكاء الفطري يدفع بعض حاملي الأسهم إلى البيع بالسعر العالي قبل ان يصل الوطنيون إلى 51 % وينخفض سعر السهم بعدها، كانت عناصر هذه الدراسة وغيرها من الدراسات الذكية متاحة أمام الرئيس عبد الناصر لكنها في تقديره الاستراتيجي لم تكن لتحقق له أي نصر إعلامي أو دعائي أو سياسي.

 

بمقتضى التأميم فقد كان لا بد من تعويض المالكين عن حقوق الامتياز، وفي هذ الإطار تنازلت مصر عبد الناصر عن الاستثمارات الدولية لشركة قناة السويس، وكانت تضم أصولا استثمارية عملاقة في شركات أجنبية

وبمقتضى قرار التأميم مهما كانت صيغة إعلانه وتبيراته فإنه كان على الحكومة المصرية أن تدفع ثمن أسهم القناة للأفراد المضارين بسعر إقفال بورصة باريس يوم ٢٦ يوليو ١٩٥٦ نقدا وفوريا.. فكان التأميم بطريقة ناصر المسرحية أشبه ما يكون بعملية إجبار لمصر على شراء بالغصب وليس مصادرة بلا مقابل كما تصور الناس ولا يزالون يتصورون. وقد دفعت مصر هذا الثمن بالعملات الصعبة، دون أن يعرف الناس، وقدمت مستندات سداده ضمن مستندات شكاواها للأمم المتحدة من العدوان الثلاثي.

 

ننتقل إلى مصطلح آخر وهو ما يتعلق بمعنى حقوق امتياز قناة السويس: ليس معنى عبارة "انتهاء حقوق الامتياز في سنة ١٩٦٨" هو ما روج له فولكلوريا من أن شركة القناة كانت ستؤول إلى مصر.. وانما الأمر واضح من اللفظ وهو يعني حقوق الامتياز فقط، وهي ليست بالشيء الهين، كما أنها ليست كل شيء، لكنها ببساطة شديدة توازي أو تمثل 25% من صافي الأرباح (وكانت بالقانون ١٠٪ تذهب لفرنسا و١٥ ٪ لبريطانيا التي كانت قد اشترت حق مصر، وكان الخديو اسماعيل قد باع نصيب مصر من حقوق الامتياز للأنجليز حلا لأزمة من أزمات ديونه.

 

لم يكن معنى أنتهاء حقوق الامتياز في سنة ١٩٦٨ أن أيا من أسهم الشركة ستؤول لمصر لأنها كشركة مساهمة ستظل متداولة في بورصات العالم مثلها مثل أي شركة عالمية (وكما ذكرنا في فصل سابق فقد كان من ضمن تلك الأسهم ٤٤٪ مملوكة بالفعل لمصريين، وقد كان من الطبيعي أو المفترض بعد ١٩٦٨ أن تظل شركة مساهمة عالمية مملوكة من أفراد دوليين لكنهم سيسددون ن 25% من صافي الربح للحكومة المصرية بدءا من ١٩٦٨ ومعنى هذا أن ما كان يذهب لفرنسا وبريطانيا وهو ربع صافي الربح سيذهب للخزينة المصرية.

 

وبمقتضى التأميم فقد كان لا بد من تعويض المالكين عن حقوق الامتياز، وفي هذ الإطار تنازلت مصر عبد الناصر (كما يحب العسكريون أن يسموها) عن الاستثمارات الدولية لشركة قناة السويس، وكانت تضم أصولا استثمارية عملاقة في شركات أجنبية في أوروبا وباقي العالم، وبهذه الاستثمارات الخارجية العملاقة استمرت الشركة في نشاطها حتى يومنا هذا وبفضل الإدارة الاقتصادية أصبحت الآن تحقق أرباحا تصل إلى أضعاف أرباح القناة.

 

ونأتي إلى السؤال المهم: هل انتهت شركة قناة السويس العالمية بالتأميم؟ بعد سداد مصر ثمن الأسهم لحامليها ظلت شركة قناة السويس العالمية فى فرنسا تعمل وتدير استثماراتها خارج مصر وتزداد ثراء. وفي سنة 2008 دخلت شركة قناة السويس العالمية في Merge 50% و50% مع شركة Gaz du France  وأصبح اسم الشركة التي نشأت عن اتحاد الكيانين الكبيرين Suez Gaz du France: وقد وصل حجم أعمال الشركة في سنة 2015 إلى 106 مليار يورو… أي أنها تحقق من الأرباح ما لا يقل عن أربعة اضعاف دخل قناة السويس كقناة (الذي هو دخلها من المجرى الملاحي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.