مفاجئا كان قرار حركة النهضة التونسية ترشيحها نائب الحركة الشيخ عبد الفتاح مورو لخوض سباق الرئاسة، صحيح أن من حق حركة النهضة كغيرها من الأحزاب الأخرى التنافس على كل المناصب السياسية، فهذه هي طبيعة اللعبة الديمقراطية، والوصول للسلطة هو هدف الأحزاب السياسية ولهذا الغرض تتشكل، لكن بالمقابل فإن حداثة عهد منطقتنا بالديمقراطية، والتجارب الأخرى القريبة، فضلا عن التحولات التي يشهدها العالم لجهة القلق من الحركات ذات الخلفيات الدينية يجعل قرارا النهضة محفوفا بالمخاطرة البالغة، إذا لم نقل المقامرة.
فقد نجحت النهضة في التقاط الرسالة عقب انقلاب ٢٠١٣ في مصر، بالتراجع خطوة للخلف، والانحناء لعاصفة الثورات المضادة التي شنت حربا ضروسا ضد كل مخرجات الربيع العربي، مسكونة بهوس القضاء على كل التجارب التي تمخضت عنه، ومحمولة في ذات الوقت بكراهية بالغة للإسلاميين الذين كانوا أبرز التيارات التي تصدرت المشهد السياسي آنذاك، وكان تراجع النهضة في ذلك الوقت خطوتين للخلف بمثابة الوصفة التي أمنت طوق النجاة للحركة، وسط إقليم معاد، وعالم قلق ومتشكك من قوى الثورات عموما، ومن الإسلاميين خصوصا.
سيقول النهضويون أن تونس ليست مصر، وأن الجيش لا يتدخل في السياسة، صحيح لكن دول الثورات المضادة تتدخل في الدول وفي الجيوش وفي كل شيء |
وفي سياق شرح الظروف المغايرة التي شجعت الحركة على تلك الخطوة، يقول أحد قيادييها بأن الظروف المحلية تغيرت، حيث لم يعد التونسيون ينظرون للإسلاميين بذات نظرة الشك والقلق التي تولدت لديهم نتاج عقود من التحريض ضدهم، كما أن الإقليم تغير يقول القيادي.
إلا أن نظرة فاحصة للوضع الإقليمي يكشف بكل أسف أنه ربما أكثر تعقيدا مما كان عليه عام ٢٠١٣، فثمة تحالف شرس خليجي إقليمي مدعوما ومباركا من الرئيس الأمريكي لا يؤمن بالديمقراطية، ويمارس سلوكا ممجنها للقضاء عليها لصالح ترسيخ النظم الشمولية المستبدة، التي تسخر نفسها ومقدرات بلادها للخارج مقابل ضمانه لكراسيها، وغض الطرف عن الانتهاكات التي تمارسها.
وترى تلك النظم المستبدة بأن المهدد الرئيس لبقائها هي الديمقراطية، وفي سبيل اجتثاثها تبدو مستعدة للتحالف سياسيا مع الشيطان، ودينيا لتغيير الإنجيل والقرآن، وهو الأمر الذي بات واقعا وليس متخيلا إذ تتحالف بعض دول الخليج مع إسرائيل، وشرعت منذ فترة في صياغة دين جديد، حشدت له علماء يقرون بأحقية إسرائيل في فلسطين، فهل يمكن في مثل هذا السياق المجنون إن صح التعبير، أن تختار النهضة الترشح للرئاسة والبرلمان، الأمر الذي يبدو للمراقب تكرارا واضحا لأخطاء إخوان مصر بالاستحواذ على الرئاسة والبرلمان، ما سهل من مهمة الدولة العميقة وقتها ليس فقط في الانقلاب عليهم، بل وفي شيطنتهم وإظهارهم في مظهر المتعطش للسلطة، الأمر الذي سهل من مهمة اجتثاثهم ونزع التعاطف الشعبي عنهم، تمهيدا للانقضاض عليهم.
سيقول النهضويون أن تونس ليست مصر، وأن الجيش لا يتدخل في السياسة، صحيح لكن دول الثورات المضادة تتدخل في الدول وفي الجيوش وفي كل شيء، وهي مازالت تواصل معركتها حاشدة لها إعلاميا وسياسيا، ومعتمدة على حالة السيولة والفراغ في المنطقة، والتي أطلقت يديها بالكامل، فهل ستسمح تلك القوى بعودة الإسلاميين لتصدر المشهد السياسي؟ تقديري أن بقاء النهضة كحركة كبيرة وبيضة قبان، وصانعة للرؤساء ورؤساء الحكومات هو أفضل لها من القفز للأعلى في بلد يعاني وضعا اقتصاديا معقدا، وموارد محدودة، وخيارات سياسية بالغة التعقيد، في ظل حالة الانقسام العربي القائمة.
يمكن للنهضة أن تواصل القول إنها ليست امتدادا للإخوان، ولا علاقة لها بهم، كما يمكنها مواصلة الحديث عن فصل الدعوي عن السياسي، لكن كل هذا لا يعني شيئا للدول التي تكره الإسلاميين ومن مر يوما من باب بيتهم، كما اعتبرت منذ اليوم الأول نجاح تجربة تونس الديمقراطية كابوسا قد يلهب يوما حماسة الشعوب، لذا لن يتوانوا عن اجهاضها، والتخلص منها، ليناموا مرتاحين، أو على الأقل يعتقدون أنهم كذلك.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.