منذ ثمانية عشر عاما، وبالتحديد يوم الــ 28 من يوليو 2001، استطاعت مصر إعادة رأس الملكة نفرتاري من المتحف البريطاني بلندن، فما هي القصة؟ ومتى خرج الرأس؟ وكيف عاد؟ الملكة نفرتاري (1300-1250 ق.م) هي الزوجة الرئيسية للملك رمسيس الثاني (1304-1213 ق.م)، وهي واحدة من أكثر الملكات المصريات شهرة مثل كليوباترا ونفرتيتي وحتشبسوت، كما أن مقبرتها التي تحمل رقم 66 هي الأكبر والأبرز فى وادي الملكات غرب الأقصر، وهي مقبرة تم اكتشافها عام 1904 لكنها لم تفتح للجمهور إلا فى أوائل تسعينيات القرن الماضي، بسبب ما تتعرض له نقوشها من تلفيات بسبب الأملاح المترسبة.
أما الرأس الذي تم إعادته والذي يبلغ عمره أكثر من ثلاثة آلاف عام، فقد هُرب من مصر عام 1992 من خلال أحد لصوص الآثار الأجانب وهو البريطاني "جوناثان توكلي باري" الذي استغل عمله كمرمم آثار؛ فقام بسرقة الرأس من أحد المخازن الأثرية، ثم قام بتشويهه وطلائه بالأسمنت وخرج به من المطار مدعيا أنه رأس تمثال مقلد اشتراه كتذكار سياحي من أحد البائعين!
ولما اكُتشفت عملية السرقة هذه عام 1994 تم تصعيد الأمر، وتحركت وزارة الآثار والدبلوماسية المصرية حتى تم التحقيق مع اللص البريطاني "باري" فقضت بحقه محكمة بريطانية عام 1997 بالسجن ست سنوات؛ لكنه لم يكملها وخرج بعد ثلاث سنوات ليعود لعملية التهريب من جديد.
القطع الأثرية التي تم إعادتها هي قطع أثرية مصرية مسجلة رسمية في سجلات الآثار ولذا استطاعت مصر إعادتها – رغم أن هناك الآلاف أيضا من الآثار المسجلة والمهربة للخارج لم تعد بعد |
ولم تكن عملية السرقة هذه هي الوحيدة لـ "باري" كما أنها لم تكن الأخيرة؛ فقد أدر شبكة تهريب تضم 12 شخصا مصريا، قامت بنهب القبور والمواقع الأثرية، حتى أنه اعترف بنفسه عام 2012 أنه قام بسرقة العديد من الآثار المصرية منها رأس "أمنحتب الثالث" والد الملك أخناتون قبل أن تعيد مصر الرأس عام 2008 من المتحف البريطاني أيضا[i]، بل وأعلن "باري" أنه وراء سرقة لوحة "زهرة الخشخاش" عام 2010 من متحف محمود خليل بالقاهرة وهي اللوحة التي رسمها "إن فنسنت فان غوغ" عام 1887، وأخبر "باري" أنها موجودة حاليا فى لندن[ii]، واعترف كذلك بأنه استطاع خلال العقد الأخير من القرن العشرين سرقة أكثر من 5 آلاف قطعة آثار مصرية، وأعلن أن هناك شخصية مصرية بارزة ساعدته في ذلك لكنه لا يستطيع ذكرها. وبالرغم من أن "باري" قد حكم عليه مرة أخرى من محكمة بريطانية بـ 12 عاما إلا أنه ظل حرا طليقا[iii].
وهكذا استطاعت مصر منذ 18 عاما العمل على إعادة رأس الملكة نفرتاري، واستلم الرأس حينها الدكتور جاب الله علي جاب الله رحمه الله، حين كان يشغل وظيفة الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار والمسؤول الأول عنها.
وهذا الجهد الذي قام به المسؤولون المصريون من أجل إعادة رأس نفرتاري ومن بعده رأس أمنحتب، قد يدفع البعض نحو التساؤل؛ لماذا توقف هذا الجهد الآن؟ ولما لم تستطع مصر العمل على إعادة رأس الملك الشاب توت عنخ آمون الذي بيع في مزاد علني منذ أسابيع؟ والإجابة عن هذا السؤال – وبعيدا عن جهد المسؤولين الحاليين من عدمه – فإن القطع الأثرية التي تم إعادتها هي قطع أثرية مصرية مسجلة رسمية في سجلات الآثار ولذا استطاعت مصر إعادتها – رغم أن هناك الآلاف أيضا من الآثار المسجلة والمهربة للخارج لم تعد بعد –
أما رأس توت عنخ آمون وغيره من عشرات الآلاف من قطع الآثار المصرية فقد خرجت من مصر بشكل قانوني مشروع في حينها للأسف الشديد، فقد كانت الآثار المصرية قبل قانوني 215 لسنة 1951 و117 لسنة 1983 تباع علانية في مصر، بل وكانت توثق عملية البيع تلك من الجهات المسؤولة، ولذا فهي قطع غير مسجلة بوزارة الآثار، ومثل هذه القطع من الصعب إعادتها إلا من خلال تغيير القوانين الداخلية بالإضافة إلى التحرك الدولي مع منظمة اليونسكو والمتاحف العالمية وهذا يحتاج جهدا كبيرا، ولذا فلا يجوز إطلاقا أن تكتفي الدولة بإلقاء تلك المهمة على إدارة صغيرة بإحدى مباني وزارة الآثار تسمى "إدارة الآثار المستردة" ، فالأمر يحتاج همة عالية ورجالا أكفاء ودبلوماسية مصرية قوية، وحينها بإمكاننا أن نقول أن سنعيد آثارنا المنهوبة.
[i] – مصرس، توكلي باري: الموساد يسرق "امنحتب الثالث" ونظام مبارك نفذ الصفقة، 19 يناير 2012
[ii] – اليوم السابع، القصة الكاملة لسرقة وتهريب «زهرة الخشخاش» من مصر، 20 يناير 2012
[iii] – أخبار اليوم، 18 عاما على عودة رأس نفرتاري زوجة رمسيس الثاني، 28 يوليو 2018
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.