شعار قسم مدونات

هل يستطيع "حمدوك" قراءة آمال قطار عطبرة؟

blogs حمدوك

شكلت انطلاقات هذا القطار القادم من عطبرة صوب العاصمة الخرطوم زخما مساندا للحراك الشعبي في سعيه للخلاص من الإرث السياسي للدولة العميقة، وعرفت عطبرة على الدوام بأنها أيقونة التحرر بعيد قدح زناد شرارة الثورة منها في ١٩ ديسمبر ٢٠١٨م، وترتب على مشاركة قطارها الشهير في اعتصام القيادة العامة في ابريل الماضي زخماً إعلاميا كبيراً استحوذ على اهتمام قطاع عريض من الأوساط السياسية المحلية والعالمية، يومها تعالت الهتافات المحببة لجماهير عطبرة في الميادين الثورية بأهزوجة: "شرقت شرقت.. عطبرة مرقت" لتصنع أكسير البقاء والصمود، وصولا لما تسعى إليه قوى التغيير والثورة من مطالب تتأرجح بين المثالية والواقعية، ولازمت هذا القطار قناعات جديدة محملة بشحنات عاطفية تلقي بظلالها على كامل تفاصيل المشهد السوداني.

 

هذا المشهد الذي تمخضت ثورته فولدت الخبير حمدوك، الأب الاقتصادي الجديد للمرحلة الحامل لشهادة الدكتوراة في الاقتصاد من جامعة مانشستر البريطانية، والذي ارتقى ليتصدى لتبعات خصوصية هذا المنصب، والذي جاء إثر تدافع قوى عديدة وشرائح شعبية تحمل أجندة وطنية خالصة وطموحات سياسية رائدة، كما وجد نفسه مطالبا بالاستجابة لكافة الأطياف التي تنادي بالوسطية والاعتدال، ومعالجة تراكمات ملفات الماضي، تلك التي ترسخت بناء على حالة فريدة من الموازييك السياسي السوداني.

 

يبدو أن مستجدات الأحداث فرضت اختيار حمدوك لمنصب رئاسة الوزراء، لعدة اعتبارات منها أنه ضمن في المرحلة السابقة مساندة أربع كتل رئيسية من القوى الخمسة المكونة لتيار إعلان الحرية والتغيير، ناهيك عن كونه يلاقي قبولا لدى المجلس العسكري الانتقالي، كما كان له رصيده في الشارع أيضا، ولا يغيب عن الأذهان الاستحسان الذي اكتسبه من القوى العالمية والإقليمية عبر مسيرة عمل طويلة في قارة أفريقيا والمحافل الدولية.

   

  

من هنا نفهم فلسفة الحكم الجديدة التي ترى الاتجاه بعيدا عن الشخصنة، والاقتراب من صياغة معادلة الكيف وليس الكم، والتي تفرضها الثورة تحت توصيف كيف سيحكم السودان؟ فهل سيرفع الدكتور حمدوك سقف الاستجابة لتطلعات الجماهير؟، أم سيجعله واقعيا في ظل ضغوطات عربية خليجية إقليمية، والعزم على النهوض بالحياة السياسية باعتماد التعددية والانفتاح على مجمل مفردات الشارع السوداني.

 

لقد بات من المعلوم أن قدوم حمدوك يراد له الخروج بحالة توافقية تمهد للارتقاء بالأبعاد الاقتصادية، وابتداع أساليب جديدة تسفر عن تفهم رغبات الشارع في التطلع لحياة جديدة، تتبنى شعارات الثورة من حرية وسلام وعدالة، وإقرار دولة القانون والمؤسسات، ويتضح أن الوثيقة الدستورية تنص على صلاحيات واسعة لمجلس الوزراء، بصورة تفوق صلاحيات المجلس السيادي، ويصح القول أن صلاحيات المجلس السيادي يمكن النظر اليها من زاوية كونها صلاحيات تشريفية، في ظل الميثاق البرلماني الذي اعتمدته الوثيقة بخلاف المجلس الرئاسي الذي سينتظره هو ورئيسه حمدوك الكثير من الأجندة والعمل الشاق.

 

وينطوي الاتفاق على تأسيس مجلس وزراء يتألف من نحو عشرين وزيرا، ومجلس تشريعي بعضوية 300 عضو، وتكون فيه حصة الأسد لقوى الحرية والتغيير بواقع نسبة 67 في المئة منهم، وبالتالي يجد الدكتور نفسه مطالبا بمعالجة ثالوث الحرب والسلام والاقتصاد، وتبني الاقتصاد الانتاجي لا القائم على تلقي المعونات، وهذا بدوره يفرض وفق ما سبق السير على سياسات وسطية تكتسب رضى كافة الأطياف، وتعتمد مزيجا من التجارب الاقتصادية العالمية.

 

لقد جاء المجلس السيادي عنوانا للمرحلة، والملاحظة الجديرة هي طغيان الجانب الأكاديمي على عضوية الشق المدني في المجلس السيادي، وهي محاصصة لثلاث سنوات قادمة توضح دور المجلس في تحويل الثورة لبرامج عملية، وقلب الشعارات لحقائق وطنية تغير الواقع على الأرض.

ومن الواضح أن الجهود الصادقة ستواجه بتحديات وصعوبات تضعها على المحك، في ظل حكومة كفاءات تكنوقراطية تحاول قدر الإمكان النأي بنفسها عن المحاصصة المناطقية، فجاءت انتصارا لإرادة الشعب، على الرغم من تمترس بعض قيادات القوى الحزبية خلف الأفق، انتظارا لما ستؤول إليه المرحلة، بادخار الجهود للمستقبل المنظور، وليس أدل على صحة ما نقول من ابتعاد بعض الاحزاب عن المشاركة بأي من العضويتين سواء مجلس الوزراء أم مجلس السيادة، ولا يفسر هذا إلا من باب الدهاء السياسي.

  

لقد جاء بيان حزب المؤتمر الوطني واضحا للجميع "إننا في حزب المؤتمر السوداني نؤكد أننا غير معنيين بهذه الشائعات، وأن تركيزنا الآن منصب على مواجهة تحديات الفترة الانتقالية، ودعم السلطة التي تتوافق عليها قوى الحرية والتغيير، ومواجهة قضايا الشعب الملحة وعلى رأسها السلام ومواجهة الأزمة المعيشية وتفكيك مؤسسات النظام البائد.

 

وإذا كانت الأدبيات السياسية تنظر للثورة التي تأكل صغارها، فمن المحزن حقا أن مثالية التمثيل الحكومي لن تقدر على إزالة المظلومية التاريخية التي حاقت بالمشهد السوداني، ولن تصل للعدالة الاجتماعية المنشودة، وهي أمور تتطلب سنوات من العمل الدؤوب، وان غدا لناظره قريب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.