نحن نساعد الناس بكل ما نستطيع من وسائل مادية وملموسة ومحسوسة، ولكن دعني أسألك سؤالاً ماذا إن لم تجد هذه الاحتياجات المادية لدى الآخرين لكي تساعدهم بها؟ وكثير من الأحيان لا تكون لدينا هذه المساعدات المادية للآخرين، فهناك مساعدة أخرى معنوية وهي يرغبها كل الناس بلا استثناء ألا وهي المجاملة الصادقة.
فعندما يقول لك أحدهم مجاملة صادقة فسيرفع من معنوياتك أنت الآخر، ويعزز فيك الحيوية، وعندما تسمع الكثير من المجاملات فلا بأس بها مهما كثرت لأنك تحبها وكل شخص يحبها، لأن النفس البشرية مجبولة على المدح، ولكن ما الفرق بين المديح الصادق أو المجاملة والثناء وبين المداهنة والنفاق أو كما هو دارج بالتطبيل؟
بالمجاملة الصادقة والثناء أنت تشبع لدى الآخر حاجات نفسية عديدة وهي لن تكلفك شيئاً، فأنت عندما تجامل الآخر فإنك تشبع لديه الحب والأمان العاطفي، واستحسان وقبول الآخرين، وإنجاز شيء يستحق العناء، وتقدير الجهود |
الفرق بينهما بأن الثناء الصادق هو يبحث عن الفعل لا عن الشخص، أما النفاق فهو يهدف لمدح الشخص لشخصه لا لفعله، ومثال ذلك إن كنت مثلاً في مطعم وجاءك النادل بالطعام: فبحالة النفاق قد تقول له شيئاً من قبيل "أنت أجمل نادل، أنت نادل فاتن أو رائع …" وهي مجاملة مزيفة وتثير الشك في مضمونها، أما بالثناء الصادق فقد تقول له مثلاً: “لقد أحضرت الطعام بسرعة وبدرجة حرارته المناسبة وأشعرتني حقاً أنك تفعل فعلك باحترافية وكأنك تلبي الطلبات بسرعة الضوء، أو مثلاً أنت تحترم الزبائن حقاً لقد أدهشتني معاملتك الرائعة” فهناك فرق واضح بين الحالة الأولى والثانية.
مثال آخر عندما تدخل السكرتيرة تقارير العمل للمدير فيقول لها في الحالة الأولى: "أنت رائعة، أنت جميلة…" فهي كما تلاحظ تثير الشكوك والريبة، وواضح أنها مزيفة، أما إن قال لها مثلاً: "لقد أذهلتني التقارير التي أحضرتها بالأمس لدرجة أني وقعتها وأنا مغلق عيني، تعجبني فيك سرعتك برفع التقارير وبراعتك في الكتابة على الآلة الكاتبة…"، فالحالة الثانية تحتاج لبذل الجهد والنظر بعين النحلة بحثاً عن المزايا التي يمكن أن تمدح في الآخر. وعندما تقول للمدرس أنه أفضل مدرس فهو نوع من النفاق، أما إن قلت له كم كانت محاضرته رائعة مثلاً، فأنت جاملته بنوع الثناء الصادق. ففي حالة الثناء الصادق والمجاملة أنت تحتاج لبذل جهد ووقت حتى تستكشف إيجابيات الآخر، وأن تنظر بعين النحلة التي تنظر وتبحث عن الورود وعن كل ما هو جميل لكي تخرج العسل اللذيذ، وهذا المجهود لن يضيع منك سدىً لأنك ستجني ثمار الصداقة والحب، ولا تجامل أحداً كما لو تنتظر أن يحرر لك شيكاً كأجر على مجاملتك بطريقة المداهنة والنفاق الاجتماعي.
فبالمجاملة الصادقة والثناء أنت تشبع لدى الآخر حاجات نفسية عديدة وهي لن تكلفك شيئاً، فأنت عندما تجامل الآخر فإنك تشبع لديه الحب والأمان العاطفي، واستحسان وقبول الآخرين، وإنجاز شيء يستحق العناء، وتقدير الجهود، والتقدير لقيمة الانسان، والشعور بتقدير واحترام الآخرين، والشعور بالانتماء لمكان أو لجماعة ما، والشعور بالقوة الشخصية، والرغبة بالفوز والتفوق والحصول على أعلى المراتب. فبمجرد أن تثني على الآخر فأنت تشبع لديه كل هذه الحاجات بثنائك الصادق ومجاملتك له، وبذلك سيقع بحبك على الفور وتكسبه كصديق.
فاقبض عليهم من اليوم فصاعداً متلبسين بفعل طيب أو صائب كما يقول “كين بلانشارد”. وكما يقول جون مكسويل: بأنه لا يمكن أن يتحقق لي النجاح إلا بوجود الآخرين. ولا يمكن تعلم الدروس إلا من الآخرين. ولا يمكن تحسين نقاط ضعفي إلا بوساطة الآخرين. ولا يمكن اختبار قدراتي إلا تحت قيادة الآخرين. ولا يمكن زيادة تأثيري إلا من خلال الآخرين. ولا يمكن تركيز قيادتي إلا من على الآخرين. ولا يمكن إعطاء أفضل ما لدي إلا للآخرين. ولا يمكن ترك ميراثي إلا للآخرين. لذا، يجب أن أبذل نفسي للآخرين وأحتفل مع الآخرين.
ولن تجد شخصاً يمدح بصدق إلا لأنه فعلاً مشبع من المديح ولا يشعر بالغيرة أبداً من الآخرين بل يحب لهم كل الخير والنجاح. فالصديق الحقيقي يشجعنا ويتحدانا أن نعيش أفضل أفكارنا، ونحترم دوافعنا النقية، ونحقق أكثر أحلامنا أهمية كما أبدع هذه المقولة “دان ريلاند”. فالصديق الحقيقي هو من يمدح ويثني بصدق فكن صديقاً وجذاباً بثنائك الصادق وابتعد عن المداهنة والنفاق والتطبيل.
وبدلاً من أن تقول لأحدهم شكراً باقتضاب، اشرح له تفسيراً لها قبل أن تقولها له، وامدحه لصنيعه الجيد وبعد المديح قل له شكراً لك، كما تقول “ليل لاوندس” بأنه حينما يقول الجذابون للناس: “أشكرك”، فإنهم يمنحون الابتهاج الذي تقصده هذه الكلمة بتفسير سبب شكرهم. وهم يعطون كل كلمة شكر بطانة رقيقة لينة. ودائماً ما تكون الابتسامات الكبيرة هي مكافأة الجذابين للناس. فبدلاً من أن تنزل من سيارة الأجرة وتقول للسائق شكراً المقتضبة فسر له سببها بأن تقول له مثلاً كم كانت قيادته متزنة، وبدلاً من أن تأخذ أغراضك من الدكان وتقول للبائع شكراً المقتضبة، أخبره كم كان تعامله معك لطيف ثم قل له شكراً لك.
فابتعد عن النفاق الاجتماعي أو ما يسمى بالتطبيل أو الكذب لأنه سهل الكشف والناس لا ينخدعون به طويلاً، واقترب من الثناء الصادق والمديح والمجاملة، لأنه يعزز الإيجابيات ويثبتها ويقويها، ويزيد من حب الناس لك بقولك لهم مثل هذه الكلمات التي تعشقها كل أذن وتحبها، فتجمل صورتك لديهم ويقعون في حبك لمجاملتك.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.